Herelllllan
herelllllan2

الاستعمار الاماراتي لجزيرة سقطرى .. بين المساعدات الظاهرة والانتهاكات المستترة

في ظل الصراع المتعدد الأطراف في اليمن، برزت جزيرة سقطرى كأحد أبرز المواقع الاستراتيجية التي جذبت أطماع القوى الإقليمية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة. تقع سقطرى في موقع فريد يربط بين المحيط الهندي وبحر العرب وخليج عدن، ما جعلها محط اهتمام عسكري واقتصادي وجغرافي، لكنها تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مسرح لانتهاكات متزايدة طالت السكان والممتلكات، وضربت في عمق السيادة الوطنية.

يمانيون / خاص

 

يهدف هذا التحليل إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الإماراتية الممنهجة في سقطرى، والتي تراوحت بين السيطرة العسكرية وتغيير البنية الاجتماعية والاقتصادية، وصولًا إلى محاولات طمس الهوية اليمنية عبر أدوات محلية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، ومؤسسات إماراتية مدنية ذات طابع استثماري وخيري في ظاهرها .
تكمن أهمية هذا التحليل في كونه يتجاوز السرد الإخباري إلى تفكيك الأبعاد السياسية والأمنية والثقافية لهذه التدخلات، ويعرض تأثيرها المباشر على حياة السكان، وحقهم في العيش بكرامة تحت سلطة وطنية ذات سيادة،  كما يحاول لفت الأنظار إلى الأبعاد البيئية والإنسانية الخطيرة لتجريف الأراضي ونهب الموارد، وسط صمت إقليمي ودولي مريب.

 

التدخل العسكري والسياسي الإماراتي في سقطرى

منذ عام 2016، بدأت الإمارات بمد نفوذها في أرخبيل سقطرى، عبر إرسال مساعدات إنسانية ،غير أن هذه الأنشطة سرعان ما تحولت إلى وجود عسكري وأمني، تمثل في إنزال قوات عسكرية إماراتية إلى الجزيرة في عام 2018، والسيطرة على مطارها ومينائها دون أن تحرك حكومة المرتزقة ساكناً.

وفي يونيو 2020، استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا، السيطرة على الجزيرة بشكل كامل،برعاية إماراتية مباشرة، وأتاح لأبوظبي بسط سيطرة فعلية غير معلنة على الجزيرة.

 

 انتهاكات حقوق المواطنين وممتلكاتهم

وفقًا لتقارير حقوقية دولية، عملت الإمارات  على تنفيذ حملات اعتقالات تعسفية وتهجير قسري ومصادرة ممتلكات خاصة، بالإضافة إلى فرض واقع أمني قائم على الولاء السياسي، لا على القانون، ومن بين الانتهاكات التي تم توثيقها، اعتقال نشطاء وصحفيين وقيادات محلية معارضة للوجود الإماراتي، وتهديد مواطنين رفضوا بيع أراضيهم أو الانخراط في مشاريع تابعة لمؤسسة “خليفة الإنسانية”، ومنح بطاقات تعريف غير رسمية للسكان من جهات إماراتية، في خطوة تهدف إلى تغيير ديمغرافي مقنّع.

 

استحواذ اقتصادي وتجريف بيئي

أرغمت شركات إماراتية حكومة المرتزقة،  على توقيع عقود تمليك واستئجار طويلة الأمد لأراضٍ ساحلية وزراعية، أُخرجت عن ملكية المواطنين المحليين.

كما تم تسجيل عمليات نقل لأنواع نادرة من النباتات والأشجار والطيور إلى الإمارات، ما أثار مخاوف بشأن محو هوية الجزيرة البيئية الفريدة، خاصة وأن سقطرى مصنفة كمحمية طبيعية عالمية ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.

وشمل التمدد الاقتصادي السيطرة على ميناء سقطرى واستخدامه في أغراض غير معلنة، واحتكار قطاع الثروة السمكية عبر شركات مرتبطة بالإمارات، وتوصيل خدمات اتصالات وإنترنت إماراتية خارج منظومة الدولة اليمنية.

 

 طمس الهوية وفرض واقع ثقافي جديد

بحسب تقارير وشهادات محلية، نظّمت الإمارات  فعاليات عامة واحتفالات وطنية إماراتية داخل سقطرى، رُفعت فيها أعلام الإمارات، وتم تشغيل النشيد الوطني الإماراتي بدل اليمني، في المدارس والمراكز العامة، هذا الواقع الثقافي الجديد ترافق مع تغييب للمناهج التعليمية اليمنية الرسمية، ومحاولة تغيير الزي التقليدي والمصطلحات المحلية بما يتماشى مع الثقافة الإماراتية، وتهميش دور المشايخ والزعامات المجتمعية لصالح قيادات مرتبطة بالإمارات.

 

خاتمة

تمثل الانتهاكات الإماراتية في جزيرة سقطرى نموذجًا واضحًا لتقاطع المصالح الجيوسياسية مع الانتهاكات الحقوقية، في ظل ضعف حكومة المرتزقة من تسمي نفسها بالشرعية،  ومن المهم أن يُعاد تسليط الضوء على هذه القضية، لا بوصفها مسألة سيادة وطنية فقط، بل كقضية إنسانية تتعلق بشعبٍ يُسلب منه حقه في الأرض والهوية والقرار.

الحفاظ على سقطرى مسؤولية جماعية تقع على عاتق اليمنيين، قبل أن تُمحى ملامح الجزيرة، وتُبتلع ضمن مشاريع أطماع الاستعمار الاماراتي المغلف بالمساعدات والوعود.

إن ما يحدث في سقطرى ليس مجرد تجاوزات عابرة، بل هو مشروع منظم لإعادة تشكيل الجغرافيا والديمغرافيا والسيادة، بما يخدم أطماع الاحتلال الإمارتي على حساب السكان الأصليين، والجزيرة مهددة بأن تفقد خصوصيتها البيئية، وتاريخها الثقافي، وتماسكها الاجتماعي، لتتحول من درة يمنية إلى مستعمرة إماراتية مغلقة.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com