الوهابية وتشويه المولد النبوي.. قراءة في البعد الاستعماري للمشروع
يمانيون|تقرير|منصور البكالي*
لم تكن ذكرى المولد النبوي الشريف موضع خلاف بين المسلمين على مرّ العصور، بل كانت مناسبة جامعة تفيض بالمحبة والتعظيم لرسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وموسمًا للصلة الروحية به وتعزيز الانتماء لدينه وسيرته وأخلاقه.
لكن هذا المشهد تغيّر جذريًا مع بروز الحركة الوهابية التي أسسها محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية بتحالف مع آل سعود، ضمن مشروع سياسي وفكري استعماري رعته بريطانيا، هدفه ضرب وحدة الأمة الإسلامية من الداخل وتشويه صورة الإسلام المحمدي الأصيل، ويقف خلفه اليوم اليهود الصهاينة.
جاءت الوهابية برؤية مغطاة بعباءة دينية متشددة ذات طابع تكفيري متطرف، اتخذت مما تطلق عليه “محاربة البدع والشرك” ذريعة لهدم معالم الإسلام التاريخية، ومحو آثار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتجفيف منابع الارتباط الروحي به وبأهل بيته وأعلام الهدى. ولم يكن هذا التوجه مجرد اجتهاد فقهي، بل مشروعًا ممنهجًا لفصل الأمة عن نبيها، تحت شعارات ظاهرها ديني وباطنها سياسي يخدم مصالح الاستعمار الغربي، وفي مقدمته المشروع الصهيوأمريكي.
لقد لعبت الوهابية دور رأس الحربة في تفكيك الوعي الجمعي الإسلامي، وتحويل الأنظار عن قدوة الأمة ومصدر عزّتها. فبات إحياء المولد النبوي الشريف يُعتبر بدعة وضلالة، وأصبح ذِكر النبي والصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُعد من مظاهر الغلو المحرَّم، ويُكفَّر فاعله وتُستباح دمه وماله، بحسب الفتاوى المتشددة التي فرضها التيار الوهابي.
وفي الحرمين الشريفين، حيث تحتضن مكة والمدينة أعظم معالم الرسالة المحمدية، لم تسلم دور النبي وبيوته وآثاره من الطمس والتشويه، فقد حُوّلت بعضها إلى مواقف سيارات، وأخرى إلى فنادق وحمامات عامة، فيما جرى تجاهل بعضها حتى تحوّلت إلى أماكن مهملة أو مكبّات نفايات، في سياسة مدروسة لمحو البُعد التاريخي والوجداني للإسلام المحمدي.
هذه السياسات لم تكن مجرد مظاهر تشدد ديني، بل تنفيذًا مباشرًا لأجندة استعمارية تسعى لتغييب شخصية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن وجدان الأمة، واستبدال رموزه وشخصيته بقدوات دخيلة ومشوّهة.
وضمن هذا المخطط، تفرّعت عن الوهابية جماعات تكفيرية متطرفة كـ”داعش” و”القاعدة”، والتي رُوّج لها في الإعلام الغربي بوصفها تمثل الإسلام، في حين أنها في الحقيقة تجسّد أبشع الصور التي خُطِّط لها لتشويه الإسلام وزرع الخوف منه في العالم.
وعملت هذه الجماعات، التي نشأت بتغذية استخباراتية غربية، على استباحة الدماء والأعراض، وضرب النسيج الاجتماعي في البلدان الإسلامية، وتوجيه البوصلة ضد أبناء الأمة، والاستعانة باليهود والتطبيع معهم، وتنفيذ مخططاتهم في المنطقة، كما هو حاصل اليوم في سوريا.
ومن المفارقات الصارخة، أن المملكة السعودية – التي تتبنى الفكر الوهابي – تحتفي بميلاد ملوكها وأمرائها وتُحيي ذكراهم بكل فخر، لكنها تُحرّم الاحتفال بمولد النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتجرّمه، وتلاحق الداعين إليه. وهذا يعكس ازدواجية خطيرة في المعايير تكشف حقيقة التوجه السياسي أكثر من كونه دينيًا.
وفي اليمن، امتدت اليد الوهابية إلى محاولة تدمير البنية المذهبية والثقافية؛ فتم التضييق على أتباع المذهب الزيدي في الشمال، والفكر الشافعي والصوفي في الوسط والجنوب، كما أُغتيل العلماء، وهُدمت المساجد التاريخية، وأُدرجت المناسبات الدينية – وفي مقدمتها المولد النبوي – ضمن قوائم ما يسمونها بـ”البدع” المحرّمة.
كما أُسست مئات المعاهد الوهابية بعباءة دينية في الشكل لنشر فكرها المدمّر وسمومها الفتاكة، وتم تغيير المناهج التعليمية لتقليص كل ما له علاقة بسيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفضائله وصفاته وتاريخه، في مقابل الانفتاح الواسع على مظاهر الانحلال الأخلاقي والاحتفالات الغربية، وتصدير رموز الترف واللهو كمثل أعلى للأجيال.
إن أخطر ما أصيب به المسلمون في العصر الحديث هو فيروس الوهابية، الذي أسهم في تمزيق صفوف الأمة، وخلق بيئات الاحتراب الطائفي والمذهبي، وزرع بذور الفُرقة والانقسام، بعيدًا عن المعركة الحقيقية مع الاستعمار وأعداء الأمة اليهود الغاصبين لفلسطين وأجزاء من لبنان وسوريا، والاردن، ومخططاتهم التوسعية في المنطقة برمتها.
وحدها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، تحت قيادة آعلام الهدى من آل البيت “عليهم السلام” والمناسبات المرتبطة به، وعلى رأسها المولد النبوي الشريف، تمتلك القدرة على توحيد المسلمين بمختلف مذاهبهم وثقافاتهم، وإعادة ربطهم بنبيهم وقرآنهم ، توجيه البوصلة ضد عدو الإسلام الحقيقي اليهود، وتوضيح المعنى الأسماء للإسلام، كرسالة رحمة وعدل وكرامة إنسانية.
ومن هنا، فإن استهداف المولد النبوي ليس إلا جزءًا من مشروع أكبر لتفريغ الأمة من محتواها الروحي والوجداني، وإقصاء الإسلام المحمدي الأصيل لصالح ثقافات مستوردة، تمهيدًا لهيمنة استعمارية يهودية صهيونية جديدة بلبوس ثقافي وديني مشوّه، يجري تنفيذها ضد الأمة اليوم.
وامام هذا المشروع الاستعماري يجب تفعيل القوانين وسن أخرى لاجتثاث الفكر الوهابي بالجمع بين التثقيف، الإعلام، التربية، الحوار، الرقابة، والمحاسبة، وتعزيز الهوية الإسلامية الصحيحة، مع حماية المجتمعات من الاستقطاب المالي والسياسي الخارجي.
*المسيرة نت.