أسطول الصمود .. بين حق إنساني وبطش مدجج بالدعم الأمريكي

في مشهدٍ بات يتكرّر لكنّ صداه هذه المرة كان أكثر عمقاً وامتداداً، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على اعتراض أسطول الصمود المتجه إلى غزة حاملاً مساعدات إنسانية وأملاً محمولاً على أمواج البحر، الحدث الذي وقع في المياه الدولية لم يكن مجرد مواجهة بحرية عابرة، بل لحظة كاشفة كشفت القناع عن الوجه الحقيقي للاحتلال، وعرّت من يدعمه أو يصمت عن جرائمه.

يمانيون / تقرير / خاص

 

مشهد العدوان .. والصدمة العالمية

في ساعات الصباح الباكر، اقتحمت الزوارق الحربية للعدو الإسرائيلي سفن أسطول الصمود في عرض البحر، بعيداً عن المياه الإقليمية، وأقدمت على إنزال مسلح واحتجاز النشطاء والبحارة على متنها، في مشهد يعيد إلى الأذهان مذبحة أسطول الحرية عام 2010، لكن هذه المرة وسط تصاعد غير مسبوق في التوتر العالمي تجاه سياسة العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل ضد قطاع غزة.

الأسطول الذي كان يضم نشطاء من أكثر من 30 دولة، أبحر محملاً بإمدادات إنسانية رمزية، غذاء، دواء، مواد طبية، كان يهدف إلى كسر الحصار البحري الخانق المفروض على غزة منذ أكثر من 17 عاماً،  لكن الرد الإسرائيلي جاء بعنف وصلف كعادته، مستنداً إلى شعور مزمن بالحصانة نتيجة الدعم الأمريكي.

 

ردود الفعل الدولية

الدول العربية أكتفت بعضها كالعادة بالتنديد فيما لم تقل دول أخرى كلمة واحدة وكأنهم خارج كوكب الأرض ، سلطنة عمان وصفت ما جرى بأنه “جريمة بحرية موصوفة”، بينما حذّرت الأردن من التمادي الإسرائيلي واعتبرت أن أمن النشطاء المحتجزين مسؤولية مباشرة تتحمّلها تل أبيب، قطر طالبت بتحقيق دولي مستقل، مشيرة إلى أن “استهداف المساعدات الإنسانية يُعد تطوراً خطيراً في سلوك الاحتلال”.

بينما أصوات من آسيا وأفريقيا اللاتينية اتخذت مواقف تصعيد عملي ، ماليزيا سارعت للمطالبة بالإفراج الفوري عن مواطنيها.

وكولومبيا ردّت بطرد دبلوماسيين إسرائيليين وإلغاء اتفاقيات تعاون، وأما جنوب أفريقيا دعت لتدويل القضية ورفْع الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية، هذه الدول باتت ترى في الصمت الدولي وصمة عار، وفي الدعم الأمريكي غطاءً لشراكة واضحة في الجرائم.

أما مواقف الدول الأوروبية، فقد نددت بالاعتداء على أسطول الصمود وبين حرج وتحرك بحذر ، عبرت كل من فرنسا، ألمانيا، إيرلندا، بلجيكا، إسبانيا واليونان عن قلق بالغ، مطالبة بتفسير رسمي وتقديم ضمانات لسلامة الرعايا الأوروبيين، لكن التباين واضح بين الخطاب الرسمي والتحرك الشعبي، فعشرات آلاف المتظاهرين خرجوا في باريس، برلين، روما ومدريد، مطالبين بكسر الحصار ومحاسبة إسرائيل، وكذا إضرابات عمالية شلت موانئ إيطالية ترفض تحميل أو تفريغ أي شحنة متوجهة إلى إسرائيل.

بينما عبّرت المفوضية الأممية لحقوق الإنسان عن “صدمتها”، فإن غياب أي تحرك عملي فعّال، خاصة من مجلس الأمن، يضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك. نشطاء وصفوا هذا الصمت بأنه “تواطؤ بالسكوت”.

 

العدوان الذي انقلب على المعتدي

بعكس ما أراده العدو الإسرائيلي، لم يؤدِّ اعتراض الأسطول إلى كسر إرادة المشاركين أو ردع حركات التضامن، بل كشف هشاشة السردية الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي، وأطلق موجة غير مسبوقة من السخط، وضربة معنوية ودبلوماسية، فالهجوم حوّل إسرائيل إلى دولة تعتدي على سفن مساعدات إنسانية، وهو تحول في الصورة الإعلامية والدبلوماسية يصعب تداركه، خاصة في عصر الاتصالات المفتوحة.

المتظاهرون في أكثر من عاصمة لم يكتفوا بمهاجمة إسرائيل، بل حمّلوا الولايات المتحدة المسؤولية السياسية والأخلاقية بوصفها “الممّول الأول للعدوان”.

فيما عدة منظمات حقوقية بدأت تحضّر ملفات لرفعها إلى محاكم أوروبية ودولية ضد قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين متورطين في إعطاء أوامر الهجوم، مستندين إلى خرق القانون الدولي البحري.

 

هل تتغير المعادلة؟

حادثة أسطول الصمود ليست حدثاً معزولاً، بل منعطف في مسار متصاعد من السخط العالمي تجاه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، فما جرى لم يكن مجرد اعتداء على سفينة، بل هجوم على ضمير العالم.

إذا استمر المجتمع الدولي في الاكتفاء بالتنديد اللفظي، فإن إسرائيل ستواصل اعتداءاتها بثقة تامة في الحصانة التي تمنحها لها واشنطن.
لكن إن تحوّلت هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق نحو إجراءات سياسية وقانونية واقتصادية، فقد تكون بداية لتفكيك الغطاء السياسي الذي طالما حمى الاحتلال من المساءلة.

في انتظار أن يقول العالم كلمته، يظل البحر شاهداً على جريمة جديدة، ومقاومة لا تنكسر.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com