“اليد الخفية” في جنوب اليمن.. كيف تُعد إسرائيل وأمريكا عدن لتكون منصة الحرب القادمة بالوكالة ضد صنعاء؟

يمانيون|تقرير|محسن علي
في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى البحر الأحمر، حيث تواصل القوات المسلحة اليمنية في صنعاء عملياتها ضد السفن المرتبطة بإسرائيل نصرةً لغزة، تتشكل على الأرض في جنوب اليمن المحتل خيوط مؤامرة أكثر تعقيداً’, تشير معلومات استخباراتية وتحركات ميدانية إلى أن تحالفاً تقوده الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وبدعم لوجستي إماراتي، يعمل بصمت على تحويل جنوب اليمن إلى قاعدة متقدمة لشن حرب بالوكالة ضد صنعاء، مستخدماً مليشيات ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي وطارق عفاش وقواتهما كأداة رئيسية في هذا المخطط.

شحنة الأسلحة الغامضة.. تمويه استراتيجي أم خطأ فادح؟
أثار الإعلان الأخير من قبل السلطات في عدن عن ضبط 58 حاوية تحتوي على مصانع طائرات مسيرة، قيل إنها كانت في طريقها إلى صنعاء، عاصفة من الجدل والشكوك, يرى محللون أن فرضية تهريب صنعاء لهذه الكمية الهائلة عبر ميناء عدن الخاضع لرقابة دولية مشددة هو “سيناريو غير منطقي”, فميناء الحديدة، الذي يستقبل مئات الشحنات أسبوعياً بآلية تفتيش أممية (UNVIM) وصفتها بريطانيا نفسها بأنها “غير دقيقة”، يوفر مساراً أكثر أمناً ومنطقية.
الاحتمال الأرجح، والذي تدعمه مصادر مطلعة، هو أن هذه الشحنات جزء من خطة إسرائيلية-أمريكية لتسليح فصائل محلية في الجنوب, الهدف هو إنشاء بنية تحتية لتصنيع الطائرات المسيرة والمتفجرات داخل اليمن، لاستخدامها في عمليات اغتيال وهجمات دقيقة ضد شخصيات وأهداف في مناطق سيطرة صنعاء، على غرار ما حدث في إيران, الإعلان عن “ضبط” الشحنة قد يكون مجرد تمويه “نصف كم” لإخفاء المصدر الحقيقي للشحنة والهدف منها، وتجنب الإحراج السياسي من الكشف عن تسليم إسرائيل أسلحة بشكل مباشر لفصائل العمالة والارتزاق في المحافظات الجنوبية المحتلة التي أشار لضرورة تحريكها عدد من قادة الصهاينة بشكل علني في الأسابيع القليلة الماضية.

لجان التقييم والخبراء الأجانب.. بناء جيش بالوكالة
تتجاوز الأدلة مجرد شحنات الأسلحة, فمنذ سبتمبر 2025، تتواجد لجنة عسكرية أمريكية-إماراتية في محافظة شبوة، وتحديداً في قاعدة مطار عتق، التي حولتها دويلة الإمارات إلى ثكنة عسكرية منذ 2021, هذه اللجنة، التي تعمل بإشراف مباشر من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” والموساد، تقوم بعملية تقييم وتدريب شاملة لقوات ما يسمى “دفاع شبوة”، “العمالقة”، و”محور سبأ””
المعلومات المسربة تكشف عن وجود خبراء أجانب، بينهم مرتزقة كولومبيون متخصصون في تصنيع المتفجرات والمسيرات الانتحارية، يعملون تحت غطاء شركات أمنية خاصة مسجلة في بنما ومقرها أبوظبي. هؤلاء الخبراء يقومون بتدريب عناصر محلية في منشآت تحت الأرض تم بناؤها حديثاً في مطار عتق، مما يؤكد أن الهدف ليس مجرد تقييم، بل بناء قدرات هجومية متقدمة لزجهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى خدمة الكيان المجرم لإشغال صنعاء عن استمرار عمليات الإسناد المتعاظمة لغزة ومجاهدي الفصائل الفلسطينية.
هذه التحركات تأتي بعد اجتماع رفيع المستوى بين قائد القيادة الوسطى الأمريكية ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي، حيث تم بحث تشكيل تحالف عسكري ضد صنعاء، مما يضع هذه الأنشطة في سياق استراتيجي أوسع.

طارق صالح.. الحليف المفضل في الساحل الغربي
لا يقتصر الاهتمام الإسرائيلي على مرتزقة المجلس الانتقالي الجنوبي, فقد برز العميل “طارق صالح، قائد المجاميع التكفيرية والمرتزقة في الساحل الغربي، ككلب حراسة استراتيجي للعدو الصهيوني, ففي تصريحات متعددة، أشادت وسائل إعلام ومراكز أبحاث إسرائيلية بمواقفه التي دعا فيها مؤخرا إلى إعلان تحالفه مع الموساد بشكل علني ما أثار غضب الشارع اليمني بما فيهم العديد من مليشياته التي اتهمته بالعمالة الواضحة والصريحة وهو مالا يتم القبول به , ما أجبر بعض القيادات من الضباط والأفراد إلى الانشقاق من صفوفه وعودتهم إلى الصف الوطني .
يرى مراقبون إسرائيليون في مليشيا صالح، والمدعومة إماراتياً، قوة منظمة يمكن الاعتماد عليها لفتح جبهة جديدة ضد صنعاء من جهة الساحل الغربي، وتحديداً لتأمين الملاحة في باب المندب، وهو ما يخدم المصالح الإسرائيلية بشكل مباشر, هذا الدعم الإعلامي والسياسي يمهد الطريق لتعاون أعمق قد يشمل الدعم الاستخباراتي والعسكري، مما يجعل من قواته جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية “الحرب بالوكالة” التي يتم إعدادها.

التطبيع الصامت والنوايا المعلنة
لم يعد التقارب بين قيادة الانتقالي الجنوبي وإسرائيل سراً, ففي ديسمبر 2023، نقل صحفي إسرائيلي بارز عن مقرب من رئيس هذه العصابات، المدعو عيدروس الزبيدي، استعداد المجلس ليكون “يد إسرائيل على الأرض ضد من أسماهم بالحوثيين” مقابل دعم الكيان لمشروع الانفصال, وتكررت هذه الرسائل عبر زيارات وفود صحفية إسرائيلية إلى عدن في يوليو 2025، حيث التقت قيادات سياسية وعسكرية في الانتقالي، بما في ذلك وزير الدفاع في حكومة العمالة والارتزاق.
هذا التقارب يتزامن مع تصعيد اللهجة من تل أبيب وواشنطن, فوزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، توعد اليمن بـ”مصير إيران”، كما لمح السفير الأمريكي في إسرائيل إلى إمكانية توجيه ضربات جوية لليمن, هذه التهديدات، التي تأتي بعد فشل الضربات المباشرة في ردع هجمات صنعاء، تشير إلى تحول في الاستراتيجية: من المواجهة المباشرة إلى الحرب بالوكالة، حيث يتم استخدام أطراف فصائل المرتزقة في اليمن لتنفيذ الأجندة الإسرائيلية-الأمريكية

التحالف السعودي-الباكستاني.. جبهة بحرية جديدة
في تطور لافت، دخلت “السعودية وباكستان” على خط أزمة البحر الأحمر الذي تحاول أمريكا وبريطانيا وكيان العدو “عسكرته” على خلفية العمليات النوعية اليمنية في حظر الملاحة الصهيونية, واستمرار عمليات القوات المسلحة اليمنية في استهداف السفن الصهيونية والمخالفة لقرار الحظر اليمني التي بلغ عددها 228 سفينة منذ دخول اليمن في عملية إسناد معركة طوفان الأٌقصى.
هذا التحالف جاء بعد الفشل الذريع الذي مني به تحالف “حارس الازدهار” الذي قادته واشنطن لمساندة للعدو الصهيوني ، ويبدو أن الاستراتيجية الجديدة تعتمد على بناء تحالفات إقليمية ذات صبغة “إسلامية وفق الطريقة الأمريكية” تحت عنوان “حماية الملاحة الدولية” بهدف تشكيل ضغط على صنعاء والذي يأتي في ظل علاقات باكستانية-إسرائيلية متنامية خلف الكواليس بترتيبات سعودية ، لا يمكن فصله عن السياق العام, وهو ما جعل الحكومة اليمنية في صنعاء توجه عدة رسائل تحذيرية واضحة للصريحة للنظام السعودي حيث وجه سماحة قائد الثورة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي رسالة نصح وتحذير للنظام السعودي بعدم توريط أنفسهم ,مؤكدا أن أي أعتداء أو تحرك ضد اليمن في ظل عملياته المساندة لغزة واستمرار فرض الحصار البحري الخانق على الملاحة الصهيونية, يعتبر خدمة للكيان الصهيوني.

مؤشرات التصعيد العسكري
التحركات الملحوظة تؤكد وفق ما يراه مراقبون أن هناك توزيعا للأدوار وفق خطة أمريكية يجري تنفيذها استعدادها لتصعيد عسكري قادم تجاه صنعاء, حيث يتولى الكيان الإسرائيلي والإمارات مهمة بناء الجيوش بالوكالة على الأرض (مليشيا الانتقالي وطارق عفاش) بينما تتولى السعودية وباكستان مهمة تشكيل غطاء بحري إقليمي يضفي “شرعية” على أي عمليات مستقبلية في البحر الأحمر.

الخطر القادم
المشهد القائم اليوم في المحافظات الجنوبية المحتلة أصبح جزءاً من لعبة جيوسياسية كبرى متعددة الأذرع , إذ أن تسليح وتدريب فصائل المرتزقة تحت إشراف إسرائيلي-أمريكي بالتزامن مع تشكيل تحالفات بحرية إقليمية, تعد كلها مؤشرات لتصعيد عسكري قادم لمحاولة ثني اليمن عن نصرة غزة تزامنا مع توسيع دائرة الحصار المفروض على اليمن منذ 10 سنوات, الأمر الذي يضع النظامين السعودي والإماراتي في دائرة الاستهداف لعمليات الردع الاستراتيجي اليمني في أي لحظة.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com