طبول الحرب تقرع في الشرق الأوسط.. هل بدأ العد التنازلي للمواجهة الشاملة؟

يمانيون|تقرير: محسن علي
لم تعد مجرد مناوشات على الحدود أو رسائل ردع متبادلة، بل أصبحت مؤشرات واضحة على أن المنطقة تقف على حافة بركان قد ينفجر في أي لحظة, فمن غارات إسرائيلية في عمق البقاع اللبناني، إلى جسر جوي أمريكي-بريطاني محمّل بالقنابل، وصولاً إلى حشد مقاتلين أجانب على الحدود السورية-اللبنانية، تتجمع خيوط مشهد شديد التعقيد والخطورة، ينذر بأن اتفاقات وقف إطلاق النار الهشة قد أصبحت من الماضي، وأن التحضير لحرب واسعة النطاق قد بدأ بالفعل.

لبنان.. من خرق قواعد الاشتباك إلى نسفها بالكامل
جاءت الغارات الإسرائيلية الأخيرة على السلسلتين الشرقية والغربية في البقاع، والتي أدت إلى ارتقاء شهيدين، لتعلن بشكل دموي نهاية قواعد الاشتباك التي حكمت الجبهة اللبنانية لسنوات, لم يعد الأمر يقتصر على استهدافات محدودة في الجنوب، بل انتقل العدو إلى ضرب العمق اللبناني قرب الحدود السورية، في رسالة واضحة مفادها أن بنك أهدافه قد توسع، وأن كل لبنان أصبح مسرحاً لعملياته.
هذا التصعيد النوعي، بالتزامن مع التحليق المستمر للطيران المسير فوق العاصمة بيروت، يؤكد أن “إسرائيل” لم تعد تلتزم بأي خطوط حمراء، وأنها تسعى بشكل حثيث لجر حزب الله والمنطقة إلى مواجهة مفتوحة.
وهو ما رد عليه نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، بوضوح” إسرائيل لن تأخذ ما تريد من لبنان… ونحن لا يؤثر بنا التهديد” مؤكداً أن المقاومة جاهزة لكل الاحتمالات.

اتفاق وقف إطلاق النار.. غطاء للاغتيالات أم فخ استراتيجي؟
بالعودة إلى جذور التصعيد، يكشف التاريخ القريب أن النوايا الإسرائيلية لم تكن يوماً متجهة نحو سلام دائم. فمنذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار ودخول الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” إلى الجنوب كشرط أساسي، استخدم العدو هذا الترتيب كغطاء لتنفيذ أجندته الأمنية, ففي مقابل انسحاب شكلي ومماطلة واضحة في الخروج من كافة الأراضي المحتلة حتى اليوم، تحول الجنوب اللبناني إلى مسرح مفتوح لعمليات الرصد والاستهداف.

إن الإصرار الأمريكي-الصهيوني على بند انتشار الجيش وقوات اليونيفيل لم يكن بهدف تحقيق الاستقرار، بل لتسهيل عملية رصد تحركات المجاهدين في حزب الله والمقاومة اللبنانية بشكل عام وتحديد أهدافهم بدقة أكبر, والدليل الدامغ هو التصاعد الكبير في وتيرة الاغتيالات والخروقات التي راح ضحيتها عشرات الشهداء من المدنيين والمجاهدين، مما يؤكد أن الاتفاق كان مجرد فخ استراتيجي لكشف ظهر المقاومة وتسهيل استهدافها.

جسر جوي غربي.. وقود للحرب القادمة؟
في توقيت متزامن ومثير للريبة، بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا تسيير جسر جوي عسكري ضخم ومحمّل بالقنابل الثقيلة والمعدات العسكرية إلى الكيان الصهيوني. ورغم أن لندن تحاول تسويق هذه التحركات تحت غطاء “قوات مراقبة وقف العدوان على غزة”، إلا أن طبيعة الشحنات وحجمها يكشفان عن نية مختلفة تماماً.

يرى المراقبون أن هذا الدعم اللامحدود ليس مجرد خطوة لتعزيز ترسانة “إسرائيل”، بل هو ضوء أخضر أمريكي-بريطاني لتصعيد أوسع، وربما تهيئة لمسرح عمليات حرب إقليمية. فواشنطن ولندن لا تسلحان “إسرائيل” للدفاع، بل تمنحانها الأدوات اللازمة لشن عدوان أوسع، قد يكون الهدف منه تحقيق ما فشلت في تحقيقه في غزة، أو تنفيذ “خطة ترامب” بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الصراع، عنوانها لبنان وإيران.

الجبهة السورية.. ورقة ضغط أم تحضير لغزو بري؟
تزداد الصورة قتامة مع ورود تقارير استخباراتية غربية عن تحركات “غير عادية” وحشد لآلاف المقاتلين المتطرفين (من الشيشان والأوزبك والإيغور) على الحدود السورية-اللبنانية. هذا الحشد، الذي يتم تحت أنظار القوات الأمريكية في سوريا، يطرح تساؤلات خطيرة:
هل يتم تحضير هذه المجموعات لتكون وقوداً لحرب بالوكالة ضد حزب الله من الخاصرة السورية؟
أم أن الهدف هو استخدامها كذريعة لتدخل بري إسرائيلي أو أمريكي في لبنان تحت شعار “محاربة الإرهاب”؟
في كلتا الحالتين، يمثل هذا الحشد تهديداً وجودياً للبنان، وورقة ضغط خطيرة تهدف إلى إشغال حزب الله على جبهة إضافية وتشتيت قوته في حال اندلاع مواجهة شاملة مع العدو الإسرائيلي.

محور المقاومة.. جهوزية وثقة وتحذيرات من “الجحيم الشامل”
في مقابل هذه الحشود والتهديدات، لا يقف محور المقاومة مكتوف الأيدي، بل يبدي ثقة عالية بقدراته واستعداداً كاملاً للمواجهة. فمن طهران، تأتي الرسائل حاسمة وقوية, قائد الثورة، السيد علي خامنئي، وصف تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقصف الصناعة النووية الإيرانية بأنها مجرد “وهم وأحلام”، مؤكداً أن إنجازات الشباب الإيراني في الصناعات الدفاعية هي أفضل رد على محاولات العدو.
هذه الثقة تترجمها القيادة العسكرية على الأرض, قائد مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي، العميد علي رضا صباحي فرد، أكد أن إيران “ستتصدى بحزم لأي تهديد” وكشف عن نجاح القوات الإيرانية في التصدي لمحاولات العدو استهداف المراكز الحيوية وترميم المعدات المتضررة في أقصر وقت ممكن، مشدداً على أن إيران تعتمد بالكامل على قدراتها الذاتية رغم كل العقوبات. هذا الموقف يعكس عقيدة دفاعية متكاملة لا تعتمد على رد الفعل فحسب، بل على المبادرة والقدرة على امتصاص الصدمات والرد بقوة أكبر.

تكامل المواقف مع اللاعب المحوري في معادلة الردع”اليمن”
هذه الجهوزية الإيرانية تتكامل مع الموقف اليمني، الذي أثبت أنه لاعب محوري في معادلة الردع الإقليمية عبر عملياته في البحر الأحمر, فصنعاء لن تقف متفرجة، وأي حرب على لبنان أو إيران أو تجدد العدوان الصهيوني على غزة ونكثها للإتفاق ستعني تلقائياً اشتعال جبهة البحر الأحمر وإغلاق مضيقي باب المندب وهرمز بشكل غير مسبوق، مما سيخنق الكيان الصهيوني ويشل حركة التجارة العالمية المرتبطة به.

مستقبل على كف عفريت
إن تزامن الغارات في عمق لبنان، مع الجسر الجوي الغربي، وحشد المرتزقة في سوريا، والجاهزية المعلنة لمحور المقاومة، يرسم صورة قاتمة لمستقبل المنطقة. لم يعد السؤال “هل ستقع الحرب؟” بل “متى ستقع وكيف سيكون شكلها؟”, كل المؤشرات تدل على أن “إسرائيل”، مدعومة بغطاء أمريكي كامل، قد اتخذت قرارها بالتصعيد، وأن اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان قد مات إكلينيكياً.

ختاما
المنطقة تدخل مرحلة جديدة وشديدة الخطورة، حيث تتشابك فيها الجبهات من اليمن إلى لبنان وصولاً إلى إيران, وأي شرارة في أي من هذه الجبهات قد تشعل حريقاً إقليمياً شاملاً، ستكون تداعياته كارثية ليس فقط على الشرق الأوسط، بل على العالم بأسره.

You might also like