بين الدولة في صنعاء والمليشيا في المحافظات المحتلة .. فرق الأخلاق قبل السياسة
في الوقت الذي تعيش فيه العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الحرة حالة من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وتواصل مؤسسات الدولة أداء مهامها بمسؤولية وانضباط رغم الحصار والحرب، تغرق المحافظات المحتلة في الجنوب، وعلى رأسها عدن، في فوضى أمنية وصراعات دامية بين فصائل المليشيات التابعة لتحالف العدوان، وسط تدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية والخدمات الأساسية، وتفشي مظاهر النهب والاعتقالات التعسفية والانفلات الأخلاقي والإداري.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
صنعاء .. ثبات الدولة ومسؤولية القيادة
في صنعاء، تتجسد ملامح الدولة في صورتها الحقيقية، مؤسسات فاعلة، وأجهزة أمنية يقظة، واقتصاد صامد رغم كل التحديات.
الانضباط الإداري في مؤسسات الدولة، واستمرار عملية صرف المرتبات وفق الإمكانات المتاحة، وتنظيم الأسواق والمرور، ومتابعة قضايا المواطنين، كلها مؤشرات على وجود دولة مسؤولة تدير شؤون الناس بروح وطنية عالية، وتتعامل مع الظروف الاستثنائية بعقلانية ومسؤولية.
كما تحرص القيادة السياسية والثورية في صنعاء على تعزيز الوعي المجتمعي في مواجهة الحرب الناعمة التي يشنها الأعداء لاستهداف الهوية الإيمانية والثقافة الوطنية، مؤكدة في الوقت نفسه على وحدة الموقف تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي باتت جزءاً أصيلاً من وجدان الشعب اليمني الحر.
المحافظات المحتلة .. فوضى المليشيات وانهيار القيم
في المقابل، يعيش المواطن في عدن والمحافظات المحتلة وضعاً مأساوياً على جميع الأصعدة، من عمليات اعتقال تعسفية تطال النشطاء والمواطنين، وتقطعات في الطرقات تستهدف التجار والمسافرين، ونهب للممتلكات العامة والخاصة، وصراعات مسلحة بين فصائل موالية للتحالف السعودي الإماراتي تتنازع السيطرة والنفوذ على حساب أمن واستقرار الناس.
كما يعاني المواطن في المحافظات المحتلة، من انعدام الخدمات الأساسية وغلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء والمياه، في ظل غياب تام لأي مؤسسات دولة حقيقية، وتفشي ظواهر الفساد والارتزاق والولاءات الضيقة، ما حول المدن المحتلة إلى ساحات تصفية حسابات ومراكز نفوذ متصارعة.
الفارق الأخلاقي قبل السياسي .. وعي يبني الدولة وهوية تحمي المجتمع
ليست المقارنة بين صنعاء والمحافظات المحتلة، مقارنة بين دولتين أو نظامين سياسيين، بل بين منظومتين أخلاقيتين، لدولة واحدة نصفها مسلوب الإرادة والحرية ومرتهنة للعدو المحتل، وتتغذى على الانقسام واستباحة حقوق المواطنين مقابل مكاسب فئوية وشخصية، ونصفها الآخر في صنعاء وكل المحافظات الحرة، تقوم على قيم المسؤولية والانضباط والالتزام بالمصلحة العامة ومواجهة العدو الخارجي،
الهوية الإيمانية .. درع الحصانة ومصدر الثبات
لقد أصبحت الهوية الإيمانية مبدأً جامعًا لكل أبناء الشعب في المناطق الحرة، تتجسد في السلوك اليومي، في المدارس والمساجد، في الإعلام والشارع العام، وفي الخطاب الرسمي والشعبي على حدٍّ سواء.
هذا الالتزام بالقيم الإيمانية لم يعد مجرد شعار، بل أصبح ممارسة عملية تظهر في الانضباط، في الأمانة بالعمل، وفي التكافل الاجتماعي، وفي احترام النظام العام، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تعزيز التماسك الاجتماعي واستقرار الوضع الأمني والاقتصادي رغم الحصار والعدوان.
وفي المقابل، تسود في المحافظات المحتلة حالة من الفراغ القيمي والانحلال الأخلاقي، حيث تُستباح القيم والمبادئ تحت مسمى الحرية، وتُغيب الهوية الوطنية والدينية في خضم ثقافة دخيلة يراد فرضها لتفكيك المجتمع وتغريب وعيه عن قضاياه الكبرى.
تحصين المجتمع من الحرب الناعمة
أدركت صنعاء مبكرًا أن المعركة ليست فقط عسكرية أو اقتصادية، بل معركة وعي في المقام الأول، لذلك انطلقت الجهود التربوية والإعلامية والثقافية لتحصين المجتمع من مظاهر الانحلال والتفكك الأسري، ومن ثقافة اللهث وراء المظاهر الغربية الفارغة التي يسعى العدو لفرضها عبر الإعلام والمنصات الإلكترونية.
تم تعزيز الخطاب الذي يربط بين القيم الإيمانية والهوية الوطنية، ويغرس في وعي الشباب مبادئ العفة، والمسؤولية، والانتماء للأمة، والتصدي لكل أشكال الاستهداف الأخلاقي والفكري.
ثقافة الجهاد والتحرر.. وعي الحرية لا التبعية
ومن بين أبرز الفوارق الأخلاقية التي تميز صنعاء، هو إحياء ثقافة الجهاد بمعناها الواسع، جهاد النفس، وجهاد الكلمة، وجهاد الدفاع عن الوطن والأمة، هذه الثقافة أعادت تعريف مفهوم الحرية لا بوصفها انفلاتًا من القيم، بل تحررًا من الوصاية الأجنبية وهيمنة القوى المتغطرسة، ولذلك بات شعار الحرية والاستقلال والتحرر من الوصاية، جزءًا من وعي المجتمع، ومحرّكًا للطاقات الشعبية نحو البناء والمقاومة، في حين تبدو المحافظات المحتلة غارقة في التبعية والارتهان للقرار الأجنبي، فاقدة لأي مشروع وطني جامع.
قيم تبني الإنسان قبل الدولة
ما يحدث في صنعاء ليس مجرد إدارة سياسية، بل مشروع قيمي وأخلاقي لبناء الإنسان اليمني الحر، الإنسان المؤمن الواعي القادر على التمييز بين العدو والصديق، بين الحق والباطل، ومن هنا يتجلى الفارق الحقيقي بين دولة تمتلك مشروعًا أخلاقيًا متجذرًا في ثقافة الأمة، وبين مليشيات لا تملك سوى السلاح والولاء للمحتلين.
دلالات المقارنة .. من الفوضى التابعة إلى الدولة الواعية
إن المقارنة بين ما يجري في صنعاء والمحافظات الحرة وما تشهده المحافظات المحتلة، لا تقتصر على اختلاف المشهدين في المظهر العام، بل تكشف عن صراع بين مشروعين متناقضين في الجذور والغاية، مشروع وطني مستقل يرتكز على الوعي القرآني والهوية الإيمانية والسيادة، ومشروع آخر تابع للمحتلين، يقوم على الفوضى والانقسام والارتهان السياسي والأخلاقي.
دلالة الوعي في صناعة الاستقرار
تثبت التجربة في صنعاء أن الوعي هو أساس الأمن، وأن استقرار المجتمع لا يتحقق بالقوة العسكرية وحدها، بل بنضج وعي الناس وإيمانهم بعدالة قضيتهم، كلما ازداد وعي المواطن بهويته وبمشروعه الوطني، تضاءلت فرص الاختراق والفتنة، وهو ما جعل صنعاء أكثر تماسكا رغم الحصار والقصف ومحاولات التشويه الإعلامي.
دلالة الأخلاق في بناء الدولة
يُظهر الواقع أن الأخلاق ليست ترفًا اجتماعيًا بل شرطًا لبقاء الدولة، فحين تتجذر القيم في مؤسسات الحكم، وتتحول المسؤولية إلى أمانة لا إلى مغنم، تزدهر الدولة وتكتسب ثقة المواطن.
في صنعاء، تُدار المؤسسات بروح المسؤولية والانضباط، ويُحاكم الفساد باعتباره خيانة للأمانة العامة، فيما تغيب في عدن أبسط مظاهر الدولة، لأن السلطة المأجورة لا يمكن أن تُنتج عدلًا أو انضباطًا.
دلالة الهوية في مواجهة الحرب الناعمة
تجربة صنعاء أكدت أن الهوية الإيمانية والوطنية ليست مجرد رمز ثقافي، بل سلاح استراتيجي في مواجهة الحرب الناعمة.
فالعدو حين عجز عن كسر إرادة اليمنيين عسكريًا، حاول اختراقهم ثقافيًا عبر الإعلام والمنصات المموّلة، لنزع قيمهم واستبدالها بثقافة التبعية والانحلال.
لكن صنعاء واجهت ذلك بهوية صلبة، فحوّلت الهجوم الثقافي إلى فرصة لتعزيز الوعي والانتماء، في حين تحوّلت عدن إلى ساحة لتصدير الفساد والانقسام.
دلالة الموقف من قضايا الأمة
تكشف المقارنة كذلك عن فارق الموقف من قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
ففي صنعاء، تتوحد القيادة والشعب في موقف مبدئي واضح، الانتصار للمستضعفين، والوقوف مع محور المقاومة، واعتبار فلسطين قضية إيمانية وإنسانية قبل أن تكون سياسية.
بينما تلتزم سلطات المرتزقة في المحافظات المحتلة، الصمت أو التبرير، بل تذهب إلى التطبيع العلني أو الضمني مع الكيان الصهيوني، استجابة لإملاءات القوى التي تمولها وتتحكم بقرارها.
وهذا الفارق لا يعكس فقط اختلاف الموقف السياسي، بل اختلاف الانتماء الأخلاقي والإنساني.
دلالة الاستقلال والوصاية
الفارق بين صنعاء والمحافظات المحتلة هو الفارق بين الحرية والارتهان.
صنعاء، رغم الحصار، تمتلك قرارها، وتُعلن مواقفها باستقلال كامل نابع من إرادة شعبها.
أما المحافظات المحتلة، رغم ما يُضخ فيها من أموال وتحالفات، فهي عاجزة عن اتخاذ قرار بسيط دون إذن من القوى الأجنبية التي تتحكم بها.
هذه الدلالة تكشف أن السيادة لا تُشترى بالمال، وأن الاستقلال لا يُقاس بالمظاهر بل بامتلاك القرار الوطني الحر.
ختاماً .. الوعي والأخلاق أساس البقاء والسيادة
في المحصلة، فإن دلالات المقارنة بين صنعاء والمحافظات المحتلة تتجاوز الجانب الإداري والسياسي لتؤكد أن المعركة الحقيقية هي معركة وعي وأخلاق، فالدولة التي تُبنى على قيم الإيمان والكرامة والاستقلال، تخلق مواطنًا حرًّا وشعبًا متماسكًا قادرًا على مواجهة التحديات، أما الكيان الذي يُبنى على المال الحرام والولاء للخارج، فيظل هشًّا، فاقدًا للشرعية والمستقبل.
إن ما بين صنعاء والمحافظات المحتلة، ليس مجرد فرق في الإدارة أو النفوذ، بل فرق في المنهج والمبدأ والوعي، فرقٌ بين من يملك مشروعًا حضاريًا للنهضة والتحرر، وبين من تحوّل إلى أداة في يد المعتدي، لا تملك من أمرها شيئًا.
وهنا يكمن جوهر الحقيقة، أن الأخلاق والوعي هما أساس السيادة، وأن الدولة بلا قيم ليست سوى مليشيا تلبس ثوب السلطة.