تهديدات “نتنياهو” تفشل في احتواء زلزال الحصار الجوي اليمني
لكن تلك التهديدات لم تفشل فحسب في تخفيف وقع الضربة أَو منع تداعياتها، بل أعادت التذكير بحقيقة استحالة تحقيق أي ردع من خلال العمل العسكري ضد اليمن، وهي الحقيقة التي اصطدم بها العدوّ نفسه في الجولة الماضية، كما اصطدمت بها إدارة ترامب التي يقر الصهاينة أنفسهم أنها فعلت، في شهر ونصف شهر، أكثرَ مما يمكن لجيش الاحتلال فعله في عام!
التهديدات التي أطلقها مجرم الحرب نتنياهو وعددٌ من مسؤولي الكيان عقبَ الضربةِ الصاروخية المهينة، لم تفلِحْ في طمأنةِ شركاتِ الطيران الأجنبية التي أوقفت على الفور رحلاتِها إلى كيان العدوّ، و”جعلت (إسرائيلَ) معزولةً عن العالم” حسب تعبير صحيفة “معاريف” العبرية، بل إن تداعيات الضربة ترسخت بشكل أكبر بعد إعلان القوات المسلحة عن بدء حصار جوي شامل على مطارات العدوّ من خلال تكرار قصفها، حَيثُ عبرت تقارير عبرية عن مخاوف من أن يمتد إلغاء الرحلات لفترات أطول، في ظل عدم قدرة المسؤولين الصهاينة على تقديم أية ضمانات لشركات الطيران بشأن عدم التعرض لهجمات أُخرى، والحساسية العالية لهذه الشركات تجاه بيئات العمل الخطرة.
وقالت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية العبرية بصراحة إنه لو قرّرت بعض الشركات الكبرى مثل “ويز” المجرية تمديدَ إلغاءِ الرحلات؛ بسَببِ التهديداتِ الأمنية فَــإنَّ “التأثيرات على سوق الطيران ستكونُ دراماتيكية”.
بالإضافة إلى الفشل في احتواء التداعيات؛ فقد حملت التهديداتُ الصهيونيةُ في مضمونها الكثيرَ من الفجوات التي تكشفُ مدى انفصالِها عن الواقع، ومن ذلك عنوان “ضبط النفس” الذي لا معنى له؛ فالحقيقة أن كَيانَ العدوّ لم يكن يمارسُ أَيَّ ضبطٍ للنفس فيما يتعلَّقُ بالتعامُلِ مع الجبهة اليمنية، بل أوكل مهمةَ القصف وارتكاب الجرائم إلى إدارة ترامب بعد أن واجه فشلًا فاضحًا في محاولة التصرف بشكل مباشر، وكشف عن عجزٍ عملياتي واستخباراتي هائل.
هذا ليس تحليلًا، بل واقعٌ يشهد به المراقبون والخبراء والمسؤولون داخل كيان العدوّ نفسه؛ فقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت” مؤخّرًا عن مسؤولين صهاينة قولهم: إن “ما فعله الجيش الأمريكي في اليمن خلال شهر ونصف شهر يفوق بعشرة أضعاف ما يستطيع جيش الاحتلال فعله خلال عام”، مُقِرًّا بأن “(إسرائيل) لا يمكنُها إضافةَ أي شيء”، وهو ما يعني بوضوح أن تهديدات نتنياهو لا تستطيع أن تتجاوز سقف “التنفيس”.
وفي هذا السياق أَيْـضًا نقل موقع “ميديا لاين” الأمريكي عن داني سيترينوفيتش، المسؤول السابق في الاستخبارات العسكرية الصهيونية، والباحث في معهد دراسات الأمن القومي للعدو، قوله: إن “الأمريكيين استخدموا كُـلَّ قدراتِهم تقريبًا ضد اليمنيين، فماذا يمكنُ لـ(إسرائيل) أن تضيف؟” لافتًا إلى أن اليمن “عدوٌّ لم تواجهه (إسرائيل) من قبلُ، وهو بعيدٌ عن (إسرائيل)، وذو دوافع قوية؛ فصراعه ضد (إسرائيل) قائمٌ على الأيديولوجية، ولا يوجد حَـلٌّ نموذجيٌّ لهذا التحدِّي”.
ويرى آفي أشكنازي، المحلِّلُ العسكري في صحيفة “معاريف” أن “أُفُقَ العمل العسكري المباشر ضد اليمن مسدودٌ بشكل مفروغ منه بعد تجربة الجولة الماضية”، حَيثُ كتب أن “خمسَ أَو ربما عشرَ طائرات مقاتلة مصحوبةٍ بطائرات للتزوُّد بالوقود وطائرات القيادة والاستخبارات وطائرات هليكوبتر الإنقاذ، سوف تطير لمسافة 2000 كيلومتر في كُـلّ اتّجاه وتقصف مبنى أَو رافعة أَو خزان وقود، وسيكون هناك الكثير من النار والدخان، وسيسقط بعض القتلى.. لكن هل سيمنع هذا الأمر انطلاقَ الصاروخ التالي؟ وهل سيغيِّرُ الوضعَ حَقًّا؟ على الأرجح لا“.
وفيما تؤكّـد هذه التعليقات بوضوح أن تهديدات العدوّ فارغة تمامًا من أية إمْكَانية لتحقيقِ هدف وقف العمليات العسكرية اليمنية، أَو حتى عرقلة تصاعدها، فَــإنَّها تدفعُ بشكل تلقائي نحوَ الاعتراف بالحلِّ الوحيد للمعضلة التي يواجهها العدوُّ وحلفاؤه فيما يتعلَّقُ بالتعامُلِ مع الجبهة اليمنية، وهو وقفُ الإبادة الجماعية في غزةَ ورفع الحصار عنها.
وفي هذا السياقِ، يؤكّـد المسؤول الصهيوني السابق داني سيترينوفيتش أنه “من غير المرجح إلى حَــدٍّ كبيرٍ أن تتمكّنَ (إسرائيل) من وقف التهديد القادم من اليمن، طالما استمرت الحربُ في غزة”.
وفي تحليلٍ كتبه لصحيفة “يديعوت أحرنوت” يرى مايكل ميلستين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشه ديان للأبحاث، أن الصاروخَ اليمني الذي أصاب مطارَ اللِّد “يكشف حقيقةً معقَّدةً لا بد من الاعتراف بها وهي أن القتالَ لم ينتهِ وأن الوضعَ معقَّدٌ ويتفاقم” وأن “القيادة الإسرائيلية تعيش في دوامة مُستمرّة، حَيثُ أصبحت الحرب نفسها بمثابة استراتيجية بحد ذاتها” مُشيرًا إلى أنه “لا بد من التوقف”.
وتشير مثلُ هذه التناولات إلى أن محاولات العدوّ للهُــروب إلى الأمام من خلال لغة التهديد تعيده إلى الوراء أكثر، وتدفعه بشكل قسري إلى مواجهة النقطة الرئيسية التي يبذُلُ جُهدًا كَبيرًا لتجنُّبها، وهي ضرورة وقف العدوان على غزة؛ مِن أجلِ وقفِ تعاظُمِ التهديد الاستراتيجي الذي يشكِّلُه اليمن، وذلك يعني أن الجبهة اليمنية نجحت بشكل مدهش، ليس في فرضِ حضورها الفاعل والمؤثِّر فحسب، بل أَيْـضًا في توجيه تأثيرِها وفاعليتها نحو هذه النقطةِ الأَسَاسية، ولم تتشتت؛ بسَببِ العدوان الأمريكي والضغوطات والتهديدات.
وبالنظرِ إلى ثُبُوْتِ حقيقةِ استحالةِ رَدْعِ اليمنِ عسكريًّا، يمكن القول إن إقدامَ العدوّ الصهيوني على أيةِ اعتداءات جديدة سيعقِّدُ الأمورَ بالنسبة له بشكلٍ أكبرَ؛ لأَنَّه سيشكل إعلانًا مدويًا عن فشل العدوان الأمريكي، وسيجعل جيشَ الاحتلال أكثرَ عُرضةً للاستنزاف، وأكثرَ عُزلةً مما هو عليه الآن؛ لأَنَّه سيتورَّطُ في اشتباك معقَّد يحشُرُه بين خيارات صعبة: فإما التوقُّف والعودة إلى الاعتماد على الأمريكيين وبالتالي إعلان الفشل، أَو الانخراط في مواجهةٍ طويلة وهو أمرٌ مستعصٍ؛ بسَببِ التعقيداتِ العملياتية واللوجستية والاستخباراتية الكبيرة والمكلِّفة للغاية.
- نقلا عن المسيرة نت