مشروع “إسرائيل الكبرى”.. من شلال الدم في غزة إلى التهديد الإقليمي
يمانيون | تحليل
منذ ما يقارب العامين، يعيش قطاع غزة تحت آلة القتل الصهيونية التي حصدت عشرات الآلاف من الأرواح، وأغرقت القطاع في بحر من الدماء والدمار.
مشاهد الخراب التي غطّت الأحياء والشوارع، ومئات الآلاف من الجرحى الذين يئنون تحت وطأة الحصار ونقص الدواء، ومليونا إنسان يواجهون خطر المجاعة والانهيار الإنساني، تكشف الوجه الحقيقي للعدو الصهيوني الذي جعل من الإبادة والتجويع سياسة ممنهجة لا تقتصر على غزة وحدها، بل تتعداها إلى استباحة لبنان وسوريا وسائر البلدان العربية والإسلامية.
هذا السلوك الدموي ليس وليد ظرف عابر ولا رد فعل محدود، بل يندرج ضمن العقيدة الصهيونية التي تعتبر الإبادة والتهجير والتجويع مهمة تاريخية وروحية.
فقد جاء تصريح مجرم الحرب بنيامين نتنياهو ليؤكد بوضوح أن ما يجري هو تنفيذ لمشروع عقائدي ممتد عبر الأجيال اليهودية، حيث قال بوقاحة إنه حين سُئل: “هل تشعر بأنك بتفويض تاريخي وروحي؟” أجاب: “نعم”.
هكذا ببساطة يشرعن سفك الدماء واستباحة الأرض والإنسان باعتبارها مهمة إلهية مزعومة، تنبع من خرافة “أرض الميعاد” كما يرد في التلمود والنصوص الدينية اليهودية المحرّفة.
مشروع توسعي يتجاوز حدود فلسطين
لا تقف هذه العقيدة عند حدود فلسطين التاريخية، بل تنطلق من رؤية توسعية ترى أن “إسرائيل الكبرى” تمتد من نهر الفرات شرقاً إلى نهر النيل جنوباً، وهو ما يروّج له علناً “معهد التوراة والأرض الصهيونية” عبر منصاته الإلكترونية.
هذا المشروع يتجاوز حدود فلسطين ليشمل أجزاء واسعة من مصر والأردن ولبنان وسوريا والعراق والسعودية وأجزاء من الجزيرة العربية.. ما يعني أن الهدف ليس فقط تثبيت احتلال فلسطين، بل إعادة رسم خريطة المنطقة بأكملها وفق الرؤية التوراتية الصهيونية.
بين التبرير الديني والسياسة العملية
ما يروّج له نتنياهو ووزراؤه يعكس تمسك المؤسسة الدينية اليهودية بخطابها التاريخي، الذي سبق قيام كيان الاحتلال بسنوات طويلة، حين كان الزعماء الصهاينة يرسمون خرائط دولتهم المزعومة قبل أن تطأ أقدامهم أرض فلسطين.
اليوم يتجدد المشهد نفسه، مع خطاب أكثر وضوحاً وصراحة، يستند إلى النصوص الدينية المحرّفة كمرجعية لتوسيع حدود الكيان. وهنا يختلط الديني بالسياسي والعقائدي بالعملي، ليصبح الاحتلال مشروعاً عابراً للحدود يستهدف المنطقة بأسرها.
“استئصال وقائي” لا دفاع مشروع
اللافت أن حتى بعض الأصوات اليهودية في الغرب تعترف بطبيعة هذا المشروع.. فقد وصف الصحفي اليهودي المقيم في ألمانيا، مارتن جاك، الهجمات الصهيونية المتكررة على غزة ولبنان وسوريا بأنها ليست دفاعاً مشروعاً ولا هجوماً وقائياً، بل “تدمير واستئصال وقائي”، هدفه منع أي إمكانية للردع أو المقاومة.
هذا الوصف يعكس طبيعة العقلية الصهيونية التي ترى أن بقاءها يتطلب سحق كل قوة محتملة في المنطقة، ومحو أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي قبل أن يولد.
أمة ممزقة بين الهويات القطرية
المفارقة الكبرى أن هذه العقيدة التوسعية تجد نفسها اليوم في مواجهة أمة منهكة، ممزقة، فقدت هويتها الجامعة، واستسلمت لهويات قطرية ضيقة حوّلتها إلى كيانات ضعيفة عاجزة.
زعماء ورؤساء وملوك وأمراء، وجيوش ضخمة تملك السلاح والمال لكنها تفتقر إلى الإرادة والقرار، جعلوا من وظيفتهم الحيلولة دون أي نهضة أو وحدة، بدلاً من مواجهة التهديد الصهيوني. وفي مقابل ذلك، يستغل العدو هذا التشرذم العربي والإسلامي ليواصل توسعه ومجازره.
خلاصة تحليلية
ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان على منطقة جغرافية محدودة، بل هو جزء من مشروع أكبر يتجاوز حدود فلسطين نحو إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط وفق الرؤية الصهيونية العقائدية.
تصريحات نتنياهو ووزرائه، إلى جانب المؤسسات الدينية اليهودية التي تروّج لفكرة “إسرائيل الكبرى”، تكشف أن ما نشهده من إبادة في غزة ومن استهداف للبنان وسوريا والعراق ليس سوى مقدمات لمرحلة أوسع من الاستباحة.
وفي ظل صمت الأنظمة العربية وتواطؤ بعضها، يبقى الرهان على قوى المقاومة والشعوب الحرة التي وحدها قادرة على كبح المشروع ومنع تحوله إلى واقع.
إن إدراك طبيعة هذا المشروع باعتباره عقائدياً واستراتيجياً، لا مجرد أطماع سياسية ظرفية، هو الخطوة الأولى لفهم خطورة المرحلة، وضرورة بناء جبهة مقاومة عربية وإسلامية حقيقية، تعيد للأمة هويتها الجامعة وتواجه مشروع التوسع الصهيوني بصلابة تليق بحجم التحدي.