السعودية تؤجل طموحاتها من أجل رفاهية المواطن الأمريكي
يمانيون/ تقارير
فيما تعاني السعودية عجزاً في الميزانية يتجاوز الـ 70 مليار دولار، ومن تحديات مستفحلة في جذب الاستثمار الخارجي، وفيما يصل الدين العام لديها إلى 1.22 تريليون ريال، وفيما تطمح لـ”جذب أكثر من 100 مليار دولار من رأس المال سنويا بحلول 2030″.، يأتي ترامب بيده اليمنى عصى وبيد الأخرى “قائمة الأمنيات” حسب توصيف صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
تحتل السعودية حاليا المركز الخامس بين أكبر المستثمرين في السوق الأمريكية بقيمة 770 مليار دولار، بعد كل من اليابان، والمملكة المتحدة، وكندا، والصين. وبالضخ المالي الجديد الذي لن يقل عن الـ(600) مليار دولار حسب بن سلمان، وقد يصل إلى التريليون حسب أمنيات ترامب، فإن ذلك في كل الأحوال يعني أنها ستزيح كندا وتحل محلها في المستوى الثالث. وفي ما يعني بحجم التجارة بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية فإنه عادة ووفقا لسجل الميزان التجاري ما يسجل عجزا لصالح أمريكا.
تذكر قناة الحرة الأمريكية، ونقلا عن بيتر بروكس، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق بأن السعوديين لديهم دوافعهم الخاصة لدفع هذا المبلغ، حيث يسعون لتحقيق “حظوة” لدى الرئيس الأمريكي الجديد.
وأفاد بروكس أن هناك مصالح مشتركة بين واشنطن والرياض في عدد من القضايا، مثل الطاقة وسوق النفط، بالإضافة إلى الأمن الإقليمي ومستقبل إيران في المنطقة، سواء كانت ستتحول إلى دولة نووية أم لا، فضلاً عن قضايا أخرى تهم الجانبين، مثل الوضع في اليمن وغزة. وأكد بروكس أن الأمن الإقليمي وتعزيز جهود “مكافحة الإرهاب” هما من الملفات المهمة بالنسبة للبلدين.
وبحسب بيانات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، زادت الاستثمارات في سندات الحكومة الأمريكية منذ نوفمبر العام الماضي، وهو تاريخ انتخاب ترامب، لتصل إلى 144 مليار دولار. لتصل حصة سندات الخزانة الأمريكية من إجمالي الأصول الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي السعودي إلى حوالي 35 في المئة. حسب قناة الحرة.
ويحدث هذا فيما تطمح السعودية أيضا “للانضمام إلى أكبر 10 اقتصادات في العالم، وربما التقدم لتكون ضمن قائمة أكبر 5 اقتصادات عالمية”، حسب رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية طارق آل شيخان الشمري.
جولة ترامب وما يمكن أن تنتهي إليه من الثروة العربية، وتفاصيل الصفقة التي ستذهب بموجبه مئات المليارات من الدولارات إلى رفاهية الأمريكي، إنما يكشف عن استفحال بؤس الحال العربي إلى حد الانفصال عن التعاطي مع الحقائق بواقعية، فالأمة تعاني الفقر والتخلف والتبعية العمياء لمن يقفون وراء هذا الواقع، ثم تمكينهم من ثروات الأمة بكل أريحية. ولا شيء يبرر هذا التوجه.
ولو أن الأمر يقف عند هذا الحد لربما كان بالإمكان التعاطي، ولو على مضض، مع التوهمات بالمخاطر التي زرعتها أمريكا لدى هذه الأنظمة، إلا أن ما يؤكد على الحالة الانفصالية التي تعيشها كثير من الأنظمة عن واقعها العروبي والإسلامي، ذهابها إما إلى تبني وجهة النظر الأمريكية، أو التزام الحياد السلبي تجاه أي استهداف تتعرض له الأمة، بحيث صار حتى دعم هذا الاستهداف، يتم من الأموال العربية، وهو ما يمكن أن يجلب على الأمة سخط الله سبحانه.
جاءت زيارة ترامب إلى المنطقة بأهداف إنعاشية للاقتصاد الأمريكي المترنح من أكثر من (36) تريليون دولار، ليسجل تحركا طبيعيا للبراجماتية الأمريكية، على أنها هنا تبدو أكثر انتهازية بحيث تستغل مخاوف الأنظمة لتعرض عليها -وإن بشكل ضمني- الحماية مقابل الضخ المالي إلى الوسط الأمريكي، وهو الذي يأتي في ذروة الصراع مع العدو الصهيوني المحمي أمريكيا.
كما أن الزيارة تأتي لتكشف عن مستوى الاستلاب عن تحديد المواقف وفق القناعات التي تكاد تفيد جميعها بأن أمريكا هي الفاعل الأساس في الاستهداف للأمة العربية والإسلامية، ممثلة اليوم بالشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية، فهي ترعى وعلى مرأى ومسمع من الجميع كل الأعمال الاجرامية التي ينفذها العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، كما هو حاصل منذ السابع من أكتوبر في حملة الإبادة في غزة.
ورغم عجزها عن القيام بدور فاعل ومؤثر، لجهة إلزام العدو برفع يده عن ممارسة القتل اليومي، وعلى الأقل بالاستفادة من العامل الاقتصادي الذي يأتي بترامب من على بُعد الألف الكيلو مترات، إلا أن أنظمتها الثرية لا تجد حرجا في تمكين الأجنبي من هذه القدرات المالية، وهي ستعود بأكثر من شكل لتصير وقودا لقتل الفلسطينيين من خلال الدعم الأمريكي للكيان المحتل.
يؤكد الخبراء أن اليمن قدم نموذجا واضحا لإمكانية كسر يد الطاغوت بالموقف الإنساني المشرف مع الفلسطينيين في غزة، ما يحمّل هذه الأنظمة الحُجة بسبب التخاذل الذي اتسمت به مواقفها تجاه ما يعيشه الفلسطينيون منذ ما يقارب العامين، بسبب الإجرام الصهيوني بحقهم. وهو الموقف الذي يجعل من التسليم بالفرضيات الأمريكية بحاجة هذه الأنظمة إلى حماية واشنطن أمراً عقيما وساذجا، فكل الشعوب العربية -حسب القراءات البحثية واستطلاعات الرأي- بمقدورها كسر هذه الهيمنة والسطوة الأمريكية.
اليمن اليوم يتشكل على نحو تصاعدي في إثبات الحضور المؤثر في المنطقة الذي يسحب البساط من أسفل أمريكا ليلعب الدور الريادي والحضاري الذي اعتاده طوال تاريخه، ومع زيارة ترامب للمنطقة، يظهر اليمن ليسجل رأيه بهذه الزيارة على هيئة صاروخ باليستي ضرب مطار اللد “بن غوريون” الواقع في مدينة يافا المحتلة، في سياق عملية الإسناد للشعب الفلسطيني في غزة، دون اعتبار لمخاوف دول المنطقة التي تميل إلى التزام الحذر خلال زيارة ترامب لتوفر له كل أسباب الزيارة الناجحة.
ولأن الثوابت والمبادئ هي التي ينطلق منها اليمن في عمليته الإسنادية، فإن الاستمرار في تنفيذ العمليات مسألة لا تعطي مثل هذه الزيارة أدني أهمية إلا بكونها تمكيناً للعدو الأمريكي في التحرك كما يشاء، رغم الحالة العدائية التي يكنّها للأمة العربية والإسلامية. وقد قرأ المراقبون والمنصات الإعلامية العملية بالشكل الصحيح، بحيث أبرزت استثنائية العملية والدلالات التي تحملها من حيث التوقيت الاستثنائي. العملية وإن كانت تأتي قي سياق مهمة الإسناد، إلا أنها جاءت هذه المرة لتؤكد ثبات اليمن على قناعته بأنه لا يخاف في الله لومة لائم، وأن تنفيذ عمليات الإسناد لغزة مسألة تفرضها ظروف المعركة والتكتيكات العسكرية التي تتبناها القوات المسلحة، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى، وزيارة ترامب للمنطقة غير مرغوب فيها ولا يمكن لها أن تكون عائقا عن القيام بالواجب.
أمريكا ومؤسساتها العسكرية والبحثية، من المهم أن تقرأ الرسائل على النحو الصحيح كي يأتي تعاملها منطلقا من دراية وعلم بأن اليمن يؤكد أيضا مواجهة رأس الطاغوت، أمريكا، وأن ما يراه آخرون في أمريكا من كونها الأقوى وأن يدها طولى ومن كونها المحرك لكل الصراعات في العالم، لا يكاد له وزن.
- نقلا عن موقع أنصار الله