Herelllllan
herelllllan2

مفارقات الوساطة العربية

يمانيون/ كتابات/ إبراهيم محمد الهمداني

تأتي المفارقة المضحكة المبكية، في صورة الجانب الآخر من الوساطة، ممثلة بالوسيطين القطري والمصري، ومن سار في فلكهما من المساعدين، كالسعودية والإمارات وأخواتهما؛ ولكن.. أليست غزة وفلسطين والقدس، هي قضية الإسلام والعرب والمسلمين جميعا، بالإجماع الكامل المطلق، ثم أليست هذه الدول (الوسيطة) عربية إسلامية، حاملة لواء الإسلام وناطقة باسم الدين، أليس الأولى بها، أن تقف إلى جانب إخوانها ودينها ومقدساتها، أليس مكانها الطبيعي، هو الوقوف إلى جانب المظلومين، من أهالي قطاع غزة، انطلاقا من الواجب الإيماني في مواجهة أعداء الأمة، والواجب الإنساني في نصرة المستضعفين، والواجب القومي في تحرير الأرض العربية، والشعب الفلسطيني، من هيمنة الكيان الإسرائيلي الغاصب المحتل؟، ما هو المبرر الذي جعل تلك الأنظمة، تنصرف عن جوهر دورها ومسؤوليتها، التي كلفها الله تعالى بها، وتتحول إلى دور الوسيط، بين عدوها المجرم وأخيها الضحية، هل حصلت تلك الأنظمة العربية الإسلامية، على فتوى من مؤسساتها الدينية الرسمية المعتبرة، تجيز لها القيام بذلك الدور، وتعفيها من مسؤوليتها أمام الله؟، لماذا لم تتحرك في أولئك الأعراب حمية الجاهلية، وهم يرون التفاف وتعصب الغرب الكافر، إلى جانب الكيان الإسرائيلي المحتل، في عدوانه واحتلاله وجرائمه، بينما وقف الأخ العربي الغزاوي، وحيدا مفردا منفردا، في مواجهة جحافل الموت والطغيان والاحتلال، دون نصير أو معين أو سند، ليعيش مأساة مضاعفة، ويضيف إلى قسوة الموت والإبادة الجسدية، مرارة ضعف الحال وغصة خذلان الأقربين، وجحيم الشعور بالتواطئ الجمعي، لتنفيذ أقبح مشروع اغتيال جماعي، وأسوأ عملية إبادة روحية شاملة، شهدتها البشرية عبر تاريخها.
أصبح من العبث المحض، البحث عن سبب منطقي أو شبه منطقي، لتبرير وقوف العرب موقف الوسيط، بين طرف مستضعف هو أخوهم في الوطن والدين، وطرف مستكبر هو عدوهم في الله والدين، وتعليل ذلك الموقف، بنزعة العرب للتسامح وإحلال السلام، لا يعدو كونه محض زيف وافتراء، ولو كان ذلك فيهم فعلا، لكانت شعوبهم أولى بفضل تسامحهم، لا أن يجعلوها غرضا للانتقام والتنكيل، لأنها خالفت أبسط أبجديات سياسة الحاكم المستبد، وما زالت ذاكرة الشعوب العربية، تكتظ بذكريات القمع والاضطهاد والتهميش، من ماضيها إلى حاضرها، لأنها عارضت النظام، أو انتقدت سياسة الحاكم.
إذن.. كيف يمكن قراءة دور الوسطاء العرب، وما هي غايتهم من تلك الوساطة، وهل يملكون الرؤية الصحيحة، للقيام بوساطة إيجابية فاعلة، وصياغة حل يفضي إلى إحقاق الحق، وهل تستطيع أن تقف موقف الحياد بين الجلاد والضحية؟، دون أن تنحاز إلى صف الجلاد؟، وما هي المؤشرات الدبلوماسية والجيوسياسية، التي يمكنها التنبؤ بمخرجات دور الوساطة، وطبيعة الاتفاق الذي سيصدر عن الوسطاء؟.
إن مقاربة الوساطة – من جميع جوانبها – كظاهرة سياسية اجتماعية، تقتضي الكثير من الحذر، تجنبا لإصدار الأحكام الجائرة، أو التهم المسبقة، المبنية على مواقف شخصية، أو رؤى ذاتية محضة، ولذلك وجب مقاربة الوساطة العربية – بعد إخراج الوسيط/ الخصم العدو الأمريكي الغربي، لعدم أهليته عقلا وواقعا، لدور الوسيط – ومن ثمَّ يتم النظر في مجمل الظواهر السلوكية/ السياسية، التي يمارسها الوسطاء العرب، في واقع حياتهم السياسية والإعلامية والفكرية، ووضع تلك الظواهر أمام ضوابط عدم الانحياز، ومعايير الحياد التام.
ولتكن البداية من الوسيط القطري، وخطابه الإعلامي العنصري المقيت، فلم يعد خافياً على أي متابع للخطاب الإعلامي، لقناة الجزيرة الناطقة باسم النظام الحاكم، مدى تبنيها السردية الإسرائيلية، وانحيازها المطلق لرؤية ومقولات العدو الغاصب، فكيف يمكن الركون إلى نزاهة وصدق، من عجز عن تبني رؤية إعلامية محايدة، ومن كفر بالرأي والرأي الآخر، بعدما نصَّب نفسه ميزانا للاعتدال زمنا، وأسقط حق التحرر في دائرة قوائم الإرهاب، وقدم قادة الجهاد والمقاومة، لقمة سائغة لنهم القاتل الإسرائيلي، بينما كان يتمنن عليهم بفتات موائده، وشارك في عمليات تصفياتهم، بعدما أوهم العالم بحمايتهم ورعايتهم، ولم تكن استضافته لهم، سوى منفى سياسي، عاشوا فيه مرارة الخذلان والخديعة، وذاقوا بين جنباته قسوة الضغوط والامتهان والاستضعاف، ولا تختلف السياسة القطرية عن سياسة شقيقتها السعودية، في الموقف من حركة حماس، وتصنيفها في قائمة الجماعات الإرهابية، حسب توجيه سيدهم الأمريكي.
علاوة على الدور المحوري، الذي قامت به قطر وأخواتها، من أجل إنقاذ إسرائيل، ومساعدتها في تفادي تداعيات الحصار البحري، الذي فرضته عليها القوات المسلحة اليمنية، حيث سارعت تلك الدول، إلى إنشاء جسر بري، يمتد من الإمارات إلى داخل الأراضي المحتلة، لإمداد الكيان بكل ما يحتاجه، ولن أتطرق لما هو أكثر من هذا الدور، في الوقت الذي كان قطاع غزة، يعاني حصارا خانقا، وحرب إبادة وتطهير عرقي شامل، وبينما كان أطفال غزة يموتون جوعا وعطشا، كانت ملاجئ الصهاينة الغاصبين، تزخر بمختلف أنواع المواد الغذائية والفواكه، والمشتقات النفطية، بفضل الوسيط القطري وأخوانه، الذين كان لهم معه سبق إعلان التطبيع، والاعتراف بالكيان الإسرائيلي المحتل الغاصب، دولة شرعية كاملة الحق والوجود، بينما لم تتجاوز فلسطين في نظر القطري، أكثر من جماعات مقاومة – أصبحت إرهابية مؤخرا – ولا يتعدى الاعتراف بها، حدود المكان المخصص لإقامتها الإجبارية، في مملكة قطر الصهيونية.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com