معركة الوعي في اليمن .. كيف أسقطت المسيرة القرآنية أخطر مؤامرة لاستهداف التعليم؟
في ظل ما يتعرض له اليمن من عدوان شامل لم يقتصر على القصف والحصار، بل امتد ليطال كل مقومات الهوية والسيادة الوطنية، برز قطاع التعليم كإحدى الجبهات الحيوية التي استُهدفت بشكل ممنهج ضمن مؤامرة كبرى قادتها قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل وأدواتها، لم يكن الهجوم عسكريًا هذه المرة، بل ناعمًا وخفيًا، تمثل في محاولات خطيرة لاختراق المناهج الدراسية، وتشويه المفاهيم القيمية والدينية، وإفراغ التعليم من مضمونه العقائدي والوطني.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
يُسلّط هذا التقرير الضوء على جذور هذه المؤامرة وأدواتها، ويكشف كيف سعت قوى العدوان إلى إضعاف التعليم اليمني، ولماذا ركزت بالذات على تفريغ المناهج من المضمون الديني والأخلاقي، وكيف تصدت قيادة المسيرة القرآنية لهذا المخطط بإجراءات استراتيجية حاسمة، كما يكشف التقرير عن إنجاز أمني نوعي تمثل في تفكيك شبكة تجسس مرتبطة بأجهزة استخباراتية أجنبية كانت تنفذ مخططًا خطيرًا داخل المؤسسات التعليمية.
التعليم في مرمى الاستهداف
منذ عقود، كان التعليم في اليمن هدفًا رئيسيًا للمشاريع الغربية الساعية إلى تطويع الشعوب، وخلق أجيال منفصلة عن دينها وهويتها، وبعد أحداث 2011، بدأ التغلغل الأجنبي بشكل أوضح من خلال مشاريع تمويل دولية غطّت بواجهة إنسانية، لكنها في حقيقتها كانت تستهدف صلب العقيدة والهوية اليمنية.
تم إدخال مناهج مستوردة، وحُذفت مفردات محورية من التربية الإسلامية والتاريخ، واستُبدلت بمفاهيم ظاهرها الحداثة، وباطنها الانسلاخ عن الثوابت الإيمانية والقيم الأصيلة.
استهداف المناهج وتمييع المفاهيم
شكّل المنهج الدراسي بوابة الاستهداف الأساسية، حيث جرى السعي لتغيير بنية التعليم ومحتواه، كانت المحاولات تتمثل في ، تقليص مساحة المواد الإسلامية والعربية ، وإزالة رموز الجهاد والشهادة والهوية القرآنية ، والترويج لرموز فكرية غربية بوصفها قدوات ، وطمس ارتباط الطالب بعقيدته وتاريخه.
جميع هذه المحاولات كانت تمهيدًا لإنتاج جيل ضعيف العقيدة، هشّ القيم، وقابل للتأثر بالغزو الثقافي الغربي والانخراط لاحقًا في مشاريع التطبيع.
المسيرة القرآنية وإعادة الاعتبار للتعليم
مع انطلاق المسيرة القرآنية، وُضعت القضية التعليمية على رأس أولويات مشروع التحرر، وأدركت القيادة الثورية والسياسية أن العدو لا يريد فقط احتلال الأرض، بل احتلال العقول، ولهذا، تم اتخاذ سلسلة من الإجراءات المصيرية،
مراجعة المناهج الدراسية: لجان علمية متخصصة قامت بتصحيح المناهج، وحذف كل ما يتعارض مع الثوابت الإيمانية، وإدخال مواد تعزز الثقافة القرآنية، والارتباط بالهوية الإيمانية.
تأهيل الكادر التربوي: أُطلقت برامج تدريبية لتأهيل المعلمين وتوعيتهم بحرب الوعي، وتحفيزهم على لعب دورهم كجنود في ميدان الجبهة التربوية.
الحفاظ على البيئة المدرسية: رغم العدوان والحصار، تم ترميم مئات المدارس، وتوفير الحد الأدنى من الإمكانات لاستمرار العملية التعليمية، في تحدٍ لكل ظروف العدوان.
ترسيخ الثقافة الجهادية والإيمانية: أصبح إحياء المناسبات الدينية، وربط التعليم بالقيم الجهادية والوطنية، جزءًا أصيلاً من الحياة المدرسية.
الأجهزة الأمنية تُفكك شبكة تجسس استهدفت التعليم
في إنجاز نوعي، تمكّنت الأجهزة الأمنية في صنعاء من تفكيك شبكة تجسس تعمل لصالح أمريكا وإسرائيل، كانت تنشط في الداخل اليمني، وتحديدًا في قطاع التعليم، تحت غطاء منظمات مدنية تعمل في ما يسمى بـ”تطوير التعليم” ، حيث رُصدت تحركات مشبوهة لعناصر تعمل في منظمات تموّل مشاريع تربوية ، بعد تحرٍّ دقيق، تم القبض على أفراد الشبكة، الذين اعترفوا بتلقي دعم وتمويل مباشر من أجهزة استخباراتية أمريكية وصهيونية.
أهداف هذه الشبكة ركزت على تغيير المناهج الدراسية بتمرير مفاهيم خطيرة تمس العقيدة ، وتجنيد معلمين وناشطين لنشر ثقافة الانفصال عن الدين ، وكذلك تمرير مواد تعليمية مشبوهة إلى المدارس الحكومية والخاصة ، وإضعاف ارتباط الطلاب بالهوية الوطنية والإيمانية.
أُذيعت عبر مختلف الوسائل الإعلامية المرئية اعترافات مصورة لعدد من المتورطين، تضمنت تفاصيل عن طريقة تجنيدهم، ولقاءاتهم مع مشغّليهم، والمبالغ التي تلقوها، وتبين أنهم تلقوا تدريبات في الخارج في دول لها علاقات أمنية مع الكيان الصهيوني.
وعي شعبي متزايد وموقف رسمي حازم
خلقت هذه الأحداث وعيًا شعبيًا واسعًا بخطورة الحرب الناعمة التي تستهدف العقول لا الأجساد، وقد حظيت تحركات القيادة الأمنية والسياسية بدعم شعبي واسع.
تم إصدار قرارات بتشديد الرقابة على المنظمات التي تعمل في قطاع التعليم، وحصر أي تدخل أجنبي، وربط المناهج بهوية قرآنية خالصة.
دلالات الإصرار على استمرار التعليم
شكّل إصرار القيادة الثورية والسياسية ، على استمرار العملية التعليمية في كل عام دراسي رغم شُحّ الموارد وتوقف المرتبات بفعل الحرب الاقتصادية، دلالة سياسية ووطنية بالغة الأهمية، فقد أدركت القيادة الثورية والسياسية أن التعليم ليس مرفقًا خدميًا فحسب، بل جبهة استراتيجية لحماية وعي الأمة واستمرار هويتها ، ودلالات هذا الإصرار يتمثل في : التمسك بالهوية الوطنية والإيمانية، من خلال ضمان استمرار التعليم المرتبط بثقافة القرآن الكريم والوعي المقاوم.
رفض الخضوع لسياسات التجويع والتعطيل الممنهج التي يمارسها العدوان بهدف شل مؤسسات الدولة.
التأكيد على أن الدولة رغم الحرب باقية وماضية في القيام بواجباتها السيادية، وفي مقدمتها التعليم.
إرسال رسالة للداخل والخارج بأن الشعب اليمني لا يُهزم بالجوع ولا بالحصار، وأن التعليم خط أحمر لا يمكن إسقاطه. وكان أبرز القرارات والإجراءات المتخذة ،رغم غياب الإيرادات النفطية والسيطرة على الثروات من قبل تحالف العدوان ومرتزقته، قامت الدولة بعدة خطوات لضمان استمرار التعليم، حيث أقرّت الحكومة في صنعاء صرف حوافز مالية شهرية منتظمة لمنتسبي القطاع التربوي، بتمويل داخلي من صندوق دعم التعليم، والجهات المجتمعية ، ويتم توزيع الحوافز عبر مكاتب البريد والمدارس، وتم التركيز على المعلم الفعّال في الميدان، في ظل عجز عن دفع المرتبات الكاملة بسبب الحصار الاقتصادي ، كما تم إنشاء صندوق وطني خاص بالتعليم، يعتمد على دعم مجتمعي ورسمي، لتمويل حوافز المعلمين، وترميم المدارس، وشراء المستلزمات الأساسية.
وتحرص وزارة التربية والتعليم على إعلان التقويم الدراسي سنويًا في موعده، وإطلاق العام الدراسي دون تأخير، كرسالة تحدٍّ في وجه العدوان ، تترافق هذه الانطلاقة مع حملات مجتمعية لدعم المدارس باللوازم الضرورية.
كما تم تشغيل المدارس في العديد من المناطق التي تعرضت للقصف والتدمير، من خلال استخدام البدائل المؤقتة (خيام، فصول بديلة)، لضمان عدم توقف التعليم لأي طالب.
إن استمرار التعليم في اليمن رغم ظروف العدوان والحصار يمثل ملحمة وطنية متكاملة، تعكس وعي القيادة بأهمية الجبهة التربوية، وتُثبت أن الدولة في صنعاء ليست فقط قادرة على إدارة الحرب، بل أيضًا على حماية مؤسساتها المدنية وتحصين وعي أجيالها القادمة.
خاتمة
ما يجري في اليمن لا يقتصر على معركة سلاح وصواريخ، بل معركة وعي وهوية ومفاهيم. والتعليم هو الخندق الأهم في هذه المواجهة، لقد فشلت مؤامرات الأعداء في اختراق هذا الحصن، لأن الشعب اليمني وقيادته باتوا يدركون أن من يمتلك وعي الأجيال يملك مستقبل الأمة، واليوم، تُسجل المسيرة القرآنية نصرًا آخر، ليس فقط في ميدان القتال، بل في ميدان بناء الإنسان.