خذلان الأنظمة العربية لفلسطين.. فضيحة تاريخية وجريمة بحق الأمة
يمانيون /بقلم /عبدالحكيم عامر
في كل يومٍ تمرّ به غزة تحت نيران القصف الإسرائيلي، تتجدد المجازر، وتزداد الفاجعة هولًا، بينما العالم يشاهد بصمت، لكن ما يوجع القلب أكثر من صمت العالم، هو خذلان الأمة الإسلامية، حيث يُسجَّل على صفحات التاريخ فصلٌ مخزٍ من الخذلان العربي الرسمي، مجازر تُبثّ على الهواء مباشرة، وصرخات استغاثة تتردد من قلب المحرقة الفلسطينية، بينما معظم الأنظمة العربية والإسلامية تلتزم صمتًا مطبقًا، أو تصدر بيانات باهتة لا ترتقي لمستوى الدم المسفوك، هذا هو حال أمةٍ تملك من الموارد ما يجعلها قوة عالمية، ولكنها تحوّلت إلى جسد بلا روح، وصوت بلا فعل.
لقد تجاوز صمت بعض الأنظمة العربية حدود العجز، إلى مربع التواطؤ والخنوع، لم يعد ذلك مجرد غياب موقف حازم أو فاعل، بل تغاضٍ متعمد عن جرائم موثقة يرتكبها العدو الصهيوني ضد الإنسانية في غزة، وتطبيعٌ سياسي واقتصادي وأمني لم يعد يحرج القائمين عليه، هذه الأنظمة لم تكتفِ بالصمت، بل بادرت إلى شيطنة المقاومة، وتبرير عدوان الكيان الإسرائيلي، واعتباره دفاعًا عن النفس، متبنية بذلك الرواية الصهيونية بالحرف.
الأدهى من الصمت، أن بعض الأنظمة تمارس دورًا عمليًا في الحصار، فتغلق المعابر، وتعرقل وصول المساعدات، وتمنع تدفق القوافل الإغاثية، وتضع شروطًا سياسية على نجدة المحاصرين، وكأنها شريكة في العقوبة الجماعية، لم يعد العدو وحده من يحاصر غزة، بل تشاركه في ذلك أطراف عربية قررت أن تصطف في معسكر العدو، ضد شعب غزة.
إن ما نشهده اليوم هو لحظة فارقة في التاريخ العربي المعاصر، تُعاد فيها صياغة المفاهيم: من هو العدو؟ ومن هو الصديق؟ من يقف مع قضايا الأمة، ومن باعها في سوق النفاق السياسي؟ إن خذلان الأنظمة العربية لفلسطين اليوم أصبح نهجًا راسخًا، وسياسة معلنة، وفضيحة موثقة بالصوت والصورة.
إن خذلان الأنظمة العربية لفلسطين هو فضيحة أخلاقية كبرى، وجريمة موثقة، وسقوط مدوٍّ في اختبار القيم والمبادئ والهوية، لقد كشفت المحرقة التي تتعرض لها غزة عورات كثيرة، وأسقطت أوراق التوت الأخيرة عن أنظمة كانت تتغنى زورًا بالانتماء العربي والإسلامي، فإذا بها تعتزل قضايا الأمة في لحظة الحقيقة، بل وتتحول إلى أدوات في معسكر الخصوم.
لكن، وبرغم كل هذا الخذلان الرسمي، فإن صوت الشعوب لا يزال حاضرًا، ونبض الجماهير لم يمت، والمقاومة لم تُكسر، بل تزداد قوة وصلابة وإصرارًا، فغزة اليوم لا تراهن على أنظمة مأجورة، ولا على مؤتمرات عربية باردة، بل تراهن على وعي الشعوب، وعلى صمود رجالها، وعلى الموقف الحرّ لليمن وكل محور المقاومة، الذي أثبت أن النخوة لا تزال تنبض في قلب هذه الأمة، وأن الكرامة لا تزال تُترجم إلى أفعال، لا إلى خطابات فارغة.
إن المعركة اليوم لم تعد فقط مع العدو الصهيوني، بل أيضًا مع أنظمة ساهمت في خنق فلسطين، وتحولت إلى أداة قمع لكل صوت حرّ داخل أوطانها، وما يحدث في غزة هو معيارٌ أخلاقي حاسم يُميّز بين معسكر الخيانة ومعسكر الوفاء، بين من ينتمي للأمة، ومن خانها وباعها.
سيُسجل التاريخ أن أطفال غزة كانوا أشجع من كثير من الحكام، وأن المقاومة كانت أشرف من جيوش خاضعة لم تحرّك ساكنًا، وأن الشعوب الحرة، مهما قُمعت، ستبقى تنبض بالعزة والكرامة والحقيقة، وتصرخ بها في وجه الصمت، حتى يُكسر الحصار، لأنهم أختاروا الكرامة طريقًا، لا التبعية والانبطاح.