المولد النبوي الشريف في اليمن .. ميلاد أمة واستنهاض لموقف إسلامي موحد في مواجهة قوى الطغيان
في أجواء إيمانية تعبق بالمحبة والولاء لرسول الله محمد صلوات الله عليه وآله ، تشهد المحافظات اليمنية الحرة استعدادات كبرى وغير مسبوقة لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف للعام 1447هـ، حيث تتزين المدن والساحات، وتُنظّم الفعاليات المركزية والثقافية والأنشطة الجماهيرية الواسعة، في تعبير عن عمق الارتباط الشعبي بالنبي الأكرم، ورفض التبعية لقوى الطغيان والهيمنة.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
يتناول هذا التقرير أبعاد إحياء المولد النبوي الشريف في اليمن من خلال المسيرة القرآنية المباركة، وما تحمله المناسبة من رسائل دينية، سياسية، واجتماعية تعبّر عن يقظة الأمة واستنهاضها في مواجهة قوى الكفر والاستكبار، كما يسلّط الضوء على التحول النوعي الذي شهدته المناسبة في الوجدان اليمني، حيث لم تعد احتفالًا رمزيًا، بل محطة تعبئة شعبية وأخلاقية وروحية توجّه بوصلة الأمة نحو التحرر والكرامة.
أبعاد دينية .. العودة إلى نبع الهداية
يمثّل إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في اليمن فرصة إيمانية عظيمة لاستحضار الرسالة المحمدية في بعدها الأصيل، والعودة إلى النبع الأول للهداية، الذي أنقذ البشرية من الظلمات إلى النور، وحرّر الإنسان من عبودية الطاغوت إلى عبادة الله وحده.
فالمولد النبوي ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل مناسبة لتجديد الارتباط الروحي والعملي برسول الله محمد صلوات الله عليه وآله، باعتباره الرحمة المهداة، والأسوة الحسنة، الذي أرسله الله ليُخرج الناس من الجهل والتشتت إلى الإيمان والوحدة.
في هذا السياق، تعكس فعاليات الاحتفاء بالمولد في اليمن جانبًا من الوعي الديني العميق، حيث يتم التأكيد على أن التمسك بسيرة النبي وسنّته هو الطريق الوحيد لإصلاح الأمة، وبناء مجتمع عادل، متماسك، يسوده الإيمان والتقوى والرحمة،
ويتجلى ذلك في حرص الناس على الاستماع للقرآن الكريم، وحضور المحاضرات الدينية، وتذكير النفوس بصفات النبي صلوات الله عليه وآله وأخلاقه، كالصبر، والعدل، والكرم، والجهاد في سبيل الله، وكلها قيم تشكّل أساسًا لبناء مجتمع قرآني يواجه الفتن والتحديات المعاصرة.
كما أن عودة الأمة إلى نبيها الكريم تعني أيضًا التحرر من التبعية الفكرية والثقافية للغرب، والانطلاق من الهوية الإسلامية الأصيلة، التي تستمد قوتها من الإيمان بالله ورسوله، وتستظل بظل القرآن وسنة المصطفى صلوات الله عليه وآله، في مواجهة الطغيان والانحراف.
أبعاد سياسية .. رفض الهيمنة ونصرة القضايا العادلة
يمثل إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في اليمن مناسبة لتأكيد الوعي السياسي المتجذر في الضمير والوجدان ،حيث يستلهم الشعب من سيرة النبي محمد صلوات الله عليه وآله، المبادئ التي تقوم عليها الأمة في مواجهة الظلم والاستكبار، وعلى رأسها التحرر من التبعية، ورفض الهيمنة الخارجية، والوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة.
فالرسالة المحمدية لم تكن دعوة روحية مجردة، بل كانت مشروعًا لبناء أمة قوية، تقف بوجه الطغيان، وتؤسس لقيم العدل والحرية والكرامة، ومن هذا المنطلق، فإن الحراك الشعبي الواسع في اليمن خلال إحياء المولد النبوي يعكس موقفًا سياسيًا واعيًا، يجمع بين الالتزام الديني والموقف المبدئي من قضايا الأمة الكبرى.
ويؤكد التفاعل الكبير أن الشعوب لا تزال قادرة على التعبير عن رفضها للوصاية الخارجية والاحتلال بكل أشكاله، سواء في فلسطين أو في أي بقعة من الأرض الإسلامية، وأنها ترى في إحياء المولد النبوي الشريف منصة لتجديد الولاء لله ورسوله، وتأكيد التمسك بخيار المقاومة والحرية.
كما أن هذه المناسبة تمثّل رسالة واضحة في زمن الاضطراب السياسي والانقسامات، بأن الأمة لا يمكن أن تنهض إلا من خلال العودة إلى مبادئ الرسالة النبوية، والتوحد على أساس العدل ومناصرة الحق، ومقاومة قوى الطغيان والفساد.
أبعاد اجتماعية .. تعزيز التلاحم والتكافل الشعبي والهوية الإيمانية
يمثل إحياء المولد النبوي الشريف في اليمن مناسبة اجتماعية جامعة تُسهم في تعزيز التلاحم الشعبي، وتكريس قيم التكافل، وترسيخ الهوية الإيمانية الجامعة بين أبناء المجتمع اليمني، في ظل التحديات المتزايدة التي تشهدها البلاد
فقد تحوّلت هذه المناسبة من مجرد طقس احتفالي إلى حالة من النشاط المجتمعي الشامل، حيث تشهد المدن والقرى في كل عام فعاليات جماهيرية واسعة، تنظمها لجان شعبية ومجتمعية، وتشارك فيها مختلف الفئات، ما يعكس روح التضامن والانسجام الاجتماعي بين مكونات الشعب.
وتبرز في هذه الفعاليات مظاهر التكافل الاجتماعي، من خلال توزيع المساعدات والسلال الغذائية، وزيارة الأسر الفقيرة، وتكريم الشهداء والجرحى، إلى جانب المبادرات الشبابية والخيرية، التي تؤكد على أن حبّ النبي صلوات الله عليه وآله يترجم في واقع الناس من خلال خدمة المجتمع، ورعاية الضعفاء، ومساندة المحتاجين، ولا يمر عام إلا ويتوج بموجهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، للاهتمام بالتكافل الإجتماعي على نطاق رسمي وشعبي واسع والاهتمام بأسر الشهداء وتلمس أحوال المستضعفين وإعانتهم .
كما أن الأجواء الإيمانية التي تسود خلال المناسبة تساهم في تعزيز الهوية الدينية الأصيلة، وتذكير الناس بقيم النبي وأخلاقه في التعامل، الرحمة، التعاون، والتراحم، وهي القيم التي تشكّل أساسًا متينًا لبناء مجتمع متماسك في وجه التحديات والأزمات.
وبهذا، يصبح المولد النبوي في اليمن رافعة اجتماعية حقيقية، تُعيد ترميم العلاقات المجتمعية، وتربط الأجيال بسيرة نبيهم، في ظل ظروف معيشية واقتصادية صعبة، ليبقى هذا الإحياء مصدرًا لتعزيز الصمود، وبناء الوعي، وتثبيت الهوية الإسلامية في النفوس والسلوك.
في ظل المسيرة القرآنية .. المولد النبوي مشروع حياة ونهضة أمة
يأتي إحياء المولد النبوي الشريف في اليمن ضمن رؤية متكاملة تتبنّاها المسيرة القرآنية، حيث لا يُنظر إلى المناسبة على أنها مجرد احتفال ديني سنوي، بل تُعد محطة هامة في مسار تعبوي وتربوي مستمر يهدف إلى إحياء روح الإسلام المحمدي الأصيل في واقع الأمة.
فالرسول محمد صلوات الله عليه وآله، لم يكن شخصية تاريخية تُذكر فقط، بل هو قائد ومعلّم، أرسى دعائم أمة، وقدّم نموذجًا متكاملاً للحياة في جوانبها الروحية، والسياسية، والاجتماعية، والأخلاقية، ومن هذا المنطلق، تُعد ذكرى مولده مناسبة لإعادة توجيه البوصلة نحو المشروع الإسلامي الشامل الذي يُعيد للأمة دورها ووظيفتها الحضارية.
في ظل المسيرة القرآنية، يُعاد تقديم المولد النبوي كمشروع حياة يربط الإيمان بالعمل، والولاء بالتحرك، والمعرفة بالمسؤولية، وينقل الأمة من حالة الجمود والاحتفال الرمزي إلى حالة من التفاعل العملي مع الرسالة ومقتضياتها، في مواجهة التحديات الراهنة.
كما يُبرز هذا التوجه أهمية بناء وعي جماهيري يُدرك أن الانتماء لرسول الله محمد صلوات الله عليه وآله ، لا يتحقق بالشعارات فقط، بل باتباع نهجه، والتحرك وفق مبادئه، والعمل على إقامة العدل، ومواجهة الظلم، وبناء مجتمع يقوم على القيم القرآنية ، وهكذا، يتحول المولد النبوي في اليمن من مناسبة زمنية عابرة إلى مرتكز نهضوي دائم، يعبّر عن ارتباط الأمة بمصدر عزتها، ويجسّد في الواقع معاني الولاء لله ورسوله، في زمن كثرت فيه التحديات وضاعت فيه البوصلة لدى كثير من الشعوب.
دلالة إحياء اليمنيين للمولد النبوي في ظل الأخطار والتحديات وحرب الإبادة في غزة
لا يمكن قراءة المشهد اليمني في المولد النبوي الشريف، بمعزل عن الأحداث الجارية في الأمة، وعلى رأسها حرب الإبادة الصهيونية المتواصلة في قطاع غزة، والتي تزامنت مع ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث يمثل إحياء هذه المناسبة في ظل هذه الظروف العصيبة يعبّر عن موقف وعي ومسؤولية وتضامن حقيقي مع الشعب الفلسطيني، ويعيد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في وجدان الشعب اليمني، كما يأتي هذا الإحياء في ظل تحديات جسيمة داخلية وخارجية تواجه اليمن، من استمرار العدوان والحصار، والتهديد الأمريكي الإسرائيلي، ومحاولات تركيع الشعوب الحرة، ومع ذلك، يُثبت الشعب اليمني أنه أكثر تمسكًا بقيم الإسلام ونبيه الكريم، وأكثر استعدادًا للتضحية دفاعًا عن كرامة الأمة وحقوقها، وفي الوقت الذي يخوض فيه أهل غزة معركة وجود، يؤكد ملايين اليمنيون أنهم شركاء في الموقف والمصير، وأنهم على عهد النبي صلوات الله عليه وآله باقون، وفي جبهة الحق ثابتون.
رسائل اليمن إلى الأمة .. توحدوا على نهج محمد صلوات الله عليه وآله
يوجه اليمنيون رسالة واضحة في هذه المناسبة من كل عام إلى شعوب الأمة الإسلامية بأن تتوحد على نهج النبي الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله، لا على أساس المذهبية أو الجغرافيا، بل على أسس القرآن والموالاة لأولياء الله والمعادة لإعداء الله ، ومواجهة مشاريع التفرقة والتطبيع والانحراف.
يوجّه اليمنيون في ذكرى المولد النبوي الشريف من كل عام رسالة صادقة وعميقة إلى الأمة الإسلامية جمعاء بأن
عودوا إلى نبيكم، وتوحّدوا على نهجه، فهو الجامع والضامن لوحدتكم، وعزتكم، وكرامتكم.
في زمن التفرقة والأخطار المحدقة من كل جانب، وفي ظل ما تتعرض له الأمة من احتلال وهيمنة وتطبيع وخيانة، يؤكد اليمنيون من خلال إحيائهم الكبير والمشرّف لهذه المناسبة العظيمة كل عام أن النجاة والخلاص لا يكونان إلا بالرجوع إلى رسول الله صلوات الله عليه وآله، والتمسك بالنهج والقيم الجامعة، التي تتجاوز الطائفية والمذهبية والحدود السياسية المصطنعة.
هذه الرسالة ليست دعوة نظرية، بل تجربة عملية يُقدّمها الشعب اليمني وهو يواجه العدوان والحصار، ويصمد بقوة الإيمان، ويحتفل بمولد نبيّه في وقت تمر فيه الأمة بأشد مراحلها ظلمة، في فلسطين، وغزة، وسائر أوطان المسلمين.
فالرسالة هي دعوة إلى كل الأحرار والمسلمين في الشرق والغرب، اجعلوا من النبي محمد صلوات الله عليه وآله محورًا لوحدتكم، ومصدرًا لهويتكم، وقيادة لمسيرتكم، فهو الرحمة المهداة، والقدوة التي لا يضلّ من سار خلفها، ولا يذلّ من تمسّك بها، وفي هذا الإحياء المبارك، يعلن اليمنيون أنهم على عهد رسول الله باقون، لا تُرهبهم قوى الطغيان، ويؤكدون أن الأمة لا يمكن أن تستعيد مكانتها إلا إذا توحدت على أساس الإسلام الأصيل، لا على الولاءات الزائفة.
خاتمة
يظهر المولد النبوي الشريف في اليمن هذا العام كمحطة وعي ويقظة كبرى، جمعت بين الإيمان والعمل، بين الولاء الصادق والموقف الشجاع، لترسم ملامح أمة عائدة إلى موقعها الريادي، بهدي نبيها وبنور القرآن، في وجه الطغيان والكفر والعدوان.