حين يبادر المجتمع تتراجع العزلة .. مبادرات مجتمعية تشق طرق الحياة وتكسر العزلة في عمران وريمة والجوف وذمار
يمانيون | تقرير
لم تعد المبادرات المجتمعية في اليمن مجرد حلول إسعافية لواقع خدمي صعب، بل تحولت إلى مسار تنموي متكامل، يستند إلى وعي مجتمعي متقدم، وشعور جماعي بالمسؤولية، وإيمان بأن الطريق هو المدخل الأول للحياة الكريمة.في محافظات عمران وريمة والجوف وذمار، تتجسد هذه الحقيقة عبر مشاريع شق طرق، وتأهيل مسارات، وإزالة مخاطر طبيعية، نفذها المجتمع بإمكاناته الذاتية، فكسرت عزلة استمرت لعقود، وربطت القرى بالمراكز، وأعادت الأمل لآلاف المواطنين.
عمران: الطرق مدخل التنمية وكسر التهميش
في محافظة عمران، شكّلت المبادرات المجتمعية، ولا سيما في مجال شق الطرق، نقطة تحوّل في حياة آلاف المواطنين في المديريات النائية.
وأكد مدير وحدة المبادرات المجتمعية بالمحافظة، هاشم الريدي، أن هذه المبادرات لم تكتفِ بتسهيل الحركة والتنقل، بل أعادت رسم الخريطة الخدمية والاجتماعية لمديريات ظلت لعقود خارج حسابات التنمية.
وأوضح الريدي أن مبادرات شق الطرق في مديرية الشوط ومحيطها تخدم أكثر من 14 ألف مستفيد، وترتبط بمديريات في محافظتي عمران وحجة، ما أسهم في ربط المناطق الزراعية بالأسواق، وتسهيل وصول الخدمات الصحية والتعليمية، وتقليل كلفة النقل والمعاناة اليومية للسكان.
وأشار إلى أن هذه المبادرات جاءت استجابة لتوجيهات قيادية ركزت على إنصاف المناطق المحرومة، وترجمت عبر وزارة الإدارة والتنمية المحلية ووحدة التدخلات المركزية، وبشراكة مباشرة مع المجتمع المحلي والجمعيات التعاونية، في نموذج يعزز التنمية المستدامة ويجعل المجتمع شريكًا في تحديد الأولويات وتنفيذها.
ريمة: طرق تُشق بالإرادة في الجبال الوعرة
وفي محافظة ريمة، حيث تتوزع القرى فوق قمم جبلية شاهقة، تحولت المبادرات المجتمعية إلى ملحمة إنسانية حقيقية، سطّرها الأهالي بإمكاناتهم الذاتية، لمواجهة العزلة القاسية وصعوبة الوصول إلى أبسط الخدمات.
ففي عزلة اليمانية بمديرية الجعفرية، أنجز المواطنون مشروع شق طريق جبلي بطول يزيد عن أربعة كيلومترات، بتكلفة تجاوزت 60 مليون ريال، نُفذ على مراحل امتدت لعشرين عامًا من العمل المتواصل.
ويربط الطريق مناطق نخلة، جبل القصير، المعاوي، شعب، ويمتد بفروعه إلى مناطق أخرى، ليشكل شريان حياة لعدد كبير من القرى، ويسهّل نقل المرضى، ووصول الطلاب والمعلمين، وتسويق المنتجات الزراعية، ودعم النشاط الحيواني والزراعي.
وفي إطار الحراك المجتمعي ذاته، نفذ أبناء مناطق الصراط مشروع طريق آخر بتكلفة تجاوزت 20 مليون ريال، بتمويل محلي خالص، وسط تحديات كبيرة تتعلق بالتضاريس الصخرية الوعرة والحاجة إلى معدات ثقيلة.
ويطالب الأهالي الجهات المعنية بتوفير هذه المعدات مجانًا، لتمكينهم من استكمال ما تبقى من الأعمال، وتحويل هذه الجهود الذاتية إلى مشاريع مكتملة ومستدامة.
الجوف: من العزلة القاتلة إلى طريق آمن يخدم 20 ألف مواطن
وفي محافظة الجوف، جسدت مبادرة شق وصيانة طريق المري – معشر في مديرية خب والشعف نموذجًا متقدمًا للتكامل بين المجتمع والدولة، بعد سنوات طويلة من العزلة التي كانت تتفاقم مع كل موسم أمطار.
فقد كانت السيول تحاصر القرى، وتمنع وصول المرضى، وتعطل نقل المحاصيل الزراعية، وتتسبب في حوادث مؤلمة.
وبجهود مجتمعية واعية، وبمساندة وحدة التدخلات المركزية، جرى شق نحو 12 كيلومترًا من الطريق الجبلي، وصيانة وتعزيز 12 كيلومترًا أخرى، بتكلفة إجمالية بلغت نحو 15 مليون ريال، ليخدم الطريق أكثر من 20 ألف نسمة، ويوفر مسارًا آمنًا بديلًا في أوقات السيول.
وأكد رئيس اللجنة المجتمعية بمديرية خب والشعف، محمد هادي العكص، أن المجتمع المحلي تحمّل قرابة 65% من تكلفة المشروع، في تعبير واضح عن تحوّل المجتمع من متلقٍ للخدمة إلى شريك فاعل في التنمية، مشيرًا إلى أن شراء المعدات بدل استئجارها يهدف إلى استدامة العمل الخدمي مستقبلًا.
ذمار: مبادرات وقائية تحمي الأرواح قبل وقوع الخطر
وفي محافظة ذمار، لم تقتصر المبادرات المجتمعية على شق الطرق، بل امتدت إلى حماية الأرواح والمساكن من الأخطار الطبيعية.
ففي مديرية وصاب السافل، دُشنت 35 مبادرة مجتمعية لإزالة الكتل الصخرية الآيلة للسقوط، التي كانت تهدد عشرات المنازل في القرى الجبلية، خاصة خلال مواسم الأمطار.
وجاءت هذه المبادرات عقب نزولات ميدانية دقيقة لحصر المخاطر، ووضع آليات فنية لإزالة الصخور دون الإضرار بالمنازل المجاورة، مع توفير مواد الإسناد ووسائل السلامة للفرق الميدانية.
وأكدت السلطة المحلية أن هذه الخطوة الاستباقية تجسد أعلى مستويات المسؤولية المجتمعية، وتجنب السكان كوارث محققة كانت تهدد حياتهم وممتلكاتهم.
حين يصنع المجتمع طريقه بيده
تكشف هذه النماذج من عمران وريمة والجوف وذمار أن المبادرات المجتمعية لم تعد خيارًا اضطراريًا، بل تحولت إلى ركيزة أساسية في مسار التنمية وكسر العزلة.
فقد أثبت المجتمع اليمني، بإرادته وتكافله، قدرته على تحويل التضاريس الوعرة والتحديات المزمنة إلى طرق حياة، ومشاريع أمان، ومساحات أمل.
ومع تكامل الجهود الرسمية والداعمة، تتكرس هذه المبادرات كنموذج وطني يُعيد الاعتبار للإنسان، ويؤسس لتنمية من القاعدة إلى القمة، تصنعها الأيادي المحلية وتخلّدها طرق آمنة تخدم الأجيال القادمة.



