إرث الفساد ’’العفاشي’’ ومسيرة 21 سبتمبر .. بين ماضي مظلم ومستقبل إيماني
لطالما عانى اليمن، على مدار عقود، من أزمات متراكمة كانت جذورها ممتدة في الفساد السياسي والاقتصادي والإداري الذي جسّده نظام ’’عفاش’’ ، ذلك الإرث الثقيل من المحسوبية، ونهب الثروات، وإضعاف مؤسسات الدولة، لم يكن مجرد خلل إداري، بل كان مشروعًا ممنهجًا لتفكيك الدولة وإفراغها من مضامينها السيادية والوطنية.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
يسلط هذا التقرير الضوء على ملامح ’’الفساد العفاشي’’ الذي لا تخفى تداعياته على أي يمني، من نهب للثروات الوطنية، وتمكين لطبقة طفيلية من النافذين، إلى تعطيل مؤسسات الدولة وتحويلها إلى أدوات للولاء والهيمنة، كما يرصد الكيفية التي مهّد بها عفاش الطريق أمام توريث الحكم لنجله أحمد علي، في مسعى لجعل اليمن دولة توريث، وهو ما كان سيجعل من أحمد رجل أمريكا في اليمن لمرحلة ما بعد والده.
صعود النظام .. وتشكُّل شبكة الفساد
منذ توليه الحكم في عام 1978، عمل علي عبد الله صالح ’’عفاش’’على إحكام سيطرته عبر شبكة من الولاءات العائلية والقبلية والعسكرية، بدلاً من بناء مؤسسات وطنية قوية، ومع توسع سلطته، بدأت ملامح الفساد تظهر بوضوح، إذ باتت الموارد الوطنية، وعلى رأسها النفط، تُدار بشكل غير شفاف، وارتبطت بإمبراطوريات مالية تابعة له ومقرّبيه.
تعد العقود النفطية، والصفقات الحكومية، واحتكار المناقصات العامة أبرز أوجه الفساد في تلك المرحلة، لم تكن هناك رقابة فعلية، في ظل تفكك الجهاز الرقابي، وتقييد الإعلام، وتغييب القضاء.
اقتصاد ريعي وتمكين النخبة
خلال فترة التسعينيات، تحوّل الاقتصاد اليمني إلى ما يشبه اقتصاد الغنيمة، حيث أُنشئت طبقة اقتصادية جديدة من رجال الأعمال المرتبطين بالقصر الجمهوري، سيطروا على قطاعات الاتصالات والموانئ والمشتقات النفطية.
تحوّلت الدولة إلى مصدر ثراء للفئة الحاكمة، في وقت كانت فيه نسبة الفقر تتفاقم، والخدمات الأساسية تنهار، وتم تهميش الكفاءات، واستُبدلت بأهل الثقة المقربة ، ما أفقد الدولة قدرتها على الأداء.
الفساد العسكري .. مؤسسة فوق الدولة
كانت المؤسسة العسكرية إحدى أبرز أدوات عفاش في تثبيت حكمه، وبرز ابنه أحمد كقائد لأهم وحدات النخبة، الحرس الجمهوري، التي أُعيد تشكيلها لتكون الذراع الضاربة للنظام العائلي، أُنفقت مليارات الدولارات على تسليح هذه القوات، دون خضوعها لأي مساءلة مالية أو رقابية.
بحسب تقارير ويكيليكس، كانت هناك صفقات تسليح سرية تورط فيها مسؤولون يمنيون، وبعضها تم عبر وسطاء خارجيين، الجيش، الذي يُفترض أن يكون درعًا للوطن، تحوّل إلى وسيلة لحماية الحكم والثروة، وليس الشعب.
تهيئة التوريث .. أحمد عفاش رجل أمريكا خلفاً لوالده
في الألفية الجديدة، بدأ عفاش الأب ، بتحضير الساحة لنجله أحمد، الذي نُظر إليه كشخصية محسوبة على الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لم يكن التوريث مشروعًا داخليًا فقط، بل سعى عفاش إلى تسويق نجله دوليًا كشخصية قادرة على الحفاظ على المصالح الغربية، ومواجهة ما يسمى الإرهاب.
قادت هذه الخطوة إلى استياء داخلي واسع، خاصة في أوساط المعارضة، والقبائل، والحراك الجنوبي، وحتى داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، حيث رأى كثيرون أن هذا المسار يُجهز لتدمير الجمهورية.
وقد كان مشروع التوريث أحد الأسباب الرئيسية لانفجار ثورة 11 فبراير 2011، إذ رفع المحتجون شعار ’’لا للتوريث’’، تعبيرًا عن رفضهم لاستمرار العائلة في حكم بلد يُعاني من أزمات بنيوية.
ثورة 21 سبتمبر .. الإحياء الوطني واستعادة الهوية الإيمانية
وسط تركة ثقيلة من الفساد والإقصاء التي راكمها النظام السابق لعقود، برزت ثورة 21 سبتمبر 2014 كمنعطف تاريخي مفصلي في الوعي اليمني الجمعي، لم تكن مجرد تحرك سياسي أو رد فعل لحظة، بل مثلت، امتدادًا حقيقيًا للثورة الشعبية ضد الاستبداد والفساد، ومحاولة تصحيحية لمسار انتقالي جرى احتواؤه وتقاسمه بين قوى النفوذ الخارجي ورموز المنظومة السابقة.
وانطلقت هذه الثورة المباركة بقيادة قائدها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه ، من هامش الجغرافيا إلى قلب العاصمة، رافعة شعار إسقاط الفساد، وتحقيق السيادة الوطنية، ورفض الوصاية الخارجية، وقد تميز خطابها بتركيز لافت على إعادة إحياء هوية اليمن الإيمانية المستمدة من الإرث الديني والثقافي العميق لليمن، البلد الذي وصفه الرسول صلوات الله عليه وآله : ( الإيمان يمان والحكمة يمانية).
المسيرة القرآنية المباركة .. مشروع يعيد الاعتبار للوطن ويكسر إرث العمالة والفساد
مع انطلاق ثورة 21 سبتمبر، برزت المسيرة القرآنية كإطار فكري وثقافي وروحي جديد يضع أسسًا مختلفة لبناء اليمن على قاعدة من الاستقلال الإيماني والسيادة الوطنية، فبعيدًا عن الشعارات التقليدية التي كانت تُرفع في العهد السابق، جاءت هذه المسيرة لتقدم مشروعًا متكاملًا يسعى إلى محو آثار النظام العفاشي الذي ارتمى لعقود في أحضان الخارج، وتغييبه للهوية الدينية، وقيادته منظومة فساد شاملة أفرغت الدولة من مضمونها.
إرث الفساد ومشروع الإحياء الوطني
رغم مرور سنوات على سقوط النظام العفاشي رسميًا، فإن آثار الفساد والعمالة لا تزال تلقي بظلالها على المشهد اليمني، من خلال امتداده المرتبط بالمشروع الصهيوأمريكي ، وتديره الإمارات بتحريك تيار المؤتمر العفاشي الذي لا يمثل المؤتمر الوطني وقياداته التي قررت أن تربط مصيرها بمستقبل اليمن وسيادته واستقلاله بأي صلة ، التيار العفاشي الذي رمى بنفسه في أحضان الامارات ووافق على أن يكون جزء من مؤامرة صهيونية وضع نفسه في مواجهة مشروع قرآني تكسرت أمام عظمته كل المؤامرات ، استطاع أن يبني وعياً وطنياً إيمانياً راسخاً، أعاد تشكيل مفهوم السيادة والاستقلال والارتباط القيمي بالمبادئ والحرية والاستقلال وكنس كل موروث الفساد ،
وسيبقى هذا المشروع مستمراً ، بإرادة شعبيه أكثر وعياً وأكثر إصراراً على استعادة هويته وإعادة بناء دولته على أسس الشفافية، والعدل، والكرامة، والاستقلال ، وأكثر صلابة في مواجهة كل المؤامرات وأكثر قوة في الحفاظ على التضحيات العظيمة المعمدة بالدماء الطاهرة .