مفاهيم وأسس الغُرْم الغَصَّاب ومصادره وقواعد الإخاء والصَّحَبْ في العرف القبلي المسنونة والغصابة “الجزء 4”
يمانيون |أعد المادة للنشر: محسن علي
تعد مسنونات الإخاء والصحب الـ5 القواعد الغَصَّابة والأساسية لعملية الضبط الاجتماعي, والتي بموجبها تجعل من المجتمع القبلي قويا ومترابطا قائما على نهج الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم وردع الظالم والحفاظ على حقوق الناس وأموالهم ودمائهم وأعراضهم, ولذلك فإن نظام الغُرْم الغَصَّاب قد جعل من الكيان اليمني مجتمعا راقيا وشامخا على مر العصور كونه قائم على أساس التعاون والتكافل والضبط والردع في كل الجوانب.
كما أن قوة القبيلة وهيبتها تكمن في مدى ترابط وتماسك أبنائها وتلاحمهم وتضامنهم الاجتماعي, وحرصهم على تطبيق مبادئ وقواعد الأخوة والصحب والطوارف التي ترتكز كلها على الغرم القبلي الغصاب ومعرفة مصادره ومميزاته وأنواعه, لما له من أهمية في ترسيخ الهوية القبلية اليمنية التي جعلها العدو في دائرة الاستهداف لطمس كل فضيلة وموروث وعادات وتقاليد تميز بها شعب الإيمان والجهاد والحكمة.. وهو ما سنستعرضه في هذا الجزء الرابع تتابعا لسلسلة الحلقات الأسبوعية التي تعنى بنشر قواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة.
المفهوم العرفي للغرم:
هو الشراكة الإجبارية الملزمة بالمال بين جميع أبناء القبيلة أو المغرم الواحد في كل القضايا والمواقف التي تؤول إلى الشراكة الجماعية, كما أنه أيضا نظام اجتماعي قبلي تكافلي, ومن أهم مميزاته :
التغلب على كل الصعاب والعراقيل’, بما فيها مناصرة الصاحب لصاحبه وفق ماهو مسنون في القواعد الخاصة بالصحب والإخاء والحد والبلد.
الغَرَّام الرَجَّام:
يطلق هذا المصطلح على كل فرد من الذكور من أفراد القبيلة أو المغرم الواحد, بلغ عمره 18 عاما فما فوق, وجب عليه دفع غرمه المالي, ورجاما يعني : وجب عليه القيام الفعلي بالنفس (سواء بحمل السلاح أو غير ذلك).
أسس نظام الغرم الغصاب
وضعت قواعد العرف القبلي أسس ثابتة ملزمة حددت واجبات الصحب والإخاء , بين الصاحب وصاحبه وبين الغرام وغرامته, وبالتالي فأن أساس بناء وتكوين القبيلة أو المغرم الواحد قائم على قواعد الأغرام الغصابة, وتكمن قوتها وهيبتها في مدى ترابط وتماسك أبنائها وتلاحمهم وتضامنهم الاجتماعي, وحرصهم على تطبيق مبادئ وقواعد الأخوة والصحب والطوارف التي ترتكز كلها على الغرم القبلي الغصاب.
ولذا فإن الفرد الذي ينتمي للقبيلة أو المغرم, يتمتع بالحماية والنصرة, والمعونة الاجتماعية من أصحابه في مختلف المواقف والظروف والقضايا مثل مطالبته لحق أو رفع ظلم عنه أو المناصرة الفعلية له بالنفس والمادية بالمال, وبالمقابل فمثل ما للفرد داخل قبيلته من حق النصرة والحماية على أصحابه وغرامته, فلأصحابه حق عليه في ضبطه وإرجاعه إلى الصائب في حال حصل منه اعوجاج أو إساءة أو تعد على الآخرين.
القواعد الأساسية الـ5 للإخاء والصحب
تعد مسنونات الإخاء والصحب الـ5 هي القواعد الغصابة والأساسية لعملية الضبط الاجتماعي, والتي بموجبها تجعل من المجتمع القبلي قويا ومترابطا قائما على نهج الدين الإسلامي الحنيف ومبادئه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة المظلوم وردع الظالم والحفاظ على حقوق الناس وأموالهم ودمائهم وأعراضهم, ولذلك فإن نظام الغرب الغصاب قد جعل من الكيان اليمني مجتمعا راقيا وشامخا على مر العصور كونه قائم على أساس التعاون والتكافل والضبط والردع في كل الجوانب.
وقد نصت القاعدة الأولى على أن (الصحب غصاب) فيما نصت الثانية على إن (الصاحب من صاحبه), وما نصت عليه هاتين القاعدتين , يعتبر ملزم بين الأصحاب والغرامة في كل الأمور الصغير والكبيرة, أما الثالثة فهي (الثالث مفارع) والرابعة ( لا غرام يعصب على غرام) بمعنى أن الشخص أو الطرف الثالث يجب أن يكون وسيطا وفراعا قراعا بين طرفي الشجار, ولا يجوز أن يكون منحازا أو متعصبا لأحدهما.
أما القاعدة الخامسة فهي (لاغرام يغرم على غرام) بمعنى: لا يصح الغرم بالمال من الشخص, أو الطرف الثالث مع صحاب ضد صاحبه الآخر في أي قضية صراع, أو خلاف بين طرفين أو غريمين مهما كانت صلة القرابة الرابطة مع أحد الأطراف.
القواعد العرفية تطابق الشريعة الإسلامية
تبين من خلال القواعد وجود حالة التطابق بينهما وبين الشريعة الإسلامية الغراء منها ما روي عن رسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى آله أنه قال ” انصر أخاك ظالما أو مظلوما”, وفي هذا السياق أيضا فإن قواعد الإخاء والصحب قد جرمت العصبية والتعصبات بين أبناء القبيلة والمغرم الواحد في حال حصلت صراعات وخلافات وإشكاليات بين طرفين أو غريمين داخل القبيلة أو المغرم الواحد.
أحكام مغلظة محشمة
حددت قواعد العرف القبلي أحكاما مغلظة عند أي ثبوت التعصبات من الصاحب على صاحبه, وجعلت لذلك ضوابطا وروادعا, تحد من مثل هذه المخالفات, وسنت علقة العصبية’ وهي من العلق البيضاء الساكنة التي يحكم فيها بالمحشم (أي الحكم المضاعف المجبور) في أي قضية ثبت فيها تعصبات.
3 مصادر لفرض الأغرام
سنت القواعد التالي : الذكور من الإنسان, والأغنام من الحيوان, والمحروث من الأرض, كثلاثة مصادر رئيسية لفرض الأغرام الغصابة في القبيلة والمغرم الواحد, ولكل منهما مقياس عرفي ثابت عند بلوغ نصابها.
ففي فرض الغرم على الفرد, أوجبت دفع غرمه المالي المتوجب عليه, ولا يعفى عنه أحد مهما بلغ جوره, كما جاءت القاعدة العرفية بدلالاتها الواضحة وهي أن (الغرم مبكي اليتم).
اما في الأغنام فعند بلوغ عددها 40 رأسا وجب غرم واحد منها, فإذا بلغت 80, وجب عليها غرمان وهكذا.
وفيما يخص المحروث من الأرض ففي كل أرض زراعية محروثة بلغت قيمتها 80 ريال فرانسي, , والذي يطلق عليه في باللهجة العامية “الريال الفرانصي” وهي العملية الفضية القديمة التي كانت متداولة في اليمن من العصر السابق, قبل التداول بالريال الجمهوري حاليا’ وكلما تضاعف في قيمتها نفس الرقم فأكثر يتضاعف الغرم أيضا.
أنواع الغرم
ينقسم الغرم الغصاب إلى نوعين رئيسيين, يوضح كل نوع مجال فرض الغرم ومصدره في القبيلة والمغرم الواحد, الأول(غرم الحد), يفرض غرمه من الثلاثة المصادر الرئيسية في كل القضايا والمواقف, للدفاع عن حد القبيلة أو أرضيها وحماها, مهما كلف ذلك من مال أو دماء في إطار المسؤولية الجماعية ويسمى هذا النوع ( غرم حد).
أما الثاني فهو (غرم الساحة) يفرض غرمه من مصدر رئيسي واحد وهو الذكور من الإنسان, وترجع أسبابها للإنسان نفسه أو ساحته, وستوجب فيها ما يستوجب في غرم الحد.
المرجع: كتاب مجموعة قواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة للشيخ صالح مجمل روضان.