رسالة المولد النبوي الشريف من اليمن إلى الأمة العربية والإسلامية وللعالم
ككل عام، يتوشّح اليمن بثوب أخضر تزينه الأنوار والشعارات المحمّلة بالمحبة والولاء لخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، في مشهد استثنائي يؤكد للعالم أن هذا الشعب، رغم العدوان والحصار، لا يزال ينبض حياة وإيمانًا، ويمتلك وعيًا حضاريًا راسخًا بجذور هويته الدينية والثقافية.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
إحياء المولد النبوي في اليمن لم يعد مجرد مناسبة دينية، بل تحوّل إلى فعل مقاومة ورسالة صريحة موجهة إلى أعداء الأمة، بأن اليمن، قيادةً وشعبًا، متمسكٌ برسولها الأعظم، وبالقرآن الكريم، وبالمقدسات الإسلامية التي تتعرض اليوم لأبشع أشكال التشويه والتفريط، خاصة من بعض الأنظمة العربية العميلة التي تخلّت عن مسؤوليتها الدينية والتاريخية.
خصوصية يمنية أصيلة
ما يميز اليمن عن غيره من البلدان في إحياء المولد النبوي هو الحضور الشعبي الهائل من مختلف المحافظات، حتى تلك التي تعاني من ظروف إنسانية صعبة، يخرج الملايين إلى الساحات في أجواء مهيبة، يرددون الأناشيد والمدائح النبوية، ويلقون الخُطب والكلمات التي تؤكد عمق العلاقة بين اليمنيين والنبي محمد صلوات الله عليه وآله، الذي قال عنهم: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
المساجد، المدارس، الجامعات، المؤسسات، الشوارع، والأسواق ، كلها تتحول إلى منصات تعبّر عن الفرح بمولد الرسول الأعظم، وتُعلِن ولاءها المطلق لرسالته التي جاءت لتحرر الإنسان من الطغيان، وتوحّد الأمة على أساس العدل والرحمة والكرامة.
بين الإيمان والرسالة السياسية
يأتي المولد النبوي الشريف هذا العام في ظل تطورات إقليمية حساسة، حيث تتزايد مؤشرات التطبيع العلني من قبل بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، في خيانة صريحة لفلسطين ولمقدسات الأمة وعلى رأسها المسجد الأقصى.
ورغم أن الشعوب العربية لا تزال تؤمن برسالة الرسول، وتكنّ له كل حب واحترام، إلا أن هذه المشاعر يتم تقييدها وتهميشها من قبل أنظمة فقدت بوصلتها، وارتهنت لأجندات غربية وصهيونية، أما في اليمن، فالوضع مختلف تمامًا، فالدولة والشعب يتحركان ضمن مشروع تحرري متكامل، يجعل من المناسبة النبوية منطلقًا لتجديد العهد مع الله ورسوله، وللتأكيد على مواجهة قوى الاستكبار والهيمنة.
دعوة للأمة .. العودة الجادة إلى القرآن والنبي صلوات الله عليه وآله
ما تشهده الأمة الإسلامية اليوم من تمزق، وضياع في الأولويات، وتفريط في المقدسات، هو نتيجة مباشرة للابتعاد عن القرآن الكريم، والانفصال عن منهج النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ظل هذا الواقع، تبدو الحاجة ماسة وملحة لصحوة شاملة تبدأ من الذات، وتنهض من القيم التي جاء بها الرسول الخاتم.
الشعوب العربية والإسلامية لم تفقد إيمانها، لكنها تحتاج إلى أن تخرج عن صمتها، وأن لا تعوّل على الأنظمة المطبّعة والعميلة التي رهنت قرارها للعدو، وتخلّت عن فلسطين والقدس، وعن أبسط مقومات السيادة والكرامة.
إن العودة الجادة إلى القرآن والنبي ليست خيارًا ثقافيًا أو دينيًا فحسب، بل هي الخيار الوحيد لبناء أمة قوية، مستقلة، وموحّدة في وجه المشاريع الصهيونية والغربية التي تستهدف دينها وهويتها.
واليمن، من خلال إحيائه الصادق والمهيب للمولد النبوي الشريف، يقدم النموذج العملي للأمة، كيف يمكن للإيمان أن يتحول إلى وعي، وللوعي أن يصبح قوة، وللقوة أن تخلق واقعًا جديدًا يعيد للأمة دورها ومكانتها.
رسالة يمنية للعالم
الرسالة التي يبعثها اليمنيون من ساحات الاحتفال بالمولد النبوي ليست موجهة فقط للأعداء الخارجيين، بل أيضًا للأمة الإسلامية كلها، أن النصر الحقيقي يبدأ من العودة إلى الرسول، من الاقتداء بسيرته، والتمسك بقرآنه، والوقوف بوجه الطغاة والمستكبرين.
إن احتفال اليمن بهذا الشكل الواسع والروح الإيمانية العالية، في ظل ظروف معيشية وإنسانية صعبة، هو أكبر دليل على أن الإيمان ليس مجرد شعار، بل سلوك وموقف، وأن هذا الشعب عصيٌّ على الانكسار، لأن بوصلته لم تضل الطريق.