{وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} .. قراءة دلالية في فكر الشهيد القائد رضوان الله عليه
ببراعة فريدة قدم الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) في خطاباته ومحاضراته، دلالات الآيات القرآنية، وقراءتها قراءة معاصرة تنطلق من واقع الأمة، وهمومها، وتحدياتها، وفي تفسيره لآية {وَلَنْ تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، تتجلى أبعاد متعددة من الرؤية القرآنية التي يقدمها الشهيد القائد، تقوم على التبصر في سنن الله في التدافع الحضاري، والكشف عن جوهر الهيمنة الغربية والصهيونية على الأمة الإسلامية.
يمانيون / خاص
حقيقة قرآنية لا تقبل التبديل ![]()
يرى الشهيد القائد أن “لَنْ” في الآية جاءت لتأكيد النفي الأبدي، فهي ليست مجرد معلومة تاريخية بل قانون إلهي وسنة كونية، لن يرضوا عنك أبدًا مهما عملت لهم، مهما قدمت لهم، مهما أظهرت من حسن نوايا معهم، وهذا يقود إلى حقيقة مركزية في مشروع الشهيد القائد أن رضى القوى الكبرى المتمثلة في أمريكا وإسرائيل ومن يسير في فلكهم ، ليس غاية مشروعة للمؤمنين، لأنهم لن يرضوا إلا بتنازل الأمة عن عقيدتها وهويتها.
صراع الهوية
في تأمل دقيق للفظ “مِلَّتَهُمْ”، يوضح الشهيد أن المطلوب ليس مجرد تطبيع سلوكي أو سياسي، بل استسلام تام، وتبديل شامل في الهوية: هم لن يعترفوا بك أنك قد أصبحت متبعًا لملتهم إلا بعد أن يتأكدوا أنك قد تخليت عما أنت عليه، عن ملتك التي أنت عليها، وعن أمتك التي أنت منها.
وهنا تتضح رؤيته للهوية كخط دفاع جوهري، وأن الحرب القائمة ضد الأمة ليست فقط على الأرض والثروات، بل هي حرب تغيير دين وثقافة، وتذويب للعقيدة.
البعد الكوني للآية وتجليها في الواقع
يربط الشهيد القائد هذه الآية بآية أخرى، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ…} (فصلت: 53)،
فيكشف أن مصاديق هذه الحقيقة القرآنية ستتجلى في الواقع، وسيرى الناس أن ما قاله الله عز وجل هو حق، ليس فقط بالنص، بل بالشواهد العملية التي تتكرر في كل جيل، وهذه نظرة قرآنية حية، تؤمن بأن آيات الله ليست جامدة في صفحات الكتاب، بل تتفاعل مع الزمان، وتتكشف عبر الأحداث.
العبرة والوعي التاريخي كوسيلة للمواجهة
يعتمد الشهيد القائد رضوان الله عليه ، في خطابه على تسليط الضوء على أهمية قراءة التاريخ واستيعاب السنن، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: 111)، وهنا يدعو إلى أن يكون للمؤمن وعي تاريخي، يقرأ من خلاله الواقع، ويستشرف به المستقبل، فلا يكون ساذجًا في تعامله مع قوى الهيمنة، ولا غافلًا عن أهدافها الحقيقية.
نقد الغفلة والانشغال بالماديات
في ختام تحليله للآية، ينتقد الشهيد القائد انشغال الناس بالحياة المادية والانغماس في تفاصيل المعاش على حساب الوعي والبصيرة، مشيرًا إلى أن الإنسان خُلق بعقل قادر على إدراك معاني متعددة، لكن الناس يظلمون أنفسهم بتضييق آفاق تفكيرهم.
وهذه إشارة إلى أن الغفلة هي الأرض الخصبة التي تنبت فيها بذور التبعية والاستسلام.
خاتمة
يمكن اعتبار هذه الآية إحدى الركائز التفسيرية الأساسية التي بنى عليها الشهيد القائد مشروعه القرآني وموقفه من الهيمنة الغربية، إنها ليست مجرد قراءة تفسيرية، بل إعلان مبدئي بعدم الخضوع، وفهم عميق لطبيعة المعركة، ومصدر الرفض المتجذر في العقيدة القرآنية، لا في العداء السياسي المجرد.
لقد أعاد الشهيد القائد للقرآن حيويته في ميدان المواجهة، وحرره من التفسير الجامد، ليصير دليلاً عمليًا لحركة الأمة في وجه الطغيان.