حصار غزّة وسلاح المقاومة

طاهر محمد الجنيد

المقاومة الفلسطينية تسببت في دمار غزّة واستشهاد أكثر من ستين ألفاً حتى الآن. ومثل ذلك، المقاومة الجزائرية تسببت في استشهاد أكثر من مليون ونصف المليون. والمقاومة الفيتنامية تسببت بقتل أكثر من خمسة ملايين إنسان؛ هذا ما يقوله الخونة والمستعربون من عملاء الاستعمار، سواء لبسوا مسوح المتقين أو كانوا من المجاهرين بالعداوة ومن الداعمين للمجرمين.

سياسيو العالم يعملون لتحقيق مصالح بلدانهم والدفاع عنها، أما سياسيو العرب والمسلمون فيعملون لغير صالح بلدانهم وأمتهم وشعوبهم، فبينما يحاصرون غزّة ويطالبون المقاومة بتسليم سلاحها، فإنهم يمدّون الإجرام والاحتلال بكل ما يحتاجه. الأردن سبقت مصر وربطت اقتصادها بالإرادة والإدارة الصهيونية من خلال اتفاقية الماء، التي تعتبر بمثابة الحبل السري للأردن، ولو شاء الاحتلال قطع الماء. أما مصر فتمكنت من تدارك الأمر بالغاز، وبصفقة تجاوزت 35 مليار دولار لتعويض خسائر الإجرام على غزّة وفلسطين.

الإمارات والسعودية يرسلان الأسلحة براً وبحراً وجواً، ويعملان مع بقية الأنظمة من أجل القضاء على المقاومة وتدمير غزّة وتهجير سكانها لصالح تحقيق مشروع الصهاينة (إسرائيل الكبرى).

المشروع الصهيوني قام على أساس السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين وفكرة حل الدولتين مع احترام بقية المكونات الأخرى وضمان كامل حقوقها وعدم المساس بها، لكن الصهيونية قبلت ذلك ثم تغولت إلى القضاء على المكونات الأخرى، سواء في الأجزاء التي أُعطيت لها أو في بقية الأجزاء التي تُركت لأصحاب الأرض. (وعد بلفور) قام على أساس ذلك، لكن الكرم الحاتمي السعودي صرّح: «لا مانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم».

كيان الاحتلال أصبح حقيقة قائمة، وفلسطين ما زالت مرهونة بإرادة الإجرام والمجرمين، ولو اعترف العالم بها فلن تعترف أمريكا بها، والأنظمة العربية مرهونة إرادتها بالاحتلال وأمريكا، لأنهم جزء لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية ومن التحالف الصهيوني الصليبي.

الإجرام الصهيوني والتحالف الصهيوني الصليبي يمنع دخول المساعدات الإنسانية وينكر وجود المجاعة ويقول إنها دعاية غير صحيحة، والدليل أن من يحمل شهداء المجاعة لا يزالون أحياءً، أو أن الصور بينت وجود آخرين لا يظهر عليهم أثر المجاعة.

مجرم الحرب (نتنياهو) ذهب إلى ألمانيا لاستلام مكافأة قيامه بالمهمات القذرة نيابة عن الغرب، ولم ينس أن يكذب على المجاهد الشهيد عبد القادر الحسيني رحمه الله، رئيس بلدية القدس قبل الاحتلال، الذي زار ألمانيا والتقى بهتلر.

«نتنياهو» قال إن الحسيني طلب من هتلر طرد اليهود، لكن هتلر أخبره أنهم متمسكون بألمانيا، فطلب من هتلر إحراقهم حتى يرحلوا إلى فلسطين، وهو ما جعل الصحافة والرأي العام الألماني يرد على كذبه.

كذبات الإجرام الصهيوني لا متناهية، مثلها كبقية الأنظمة المنضوية في تحالفهم الإجرامي، ومن ذلك إنكار تدبير المجاعة في غزّة، وحتى جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ينكرها. ومن العجيب أنه يرى نفسه قديساً يريد تحقيق إسرائيل الكبرى؛ فإذا كانت المظاهرات المؤيدة لفلسطين تقول: «فلسطين حرة من النهر إلى البحر»، فشعاره: «إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر»، ومبرره أن من ينادون بذلك فاشلون في الجغرافيا والتاريخ، فإسرائيل في نظره ليست دولة استعمارية لأنهم كانوا هناك منذ مئات السنين.

نتنياهو يعتمد على القوة والإجرام في إثبات الحقائق ونفيها، وفي تزوير التاريخ ورسم خرائط الدول كما هو الحال في تقسيم الأمتين العربية والإسلامية بناءً على رغبات الإمبراطوريات الاستعمارية، التي أوجدت الكيان وفرضته حقيقة واقعية وبقرارات دولية للأسف؛ ويسند ذلك إلى الإجرام الأمريكي الذي بلغ به الهمجية والإجرام إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لأنها تجرأت على المساس بالإجرام الصهيوني والإجرام الأمريكي.

أمريكا والتحالف الصهيوني يحاربان العالم من أجل المشروع الصهيوني، وإذا كانت تتصدر المشهد في الحرب على الأمم المتحدة، فليس معنى ذلك أن الآخرين لا يساعدونها أو يحاربون معها. حاربت منظمات الأمم المتحدة وعاقبت مقرّرة حقوق الإنسان، والآن أضافت إلى القائمة أربعة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية لأنها، كما يزعمون، «تهدد الأمن القومي الامريكسرائيلي»، وهي بحسب قول وزير خارجية الخوارج عن القانون والإجماع الدولي (روبيو)، أساءت استخدام سلطاتها، أما المجرم (نتنياهو) فقد اعتبر ما تقوم به أمريكا من عقوبات خطوة حاسمة لمواجهة حملة التشويه ضد كيان الاحتلال وجيشه الإجرامي.

المسلمون والعرب والنصارى واليهود كانوا موجودين في فلسطين وفي أقطار العالم الإسلامي، ولم يمسسهم سوء، بل تم حمايتهم (اليهود والنصارى) من الإجرام الصليبي ومحاكم التفتيش؛ وتمتعوا بكامل حقوقهم ولم يساقوا إلى معسكرات الاعتقال أو محاكم التفتيش.

غزّة اليوم يُراد القضاء عليها لأنها ومحور المقاومة ترفض الاستسلام للإجرام، أما الضفة وبقية المناطق الفلسطينية فقد تم التعامل معها بواسطة الخونة والعملاء.
بقاء غزّة معناه انهيار المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي يريد أن يتحول من كيان منبوذ إلى حقيقة قائمة بالقوة والإجرام.

الاحتلال، بالتعاون مع الأنظمة التي صنعها الاستعمار، يريد إعادة تشكيل التاريخ والجغرافيا والدين والحقائق بما يتوافق مع إملاءات القوة والإجرام، حتى يستمر المشروع الاستيطاني، لكن تحت مبررات دينية يباركها الصهاينة المسيحيون واليهود وصهاينة العرب والمسلمون الذين تسلموا مقاليد خير أمة أُخرجت للناس؛ لقد حوّلوها إلى مسخرة بين الأمم ودمروا كل أساسات التوحد وكل إمكانيات النهوض والتقدم والرقي.

تمسك أهل غزّة وفلسطين بأرضهم، ومقاومتهم لكل مشاريع التهجير والإبادة، يعرقل كل مشاريع الإجرام الصهيوني، الذي يرى أن القوة قادرة على جعل الحق باطلاً والباطل حقاً، وهو ما يرفضه العقل والمنطق.
القوة التي يستند إليها الإجرام والمجرمون تستطيع أن تدمر الماديات، أما المعنويات، ومنها الإرادة، فيستحيل تدميرها بالقوة، حتى وإن سيطر الإجرام على المناهج والمنابر وسحب كل كتب التعليم كما فعلت أمريكا بسحب مناهج السعودية ودول الخليج عامة وفرضت عليهم تدريس مناهج تكرس الانحطاط والذل والهوان؛ واستعانت باليهود والنصارى وعينتهم كمدرسين وأئمة مساجد وخطباء منابر يسوقون الأكاذيب وينشرون الفرقة والتجزئة ويدعون إلى المنكر وينهون عن المعروف.

من يحمي زوال الاستعمار وكيان الاحتلال هو البترول العربي والثروات والأنظمة العربية، والأمر ليس وليد اللحظة، بل إنه تخطيط وتدبير منذ عشرات السنين.

لقد عجبت إلى حديث إنسان يدّعي أنه على درجة كبيرة من العلم، وهو يبرر دعم اليهود والنصارى وإجرامهم مستشهداً بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«ستصالحون الروم صلحاً آمناً فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم فتنصرون وتغنمون وتسلمون، ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلو فيرفع رجل من أهل النصرانية الصليب، فيغضب رجل من المسلمين فيدقه، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع للملحمة».

يفسر ذلك بقوله إن المسلمين واليهود والنصارى سيعقدون صلحاً وسيحاربون (الشيعة)، مع أن الحديث يقول مع النصارى وأنهم سيغدرون؛ إنه يبرر للإجرام الصهيوني. ومن يدرس سيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سيجد أنه عقد المعاهدات المتعددة مع اليهود، ونقضوا عهودهم ومواثيقهم كلها، وأكد الله سبحانه وتعالى ذلك فقال:
﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 101]

ومن يطلع على تعامل اليهود والتحالف الصهيوني الصليبي، سيجد أنهم لا يفون بعهد ولا يرعون في المسلمين إلا ولا ذمة. والآن تحالف الجميع مع صهاينة العرب والمسلمين من أجل إعادة الجاهلية، التي حذر منها النبي الأعظم حينما قال: «بعثت بين جاهليتين أخراهما شرّ من أولاهما».

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com