ثورة 21 سبتمبر.. عقد من التحرر والصمود وبناء قوة ردع
يمانيون/بقلم: عبدالحكيم عامر
تأتي الذكرى الحادى عشر سنة لثورة الـ21 من سبتمبر لتؤكد أنها كانت تحوّل فارق في تاريخ اليمن الحديث، أنهى عقوداً من الوصاية والتبعية، وفتح الأفق أمام عهد جديد يقوم على الاستقلال الوطني وترسيخ الهوية الإيمانية، وبناء الدولة العادلة التي طالما حلم بها اليمنيون، لقد أثبت عقد كامل من عمر هذه الثورة المباركة أنها ثمرة قرار شعبي أصيل، ومشروع قرآني واضح المعالم، وقيادة ربانية مؤمنة، وشعب صابر صامد قدّم التضحيات ليحمي سيادته ويصون كرامته.
أنطلقت ثورة الـ21 من سبتمبر، لتضع حداً لمرحلة طويلة من الهيمنة الأجنبية والفساد السياسي والاقتصادي، وتعلن استقلال القرار الوطني، وجسدت بصدق طموح اليمنيين في بناء دولتهم المستقلة والعادلة، وكما أكد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، فإن هذه الثورة لم تكن استجابة لإملاءات خارجية، ولا صناعة غرف مظلمة، وإنما انطلقت من إرادة الشعب وتطلعاته في التحرر والكرامة والسيادة.
ما يميز ثورة 21 سبتمبر أنها لم تتخذ مسار الانتقام أو تصفية الحسابات كما يحدث في الكثير من الثورات عبر التاريخ، بل منحت الجميع فرصة للمشاركة في بناء يمن جديد، وأكدت على قيم التسامح والعفو، ورفضت استدعاء الأحقاد أو اجترار ضغائن الماضي، لقد أتت الثورة لتبدأ صفحة جديدة عنوانها الشراكة والمواطنة المتساوية، شرط وقف سياسات الهدم والارتهان.
ولم تتوقف ثورة 21 سبتمبر عند كونها حركة سياسية داخلية، بل تحولت إلى مشروع حضاري متكامل غيّر ملامح اليمن والمنطقة، فقد جسدت أهدافها الوطنية من خلال: محاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وصون السيادة الوطنية وتحرير القرار اليمني من الارتهان، وترسيخ الهوية الإيمانية كمنطلق لبناء مجتمع متماسك، والحفاظ على مؤسسات الدولة وحمايتها من الانهيار رغم العدوان والحصار.
وخلال إحدى عشر سنة، أثبتت الثورة قدرتها على الصمود في وجه أكبر عدوان خارجي عرفه اليمن في تاريخه المعاصر، وبرغم الحصار والتدمير الممنهج، تحولت التحديات إلى فرص لبناء القوة الدفاعية والهجومية، حتى امتلك اليمن أسلحة الردع الاستراتيجية، وأصبح رقماً صعباً في معادلات الإقليم والعالم.
كما أن الثورة فتحت الأفق السياسي للحوار الواسع بين المكونات الوطنية، وأثمر ذلك توقيع وثيقة السلم والشراكة برعاية أممية، والتي دعت لتصحيح المسار السياسي، وإعادة الاعتبار لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، كما أعادت الثورة الاعتبار لمبدأ التوافق الوطني، وحمت اليمن من مشاريع التقسيم.
وعلى الرغم من انقلاب قوى العمالة والارتزاق على الاتفاق، أبقت الثورة باب الحوار مفتوحاً، لأنها أعادت الاعتبار لقيم المواطنة المتساوية، وتؤكد أنها مشروع جامع لا إقصائي، يسعى لبناء يمن جديد قائم على العدل والحرية والاستقلال.
لقد مثّلت الثورة نقطة فاصلة في تاريخ اليمن الحديث، إذ أسقطت الوصاية الأجنبية التي كانت تتحكم في القرار الوطني لعقود، وقد كشفت اعترافات شبكات التجسس الأمريكية والإسرائيلية التي ضبطتها الأجهزة الأمنية في صنعاء مدى حجم التغلغل الخارجي في مفاصل الدولة قبل الثورة، لقد أعادت الثورة لليمن استقلال قراره السياسي، ورسخت سيادته، وفتحت الطريق لبناء علاقات خارجية قائمة على الندية والاحترام المتبادل.
ومع انطلاق العدوان السعودي الأمريكي عام 2015، دخلت الثورة مرحلة جديدة من التحديات: واجهت حرباً شاملة عسكرية وسياسية واقتصادية وإعلامية، وبرغم الحصار الخانق والتدمير، استطاعت الحفاظ على مؤسسات الدولة، وحوّلت التهديدات إلى فرص لبناء القدرات الدفاعية والهجومية، حتى تمكن اليمن من تطوير منظومات صاروخية ومسيّرات متطورة، وصولاً إلى امتلاك أسلحة الردع الاستراتيجية التي جعلت منه قوة إقليمية يُحسب لها حساب.
ولم يكن أثر الثورة داخلياً فحسب، بل امتد ليؤكد حضور اليمن في قضايا الأمة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ومواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، وهكذا أصبحت ثورة 21 سبتمبر نموذجاً يلهم الشعوب العربية والإسلامية في سعيها للتحرر من الوصاية والتبعية.
وقد أثبتت ثورة 21 سبتمبر أنها مشروع تحرري حضاري متكامل: رسخت الهوية الإيمانية للشعب اليمني، وحررت القرار السياسي من التبعية، وبنت قوة الردع وحولت اليمن إلى لاعب إقليمي مؤثر، وصاغت رؤية وطنية للمستقبل عنوانها الاستقلال والكرامة.
لقد غيّرت ثورة 21 سبتمبر ملامح اليمن والمنطقة خلال عقد من الزمن، فهي ثورة حررت القرار الوطني، وحمت السيادة، ورسخت الهوية، وبنت القوة في مواجهة أكبر عدوان خارجي عرفه اليمن. وما تحقق حتى اليوم ليس إلا بداية نحو يمن جديد مستقل، عزيز، وقوي، وفاعل في قضاياه الوطنية والإقليمية والإنسانية.
إنها ثورة استثنائية في أهدافها ووسائلها ونتائجها، ثورة لم تكتفِ بإسقاط عهد الوصاية والفساد، بل وضعت اليمن على طريق الحرية والعزة والكرامة والسيادة الوطنية، لتكون بحق الحدث الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر، والنموذج الملهم للأمة في مسارها التحرري، ومضمونها العدل والحرية، ورهانها الشعب الواعي الصامد.