من الرجاء إلى الالتزام .. دلالات قرآنية عميقة للشهيد القائد في آيات التوبة إلى الله

عند الوقوف أمام الآيات الكريمة من سورة الزمر، من الآية 53 إلى 55، نجد أنفسنا أمام خطاب إلهي هو من أبلغ وأرق ما ورد في كتاب الله من حيث الرحمة الإلهية والفتح الرباني لأبواب التوبة، والذي تناول الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي تحليله بأسلوب فكري، تربوي، إحيائي، يلامس فيه أعمق ما في النفس البشرية من صراعات بين اليأس والرجاء، بين القنوط والطمع في رحمة الله، قال تعالى : [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِـمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) ] من سورة الزمر

يمانيون / خاص

 من خطاب اليأس إلى نور الرجاء .. خطاب الهي يبدأ بنداء الرحمة

يخاطب الله سبحانه وتعالى عباده المذنبين بلغة حانية غير طاردة، رغم إسرافهم وتعدّيهم، هذه اللفتة الدلالية يركز عليها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، معتبرًا أن مجرد استخدام لفظ “عبادي” يُشعر العاصي أنه لم يُطرد من رحمة الله، بل لا زال في دائرة العبودية المقبولة، وهذه أعلى صور اللطف الرباني.

ثم تأتي العبارة المفتاحية، {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} ، وفي هذا ، يوضح الشهيد القائد أن من أخطر ما يواجه النفس هو “القنوط”، وهو شعور يزرعه الشيطان عندما يرى الإنسان حجم ذنوبه وتقصيره، فيستغل تلك الحالة النفسية ليجعل الإنسان ينقطع عن العودة إلى الله، هنا، تأتي الآية كمنقذ نفسي وروحي، لا تيأس، لا تقنط، كل الذنوب يمكن أن تُغفر.

 

التوبة كتحول فعّال لا كمجرد شعور

يشدد الشهيد القائد على  أن التوبة ليست فقط حالة نفسية لحظية من الشعور بالندم، بل هي بداية لانطلاقة عملية في طريق الهداية. فيقول: “هذه إنما هي بداية لتصحيح وضعيتك للتخلص من الماضي المظلم … ،، ثم يؤكد أن التوبة الصادقة لا تكتمل إلا بالاتباع: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ}، وهو هنا يربط بين الرجوع النفسي (الإنابة) والتحرك العملي (الإتباع)، ما يجعل التوبة حركة فكرية وأخلاقية وإيمانية وليست مجرد لحظة شعورية.

 

التحذير من الركون

يتحدث الشهيد القائد عن خطورة الفراغ بعد التوبة، أي أن يتوب الإنسان ولا يملأ حياته بهدي الله، فيعود إلى الذنب. يقول: “أنت معرض لأن تعود إلى الذنب من جديد…”، وبذلك يربط التوبة بـ المشروع العملي والالتزام القرآني الذي يحصن الإنسان من الرجوع إلى دائرة الإسراف.

 

معاناة الإنسان بين الحسرة والاستكبار

في الجزء الثاني من الآيات، يظهر مشهد حسرة النفس في قوله تعالى : {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ…}، وهنا يستنتج الشهيد القائد أن هذه الحسرة تأتي من الغفلة والكبر ورفض اتباع الحق رغم وصوله: “بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ” ، ليؤكد أن الهلاك ليس فقط بسبب الذنوب، بل بسبب الاستكبار عن التوبة، والعناد في مواجهة آيات الله.

 

النجاة بالتقوى

{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا…} ، يختم الله سبحانه وتعالى هذه السورة بأمل مشرق، من يتقي، من يسير على هذا الطريق، فإن له النجاة، والأمان، والسلامة من الحزن والسوء، وهذا ما اعتبره الشهيد القائد تتويج لرحلة التوبة، تبدأ بنداء حانٍ، وتستمر بعمل واتباع، وتنتهي بمقام الأمان الأبدي.

 

خاتمة 

خطاب الله للعباد المذنبين لا يحمل تهديدًا بل يحمل فتحًا لأبواب الرحمة، مع خارطة طريق واضحة للعودة، والشهيد القائد يدمج بين التربية النفسية والحركة العملية، بين الندم الفردي والالتزام الجماعي، وأكد على أن الخطر ليس الذنب ليس الذنب وحده، بل القنوط، والركون، والتقصير في اتباع منهج الله بعد التوبة، وأشار إلى أن اتباع القرآن الكريم كـ”أحسن ما أنزل”، هو الضمان الوحيد للثبات والاستقامة، ولذا فإن التوبة ليست نهاية، بل بداية لمشروع إيماني كبير، يقوده الإنسان للنجاة من العذاب، وبلوغ الرحمة والفوز.

 

إن هذه القراءة الدلالية في المعنى القرآني للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي يعكس فهمًا عميقًا للقرآن، يجعل منه مصدرًا لإحياء الإنسان من داخله، وانتشاله من وحل المعصية لا فقط بالوعظ، بل بإعطائه رؤية عملية ونفسية متكاملة تعيد ربطه بالله كرب رحيم، ودستور عظيم، وطريق مستقيم.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com