قراءة في بيان حماس .. بين الواقعية السياسية والتشبث بالثوابت

في بيان سياسي وصف بالمرن والذكي ، أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس، ردها الرسمي على مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب على قطاع غزة، وهو المقترح الذي جاء ضمن مساعٍ إقليمية ودولية متزايدة لاحتواء العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أشهر.

يمانيون / خاص

 

في سياق بالغ الحساسية، جاء بيان حماس ليمثل تحولًا ملحوظًا في خطاب الحركة، دون أن يتخلى عن الثوابت التي لطالما تمسكت بها، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني ومصير قطاع غزة.

البيان الذي صدر يوم الجمعة (11 ربيع الآخر 1447هـ، 3 أكتوبر 2025م)، حمل لغة سياسية محسوبة، تعكس توازنًا بين الاستجابة للمبادرة الأميركية، رغم ما تثيره من جدل، وبين الحفاظ على الشرعية الوطنية الفلسطينية في اتخاذ القرار النهائي.

وكان أبرز ملامح البيان، هو التمسك بالموقف الجماعي الفلسطيني، حيث شددت حماس على أن أي نقاش حول مستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني يجب أن يتم ضمن إطار وطني فلسطيني جامع، في رسالة واضحة بأنها لا تسعى لانفراد أو صفقات جانبية، بل تدعو إلى توافق شامل، وكذلك الانفتاح على المبادرة الأميركية ضمن حدود، وفي خطوة لافتة، أبدت الحركة موافقتها على نقاط محددة في مقترح ترامب، أبرزها، وقف الحرب فورًا، والانسحاب الكامل للعدو الإسرائيلي من القطاع، وبدء مفاوضات عبر الوسطاء بشأن صفقة تبادل الأسرى، تشمل الإفراج عن جميع الأسرى أحياء وجثامين، وتسليم إدارة القطاع لهيئة فلسطينية من المستقلين، وفق توافق وطني.

الموافقة على هذه النقاط تهدف إلى تحقيق مكاسب إنسانية ووطنية عاجلة، دون المساس بالحقوق الاستراتيجية الكبرى.

البيان لم يغفل التأكيد على خطوط حمراء واضحة، مثل رفض الاحتلال المباشر لغزة أو تهجير سكانها، في رد على ما يُقال إنه تلميح في الخطة الأميركية لإعادة صياغة الواقع الجغرافي والديمغرافي في القطاع.

قراءة في الدلالات السياسية

البيان يمثل تحول مدروس في خطاب حماس، فبدلاً من الرفض المطلق أو القبول الكامل، اختارت الحركة طريق الانتقائية السياسية، في التعامل مع المبادرة الأميركية، وهو نهج يتماشى مع التعقيدات الميدانية والإنسانية التي يفرضها الواقع في غزة بعد شهور من الحرب.

كما أن إشارتها إلى مشاورات واسعة مع القوى والفصائل والوسطاء، تعكس حرصًا على إضفاء شرعية جماعية على القرار، ومنع تصويره كتنازل منفرد أو خضوع لضغوط خارجية.

 

رد حماس سيفتح الباب أمام تفاعلات إقليمية ودولية متسارعة، فالمجتمع الدولي، الذي بدا عاجزًا عن وقف الحرب، قد يجد في هذا الرد مدخلًا لتحريك المياه الراكدة، بينما قد تتجه الأنظار إلى الفصائل الفلسطينية الأخرى، لا سيما السلطة الفلسطينية، لمعرفة مدى تقاطع أو تباين مواقفها مع هذا الرد.

الخلاصة 

بيان حماس يعكس تغيرًا في أدوات الحركة السياسية، من المواجهة المفتوحة إلى المناورة الذكية، ومن الخطاب الأيديولوجي إلى الواقعية السياسية، دون أن تفقد توازنها في الحفاظ على الثوابت.
في المحصلة، يبدو أن الحركة ترسل رسالة مفادها، نحن منفتحون على الحلول، لكن ليس على حساب حقوق شعبنا أو بالانفراد في اتخاذ القرار.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com