الأمة بين مطرقة التطبيع وسندان الهيمنة الصهيونية .. فصول جديدة من مشروع الاستباحة يكشفها السيد القائد
جاء خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي كاشفاً ومُحذراً، واضعاً الأصبع على مواضع الجرح المفتوح،في لحظة فارقة تمر بها الأمة، حيث تتزايد التحديات والمخاطر وتتشابك المصالح الإقليمية والدولية، لا من باب توصيف الألم فحسب، بل من أجل التنبيه إلى حجم المؤامرة التي تُحاك على شعوب المنطقة، وخاصة تجاه القضية المركزية، فلسطين.
يمانيون / خاص
استعرض السيد القائد أبعاد المسار الخطير، الذي تسلكه قوى الهيمنة بقيادة العدو الإسرائيلي، وبتواطؤ مباشر من بعض الأنظمة العربية، لا سيما في الخليج، وقد ركّز في كلمته على محاور استراتيجية تكشف حجم المخطط الجاري لتغيير وجه المنطقة بالكامل، اقتصادياً وسياسياً، بل وحتى قيمياً وثقافياً.
وسلّط السيد القائد الضوء على البُعد الاقتصادي في مشروع العدو الصهيوني، الذي لم يعد يكتفي بالاحتلال العسكري، بل اتجه نحو إخضاع الأمة من خلال ربط اقتصادها بمنظومته، وحديثه عن تحويل ميناء حيفا إلى الميناء المحوري في المنطقة، وبناء قناة بن غوريون كبديل عن قناة السويس، يؤكد أن إسرائيل تسعى لأن تكون المركز، بينما تُهمّش الموانئ العربية وتتآكل سيادتها الاقتصادية،
الأدهى من ذلك، أن مشروع التطبيع لم يقتصر على تبادل العلاقات الدبلوماسية، بل تجاوزه إلى مراحل أكثر خطورة من التبعية المباشرة، في الاتصالات، الإنترنت، والخدمات الاستخباراتية التي تُدار من قبل شركات صهيونية تُزوّد بعض دول الخليج ببرامج تجسس، وتتجسس عليها في الوقت نفسه.
لم يغفل السيد القائد في خطابه حتى عن المياه، باعتبارها أحد أهم عناصر الصراع، حيث أشار إلى التحكم الخانق الذي يمارسه العدو على الشعب الفلسطيني، في واحدة من أقسى صور العقاب الجماعي، لكن المخطط لا يتوقف عند فلسطين، بل يمتد إلى سوريا والأردن، ويطمع لاحقاً في نهر الفرات والنيل، في محاولة لاستخدام المياه كوسيلة إذلال واستعباد للأمم، إنها ذات السياسة الصهيونية التي استخدمت الغذاء والدواء والحصار كسلاح، واليوم تُضيف المياه والاقتصاد إلى أدوات القهر والإخضاع.
ومن البعد المادي إلى البُعد القيمي، تحدّث السيد القائد عن الحرب الناعمة التي تُشن على شعوب الأمة، عبر نشر الفساد الأخلاقي، وتدمير المنظومة القيمية، خصوصاً لدى الشباب. وانتقد بشكل مباشر الحالة التي وصلت إليها بعض الدول، وعلى رأسها بلاد الحرمين الشريفين، التي فتحت أبوابها للتمييع الكامل، حيث تقام الحفلات الصاخبة، وتتزامن تلك المشاهد المخزية، مع ذروة الإجرام الصهيوني في غزة، والعدوان على المسجد الأقصى، وكأن المطلوب هو تغييب وعي الشعوب تماماً، وتحويلها إلى كتل بشرية تافهة لا يعنيها ما يجري في القدس أو غزة أو أي من قضايا الأمة المصيرية.
وكان لعملية طوفان الأقصى مكانة مركزية في خطاب السيد القائد، حيث اعتبرها مفصلاً مهماً أعاد إحياء الوعي، ووجه ضربة كبرى للعدو الإسرائيلي في لحظة كان فيها يستعد لعدوان شامل على غزة، فقد جسدت العملية، بحسب توصيفه، مثالاً فريداً في التنسيق، والتخطيط، والإقدام، وحققت نتائج مذهلة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع مع الاحتلال، إلا أن المؤسف، هو أن بعض الأنظمة العربية لم تستثمر هذا الحدث العظيم، بل تعاملت معه كتهديد لمصالحها، وتحولت إلى أدوات تحريض بيد الأمريكي والإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
واستمر السيد القائد في كشف المسارات الأخطر التي تسير بها بعض الدول العربية، ومنها ما وصفه بالتجنيس الممنهج لليهود الصهاينة في بعض بلدان الخليج، ومنحهم كامل الحقوق، بل وفوق حقوق المواطنين الأصليين، ليست المسألة مجرد أوراق ثبوتية، بل هي تمكين اقتصادي، سياسي، اجتماعي، يهدف إلى اختراق الدول من الداخل، كما حدث في فلسطين قبل قرن من الزمن، أخطر ما في الأمر هو شراء الأراضي والعقارات، حتى في مكة والمدينة، ما يشير إلى خط سير واضح نحو اختراق رموز الأمة ومقدساتها، ضمن مخطط صهيوني شامل لا يستثني شيئاً.
كما تطرق السيد القائد إلى تفكيك الجبهة الداخلية للأمة، عبر إذكاء النعرات الطائفية والمناطقية والسياسية، حيث تتحمس الشعوب لقضايا الانقسام، وتتفانى في الصراعات الداخلية، بينما يُقابل الحديث عن مواجهة العدو الإسرائيلي بالتثبيط، والتشويه، والتكذيب، إنها مفارقة مريرة تعكس حجم النجاح الذي حققه العدو في تشتيت وعي الأمة، حتى باتت بعض الشعوب تعيش في حالة من السخط الداخلي على بعضها البعض، أكثر من غضبها تجاه الاحتلال والعدوان والتطبيع.
ولم يغفل السيد القائد جانب الإعلام، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، التي تُستخدم اليوم كأدوات لصناعة الهموم المصطنعة، والأزمات التافهة، التي تُضخّم وتُصنع منها معارك وهمية، تُغرق الشعوب في صراعات جانبية وتبعدها عن أولوياتها الحقيقية.
ثم عاد السيد القائد ليؤكد أن كل هذه المخاطر لا تزال في إطار مشروع صهيوني أمريكي واضح، يعمل على تفكيك الأمة من الداخل، وإضعاف إرادتها، وإزاحة كل من يقف في طريقه، غير أن الأمل، كما قال، ما زال موجوداً في وعي الشعوب، وفي صمود محور المقاومة، وفي الذاكرة التي لم تُمحَ بعد من وجدان الأمة.
كلمة السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، رسم فيها خارطة المواجهة، وشرح أساليب العدو، وأعاد ترتيب الأولويات، داعياً الأمة إلى الاستفاقة قبل فوات الأوان.