لبنان بين الاستقلال المستباح ومعادلة الردع الغائبة.. الضاحية الجنوبية تحت نيران العدو مجدداً
يمانيون | تقرير
عشية عيد الاستقلال، يجد لبنان نفسه أمام واحدة من أخطر موجات التصعيد الصهيوني منذ اتفاق وقف إطلاق النار قبل عام، حيث أعاد العدو استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت في خامس خرق نوعي يشتمل على رسائل سياسية وعسكرية تتجاوز حدود العمل الميداني.وبينما تتكدّس خروق العدو التي تجاوزت عشرة آلاف وفق تقارير اليونيفيل، وتتواصل حصيلة الشهداء والجرحى، يبرز العجز الرسمي في مقابل صعود منسوب الجرأة الصهيونية المدعومة أمريكياً، ما يعيد فتح النقاش حول معادلة حماية لبنان وحدودها الفعلية.
الاستهداف الجديد وتوقيته السياسي
جاء القصف الصهيوني لقلب الضاحية الجنوبية ليطرح أسئلة مباشرة حول دوافعه وتوقيته، إذ وقع قبل ساعات من عيد الاستقلال وفي مرحلة بالغة الحساسية مع اقتراب مرور عام على الاتفاق الذي كان يفترض أن يشكل مظلة لخفض التوتر.
إلا أن الوقائع تظهر العكس تماماً، فخلال العام الماضي تجاوزت خروق العدو عشرة آلاف خرق موثق، فيما ارتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 330 والجرحى إلى أكثر من 900 وفق وزارة الصحة اللبنانية.
هذا التزامن بين الاستهداف والرمزية الوطنية يعكس رغبة العدو في تكريس مشهد ضعف رسمي، واستثمار حالة التخبط الحكومي في البلد لإيصال رسالة مفادها أن السيادة اللبنانية شكلية وأن التوقيت السياسي في يد الطرف المهاجم.
العجز الحكومي والرهان على الإدانة
وعلى الرغم من خطورة الاستهداف، اكتفى الموقف الرسمي اللبناني ببيان إدانة صادر عن رئاسة الجمهورية، وهو موقف يتكرر منذ عام دون أن يغيّر شيئاً في معادلة الردع.
هذا النهج يعكس انحرافاً واضحاً عن استحقاقات اتفاق وقف إطلاق النار، حيث انشغلت الحكومة بملفات داخلية أبرزها التركيز على نزع سلاح المقاومة بدلاً من إلزام العدو ببنود الاتفاق.
هذا التحول اعتبره مراقبون خطيئة سياسية كبرى، إذ سمح للعدو بتجاوز الاتفاق عملياً، وفتح الباب أمام اعتداءات مركّزة كان آخرها استهداف الضاحية.
ومع هذا، تكشف هيئة البث الصهيونية أن الهجوم الأخير نُفّذ بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، ما يضع الموقف اللبناني أمام معادلة أكثر تعقيداً من مجرد خرق حدودي أو طائرة تجسس.
أوهام السيادة وخطيئة استهداف المقاومة
وفي مقابل الاستباحة المتصاعدة، تستمر الطبقة السياسية اللبنانية في تسويق خطاب “حصرية السلاح”، وهو الخطاب الذي تفكك تماماً مع تصريحات المبعوث الأمريكي توم براك الذي أكد في وقت سابق أن تسريح الجيش اللبناني كان خطأً لا يقل خطورة عن استهداف سلاح المقاومة.
هذا التصريح يكشف أن واشنطن نفسها تدرك أن توازن الردع في لبنان لا يقوم على مؤسسات الدولة وحدها.
الرهان الحكومي على مقاربة أحادية تجاه المقاومة أضعف موقع لبنان التفاوضي، وظهر أثره في انتقال العدو من خروق جوية وبرية إلى ضربات موجهة نحو العمق، من مزارع شبعا إلى نقاط حدودية خمس وحتى الضاحية.
معادلة الردع… الخيار الوحيد الباقي
وما يعزز الإلحاح على العودة إلى معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” هو أن العام الماضي شكّل اختباراً عملياً لبدائلها، فجميعها أثبت فشلها.
العجز الرسمي عن حماية الحدود، الصمت الدولي تجاه الاعتداءات، وتراجع الردع التقليدي، كلّها عوامل سمحت للعدو بتوسيع هامش عملياته، فيما بقيت المقاومة العامل الوحيد الذي منع اجتياحاً لا يخفي العدو رغبته به.
إن تجاهل هذه المعادلة لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من الاستباحة، وإلى إظهار لبنان كبلد متروك بلا قدرة فعليّة على فرض قواعد اشتباك أو حماية سيادته الميدانية.
ختاماً
الاستهداف الأخير للضاحية الجنوبية ليس حادثاً منفصلاً، بل نتيجة منطقية لمسار سياسي خلق فراغاً في الردع وشرّع الباب أمام تصعيد صهيوني ممنهج.
وإذا كان العام الماضي قد كشف هشاشة الرهان على المواقف الرسمية والضغوط الدولية، فإن المرحلة المقبلة تؤكد ضرورة العودة إلى المعادلة الذهبية التي شكّلت الركيزة الأساسية في حماية لبنان منذ عقود.
فبين استقلال يحتفل به الخطاب الرسمي واستباحة يفرضها العدو على الأرض، يظهر الفارق بين السيادة الكلامية والسيادة الواقعية، وبين دولة تتحدث عن الحصرية ودولة تُحاصر في عاصمتها.