واشنطن بين الإنكار والتورّط.. تضارب الروايات يكشف حقيقة الشراكة في اغتيال القائد الطبطبائي
يمانيون | تقرير
أثار اغتيال القائد الشهيد هيثم علي الطبطبائي موجة واسعة من الجدل حول مستوى التنسيق بين الولايات المتحدة والعدو الصهيوني في تنفيذ العملية، بعد أن ظهرت روايات متناقضة جذرياً من الجانبين بشأن علم واشنطن المسبق بالضربة.وبينما ينفي المسؤولون الأمريكيون أي دور أو معرفة قبل التنفيذ، يؤكد الإعلام الصهيوني وجود إخطار سابق، في مشهد يعكس محاولة واضحة لإعادة صياغة الأدوار وإدارة الكلفة السياسية.
غير أن تضارب الأقوال لا يبدل من حقيقة ثابتة: الشراكة العسكرية والأمنية بين واشنطن والكيان الصهيوني هي أساس كل العدوان الممتد في المنطقة.
تضارب الروايات يكشف حجم الإشكال
الجانب الصهيوني قدّم رواية تقول إن الإخطار الأمريكي تم قبل التنفيذ، بينما الروايات الأمريكية نفت ذلك جملة وتفصيلاً، في مشهد يعكس رغبة واشنطن في الظهور بمظهر “الوسيط المحايد” رغم الحقائق المناقضة تماماً لهذا الادعاء.
هيئة البث الصهيونية أعلنت أن واشنطن أُبلغت مسبقاً. لكن القناة الصهيونية 12 نقلت عن مسؤول أمريكي نفيه علم الولايات المتحدة بالعملية.
هذا التناقض كان الإشارة الأولى إلى أن الروايتين تخدمان أغراضاً سياسية متضادة أكثر مما تعبّران عن وقائع حقيقية.
الموقف الأمريكي ومحاولة التنصل من المسؤولية
من الجانب الأمريكي، سارعت عدة جهات إلى نفي أي معرفة مسبقة.
موقع «أكسيس» الأمريكي نقل عن مسؤول كبير قوله إن الولايات المتحدة لم تُخطر قبل تنفيذ الضربة، وإن الإبلاغ جاء بعد وقوعها فقط.
مسؤول آخر أضاف أن البيت الأبيض كان على علم بـ“نية التصعيد” لكنه لم يعرف توقيت الضربة ولا هدفها ولا موقعها.
أما «واشنطن بوست» فنقلت عن شخصية مطلعة أن العملية بُنيت على “معلومات آنية” لم تُشارك مع الجانب الأمريكي قبل التنفيذ.
هذه الروايات المتتالية تعكس محاولة واضحة من واشنطن لإبعاد نفسها عن المشهد، خشية أن تتحمل تبعات سياسية أو قانونية أو أن تُتهم بدور مباشر في اغتيال شخصية بارزة بحجم الطبطباء.
الخطاب الصهيوني ومحاولة إثبات الاستقلالية
الكيان الصهيوني من جهته سعى لإظهار العملية كقرار “مستقل”، إذ صرّحت المتحدثة باسم حكومة العدو بأن “إسرائيل تتخذ قراراتها بشكل مستقل”.
الهدف من هذا الخطاب ليس إبعاد واشنطن، بل حماية العلاقة الاستراتيجية من الإحراج، وإظهار الكيان بمظهر القادر على اتخاذ قرار عدواني كبير دون الاعتماد على طرف آخر.
لكن هذا الخطاب يتناقض مع طبيعة العلاقة البنيوية التي تربط الطرفين، والتي تجعل أي عملية بهذا الحجم تمرّ – على الأقل – عبر قنوات التشاور الأمني والاستخباراتي، حتى إن لم يعلن عنها.
الحقائق الميدانية وشراكة تمتد لعقود
ورغم التناقض الظاهر بين الروايتين، يتفق مراقبون على أن جوهر الشراكة بين واشنطن والعدو الصهيوني ثابت منذ عقود.
خلال العامين الماضيين وحدهما، ظهر ذلك من خلال:
- الدعم الأمريكي اللامحدود للعدوان الصهيوني على غزة بالسلاح والذخيرة.
- تمويل الجسرين الجوي والبحري.
- المشاركة الاستخباراتية في لبنان.
- الدور المباشر في الحملة العدوانية ضد اليمن التي امتدت لأشهر.
- عمليات مشتركة في العراق وسوريا.
- دعم ضربات العدو ضد أهداف داخل إيران.
- المشاركة الفعلية في العدوان على الجمهورية الإسلامية خلال جولة الـ12 يوماً.
- تبني واشنطن خطة تفكيك غزة وتغيير معالمها الجغرافية والديموغرافية.
هذه الوقائع تجعل من فكرة “عدم علم واشنطن” أو “عدم مشاركتها” مجرد محاولة سياسية لإدارة التكلفة والظهور بدور أقل تورطاً أمام الرأي العام.
خلاصة تحليلية – صراع روايات لا يمسّ الحقيقة الأساسية
التباين بين الروايتين الأمريكية والصهيونية يقتصر على الشكل والتوقيت، لا على مضمون العلاقة.
الطرفان يقدمان روايتين مختلفتين لأسباب سياسية بحتة:
- الكيان يريد أن يُظهر نفسه قوياً وصاحب قرار.
- واشنطن تريد أن تنأى بنفسها إعلامياً وسياسياً عن عملية ذات حساسية عالية.
غير أن الواقع يؤكد أن الشراكة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بينهما تُعد جزءاً من بنية العدوان الصهيوني في كل جبهة، وأن أي محاولة لإنكار ذلك لا تغير شيئاً في الحقائق الميدانية.
ختاماً
رغم تعدد الروايات وتناقضها العلني، تبقى حقيقة واحدة ثابتة: التنسيق الأمريكي–الصهيوني ليس محل خلاف، بل هو قاعدة استراتيجية راسخة.
أما الاختلافات الظاهرة فهي مجرد تفاصيل شكلية لا تلغي الشراكة الكاملة في الجريمة التي استهدفت القائد الشهيد هيثم علي الطبطبائي، كما لا تلغي تورط الطرفين في كل مسارات العدوان الممتدة في المنطقة.