اليمنيون يجددون العهد بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى النصر
يمانيون../
في لحظة تاريخية تتلاقى فيها قوى الحق والظلم على أرض فلسطين، تجسدت المسيرات المليونية الحاشدة التي خرجت في 23 مايو 2025 في صنعاء ومختلف محافظات اليمن، كصدى لإيمان عميق وتلاحم متين بين الشعب اليمني وقضيته المركزية التي لا تتبدل ولا تتغير مهما تعاقبت الظروف. هذه المسيرات لم تكن مجرد تحركات شعبية عابرة، بل كانت تعبيراً شاملاً عن موقف راسخ مبني على ثوابت دينية ووطنية وإنسانية، يؤكد رفض اليمنيين القاطع لجريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها آلة الاحتلال الصهيوني بحق أهل غزة، ويعكس إصرارهم على مواصلة النضال حتى تحقيق النصر الكامل.
هذه الوقفة الشعبية تأتي في ظل تصعيد غير مسبوق للعدوان الأمريكي-الصهيوني، وهو ما يجعلها أكثر من مجرد مظاهرة؛ فهي إعلان موقف استراتيجي وسياسي يحاكي حجم التحديات التي تواجه الأمة، ويمثل تعبيراً عن حالة تعبئة عامة شاملة لكل طاقات الشعب اليمني، في ظل استمرار العدوان والحصار الذي فرض على اليمن لعقد من الزمن، والذي رغم ما أحدثه من أضرار اقتصادية وإنسانية لم يضعف عزيمة اليمنيين على نصرة الأشقاء في فلسطين.
إن هذه المسيرات المليونية هي ترجمة حقيقية لعمق الهوية اليمنية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، والتي تندرج ضمن أطر تاريخية تمتد لأكثر من قرن، حيث كان اليمنيون عبر مراحل متعددة من تاريخهم شركاء في النضال ضد الاستعمار والاحتلال، وكانوا جزءاً من حركات التحرر التي ضمت القضية الفلسطينية كجوهر من جوهراتها. هذا الرابط ليس موقفاً مؤقتاً أو رد فعل عابر، بل هو ناتج عن رؤية استراتيجية تؤمن بأن فلسطين هي مركز الصراع مع المشروع الصهيوني والهيمنة الغربية في المنطقة.
لا يمكن فهم هذا الحشد الشعبي إلا في إطار ثقافي واجتماعي عميق، إذ إن الشعب اليمني يتبنى نموذجاً فريداً في التفاعل مع قضايا الأمة، فهو شعب يحمل في أعماقه موروثاً إيمانياً صلباً، يضع نصر المظلومين على رأس أولوياته، مهما كانت الضغوط. هذه القيم الدينية والإنسانية تجعل من نصرة الفلسطينيين واجباً لا يحتمل التأجيل أو المساومة، وتؤكد أن هذا الموقف ينبع من قاعدة شعبية عريضة متجذرة في مختلف فئات المجتمع.
على المستوى السياسي والاستراتيجي، تمثل هذه المسيرات تعبيراً عن تآزر غير مسبوق بين الشعب والقوات المسلحة اليمنية، التي تواصل تنفيذ عمليات نوعية ضد الأهداف الحيوية للكيان الصهيوني، مما يوضح أن الدعم الشعبي ليس مجرّد شعارات، بل جزء من استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة العدوان، تشمل التعبئة الشعبية، الدعم السياسي، والعمليات العسكرية. هذا التكامل يعزز من فرص المقاومة في المنطقة ويخلق حالة من التوازن والتحدي في وجه المشروع الصهيوني، ويدفع باتجاه إعادة ترتيب الحسابات على الصعيدين الإقليمي والدولي.
علاوة على ذلك، فإن الوقوف اليمني الصلب مع فلسطين يعكس رفضاً واضحاً لكل أشكال التواطؤ والخيانة التي تبديها بعض الأنظمة العربية والدولية تجاه القضية الفلسطينية، وهو بذلك يضع اليمن في مصاف الدول التي لا تزال تتمسك بالمبادئ والمواقف القومية الأصيلة، ويكرّس دورها كحاضنة حقيقية للمقاومة وأساس صلب للدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة.
من الناحية الاجتماعية، أظهرت هذه المسيرات تلاحماً شعبياً لم يشهد له مثيلاً، حيث تدفقت الحشود من مختلف الأعمار والطبقات، رافعة أعلام اليمن وفلسطين، لتبعث برسائل واضحة إلى العالم أن الشعب اليمني، رغم أعباء العدوان والحصار، لا يزال يقف شامخاً متيقظاً، ويعتبر القضية الفلسطينية أمانة دينية ووطنية، يتوجب الحفاظ عليها والدفاع عنها بكل قوة.
ختاماً، إن هذه المسيرات لم تكن مجرد تعبير عن دعم معنوي أو تضامن رمزي، بل هي حركة شعبية عميقة الجذور تحمل دلالات استراتيجية وأخلاقية كبيرة. فهي تجسد حالة الاستنفار الوطني الذي يستشعر الشعب اليمني فيه مسؤوليته التاريخية تجاه فلسطين، وترسخ التزامه بالوفاء للعهد مع الشعب الفلسطيني حتى تحقيق النصر الكامل، مهما كانت التحديات. هذا الموقف يضع اليمن في قلب محور المقاومة، ويعزز من موقعها كقوة إقليمية صلبة لا يمكن تجاوزها في معركة الحرية والكرامة.