جنوب وشرق الوطن تحت الهيمنة السعودية الإماراتية .. واقع مرير وأزمات متفاقمة
تُعد المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن اليوم نموذجًا صارخًا لنتائج الهيمنة الأجنبية والتدخل الخارجي في الشؤون الوطنية، حيث تتعرض هذه المناطق، منذ أعوام، لسيطرة مباشرة وغير مباشرة من قبل التحالف السعودي الإماراتي، الذي حولها إلى ساحة نفوذ وصراع جيوسياسي، بعيدًا عن مصلحة أبناءها أو استقرار الوطن.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
يكشف هذا التقرير، استنادًا إلى مشاهد ميدانية وشهادات وتحليلات، حجم المأساة المتعددة الأوجه التي تعيشها هذه المحافظات من وطننا الغالي ، من انهيار اقتصادي واسع النطاق، إلى انفلات أمني مرعب، وفساد إداري، وصراع متصاعد بين الفصائل الممولة من الخارج.
في وقت يُفترض فيه أن تكون هذه المناطق محررة وتخضع لإدارة وطنية تعمل على إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار، فإن الواقع يُظهر عكس ذلك تمامًا؛ إذ تعاني هذه المحافظات من أزمات متلاحقة، تشمل انقطاع الخدمات الأساسية، وانهيار العملة المحلية، وانتشار البطالة، وتوسع رقعة الفقر، بالتزامن مع فوضى أمنية وجرائم اغتيال واختطاف وسطوة مليشيات لا تخضع لسلطة الدولة، بل لتنفيذ أجندات خارجية.
لا تتوقف أهمية التقرير عند توصيف الأزمة، بل يسلط الضوء على الأبعاد الخطيرة لهذا الواقع المفروض، سواء من حيث تهديد السيادة الوطنية، أو استهداف النسيج الاجتماعي، أو الدفع باتجاه تكريس مشاريع التقسيم والتشطير التي تخدم مطامع إقليمية واضحة في الجزر والموانئ اليمنية والمصادر السيادية للنفط والغاز.
أزمة شاملة تضرب أساس الحياة
المواطن في المحافظات المحتلة بات يواجه حياة يومية أقرب إلى الجحيم، في ظل غياب الدولة واستيلاء مليشيات التحالف على مؤسساتها، عدن التي كانت يوماً رمزا للتقدم، تعيش اليوم في ظلام دامس، مع انقطاع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة يوميًا، وتدهور الخدمات، وانعدام الأمن الغذائي، وارتفاع كبير في الأسعار وسط انهيار شبه كلي للبنية التحتية ، في وقت تعجز فيه حكومة الفنادق عن التدخل أو إيجاد حلول، تستمر العملة المحلية في التراجع الحاد، حيث قارب الدولار الأمريكي حاجز 2880 ريال، والريال السعودي 140 ريالاً، وهو ما انعكس بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين، وزاد من معدلات الفقر والجوع، والتحالف السعودي الإماراتي مستمر في تعمد إغراق السوق بالأزمات وتوجيه الموارد نحو حسابات خارجية.
أمن مفقود وفوضى مسلحة
تشهد المحافظات الجنوبية والشرقية فوضى أمنية خطيرة، جرائم اغتيال وسرقة واشتباكات داخلية بشكل شبه يومي، في ظل صراعات بين أدوات التحالف المختلفة، أصبحت المدن، خصوصًا عدن، ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين المليشيات المدعومة إماراتيًا وسعوديًا، وسط غياب تام للشرطة النظامية أو القضاء المستقل.
ورغم التضييق والممارسات القمعية، تشهد المدن المحتلة حراكًا شعبيًا متصاعدًا، آخر هذه التحركات كانت التظاهرات النسائية في عدن، والتي واجهتها مليشيات المجلس الانتقالي التابعة للإمارات بحملات اعتقال واستدعاءات، في مؤشر واضح على رفض التحالف لأي صوت معارض لهيمنته، ومع ذلك، يؤكد حجم الغضب الشعبي أن الأوضاع لم تعد قابلة للتحمّل.
أطماع استعمارية لا تخفى
التحركات السعودية في المهرة، وتوسّع الإمارات في سقطرى، تؤكد أن السيطرة على الجغرافيا اليمنية، ومواقعها السيادية وموانئها الحيوية، ليست أهدافًا عارضة، بل جوهر المشروع الذي جاء به التحالف، والتقارير تكشف عن بناء قواعد عسكرية، ومراكز سيطرة، وسط صمت حكومة الفنادق .
مستقبل الجنوب والشرق تحت وطأة الاحتلال
يتّجه مستقبل المحافظات الجنوبية والشرقية نحو المجهول، في ظل استمرار الهيمنة الخارجية، ومحاولات إعادة صياغة المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري بما يخدم مصالح السعودية والإمارات.
تشير المعطيات إلى أن تحالف الشر مستمر في مساعيه لتقسيم اليمن عبر دعم كيانات انفصالية جديدة ومليشيات محلية تابعة له، لتتحول هذه المناطق إلى دويلات صغيرة فاقدة للسيادة، خاضعة للوصاية، تعيش على هامش الاقتصاد الإقليمي.
اقتصاديًا، فإن استمرار نهب الموارد الطبيعية، والتحكم بالموانئ والحقول، يؤكد أن أي مشروع تنموي مستقل أصبح بعيد المنال، أما سياسيًا، فتتحرك الإمارات والسعودية على مسارات متوازية لتفكيك الدولة اليمنية، من خلال صناعة نخبة سياسية جديدة تابعة، وتحجيم أي مكون وطني رافض للوصاية ، مع ذلك، تبقى يقظة الشعب وتكاتف أبنائه في الجنوب والشرق أملًا لإنقاذ ما تبقى من الوطن، وتشكيل مشروع تحرري يعيد الاعتبار للكرامة الوطنية، ويواجه مخاطر التقسيم، ويضع حدًا للأطماع الخارجية.
مقارنة واقعية مع تجربة أنصار الله في الشمال
في ظل الانهيار الذي تعيشه المحافظات الجنوبية والشرقية تحت سيطرة التحالف السعودي الإماراتي، ومع تصاعد الغضب الشعبي من الفوضى والاحتلال الاقتصادي والعسكري، يبرز تساؤل محوري وجريء: ماذا لو التحق أبناء الجنوب والشرق بمشروع “المسيرة القرآنية” الذي تتبناه أنصار الله في شمال الوطن؟
لا يأتي هذا التساؤل من فراغ، بل ينطلق من مقارنة واقعية بين تجربتين: الأولى في الشمال الذي انتزع قراره السيادي، وأعاد بناء مؤسسات الدولة تحت قيادة أنصار الله، رغم العدوان والحصار؛ والثانية في الجنوب والشرق حيث تهيمن أدوات الاحتلال وتُدار المحافظات من قِبل قوى خارجية عبر عملاء محليين.
القرار السيادي مقابل التبعية المهينة
في الشمال، استطاع أنصار الله فرض معادلة سياسية وعسكرية قائمة على الاستقلال في القرار ورفض الوصاية، وتمكنوا من بناء نموذج سياسي وأمني رغم التحديات، ونجحوا في طرد الاحتلال من مناطقهم، وإعادة ضبط الأمن ومكافحة الفساد بدرجة ملحوظة، أما في الجنوب، فالحال مختلف تمامًا؛ حيث تدار المحافظات من غرف عمليات سعودية وإماراتية، وتُفرض السياسات والقرارات على المواطنين من دون تمثيل حقيقي.
المؤسسات مقابل الفوضى
بينما تشهد صنعاء وبقية المحافظات الشمالية استقرارًا ملحوظاً في الخدمات والمؤسسات، وتنظيمًا في عمل الأجهزة الأمنية والرقابية، يعاني الجنوب من شلل مؤسسي تام، حيث المؤسسات إما منهارة أو تحت قبضة مليشيات متعددة الولاء، تتنازع النفوذ وتقتات على الفوضى.
السيطرة على الموارد مقابل النهب المكشوف
أنصار الله فرضوا معادلة إدارة وطنية للموارد في الشمال، وواجهوا محاولات الخارج لنهب الثروات اليمنية، في حين تحوّل الجنوب والشرق إلى مناطق مفتوحة للاستنزاف من قبل التحالف، الذي ينهب النفط والغاز، ويستحوذ على الموانئ والجزر، بينما يعاني المواطنين من الفقر والجوع.
الوحدة في المشروع مقابل التمزيق السياسي
مشروع “المسيرة القرآنية” يتبنى خطابًا وحدويًا ووطنيًا يسعى لاستعادة السيادة على كامل التراب اليمني، بينما يعمل التحالف على تفتيت الجنوب وتمزيقه بين مشاريع انفصالية، وولاءات مناطقية، وقوى متصارعة، لا تملك قرارها ولا تعبّر عن تطلعات الناس.
احتمالات التحول .. من التبعية إلى التحرر
التحاق الجنوب والشرق بمشروع وطني جامع كالمسيرة القرآنية قد يُشكّل فرصة تاريخية لإنهاء الاحتلال، واستعادة القرار، وبناء نموذج مستقل قائم على العدالة والسيادة والتكافؤ، فتجربة أنصار الله في الشمال تُثبت أن المقاومة والاعتماد على الله وعلى الذات، وتوحيد الجبهة الداخلية، قادرة على تحقيق الإنجازات، ومواجهة العدوان الخارجي مهما كان حجمه ، لكن نجاح هذا التحول مرهونٌ بوعي أبناء الجنوب والشرق، وبقدرتهم على تجاوز الانقسامات التي زرعها الاحتلال، والانفتاح على مشروع وطني يعيد صياغة اليمن على قاعدة الكرامة والسيادة والاستقلال.
خاتمة
بين واقع أليم ومستقبل مهدّد، تبرز ضرورة توحيد الصف الوطني، وبلورة موقف شعبي جامع ينهي الاحتلال ويقضي على مشاريع الاستعمار، ويستعيد القرار السيادي، ويقطع الطريق أمام مشاريع التجزئة والانقسام.
إن ما يحدث في الجنوب والشرق ليس شأنًا محليًا فحسب، بل هو اختبار كبير لمستقبل اليمن كوطنٍ موحد ومستقل ، خاصة بعد انكشاف حجم الأطماع التي تحرك التحالف، وما تفرزه من كوارث يومية تطال كل بيت، وكل مواطن.