Herelllllan
herelllllan2

الزامل الشعبي في اليمن.. من موروث إلى سلاح توعوي ومعنوي عابر للقارات

يمانيون |تقرير| محسن علي الجمال

يزخر اليمن بموروث ثقافي شعبي هام يعود تاريخ بعضه إلى ما قبل الإسلام, ويعد “الزامل اليمني” من أرقى الفنون التي استطاع أن يوحد قبائل اليمن حوله لقرون من الزمن,ما جعله حاضرا في طقوس الحياة اليومية ويردد في السلم أو الحرب, ومنذ العام 2004م أعيد بقوة إلى الساحة اليمنية من جديد, وأضيفت له بصمة خالصة تمثلت بخروجه عن رسالته المحلية ,وصار سلاح معنوي وتوعوي فعال يواجه أمريكا وادواتها في المنطقة منذ انطلاقة المشروع القرآني شمال محافظة صعدة بقيادة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه وحتى اليوم متجاوزا الساحات العربية والدولية والإقليمية حتى العالمية.

 

تعريف الزامل

الزامل اليمني هو فن شعبي ومورث أصيل تتناقله الأجيال جيل بعد جيل ، يتبلور بقصيدة شعرية قصيرة وموزونة، ويتم تريده فردي وجماعي في مختلف المناسبات والقضايا التي تخص طبيعة المجتمع اليمني في السلم والحرب,

ويتنوع ما بين حماسي وعاطفي, وبحسب طبيعة المواقف  والظروف التي تتطلب من أحد الشعراء وصفها واختزالها, باللغة العربية الفصيحة’ كما يعبر عن الهوية اليمنية والاعتزاز بها وجزاء من التراث الثقافي, كما أن له بحوره الخاصة منها البحر الطويل والبحر الخفيف أو السريع، ويتفاوت الزامل بين اثنين وثمانية أبيات.

 

الجذور التاريخية

تروي هذه السردية  التي تشير إلى الغزو الروماني بقيادة اكتافيوس ، في مطلع القرن الثالث الميلادي، وإلى هذه الفترة تنتسب نشأة الزوامل، وتعيدها السردية التحبيكية إلى الجن ، قبل أن تتحول إلى فن حماسي شعبي يمني تناقلته الأجيال حتى وصل إلينا بصيغهُ المتعددة بحسب ما ذكرها الباحث عبدالله بن عامر في كتابه “اليمن مقبرة الغزاة” الجزء الأول”

أن بعض القبائل فرَّت في سنة “دق يانـوس” إلى الجبال خوفاً من هجوم الغزاة الرومان، وفي هدأة الليل سمعت أصواتاً مرتفعة كثيرة العدد ، أصوات فاتنة في إيقاعاتها لم تسمع مثلها حماساً وقوة ، وكانت تُردِد باللغة الشعبية زاملاً يهز النفوس ويدفع الدم في العروق ويبدد ظلام الليل الدامس ، وقد أصغى إليه المختبئون في الجبال وحفظوه ، وكلماته أصبحت أيقونة عبر الأجيال حتى وقتنا الحاضر ، ومن أقوى الزوامل في تاريخ اليمن ، ومن أبياته الشهيرة:

قبح الله وجهك يا الذليل

عـاد بعد الحرايب عافية

عند شبَّ الحرايب ما نميل

با تِجيك العلــوم الشافية

وكانت أصوات الزمّالين تقترب فتثير الفزع، وتبتعد فترجعها الرياح.. وكانت القبائل المختبئة تخرج من مخابئها فلا ترى أحداً، وإنما تسمع ضجيجاً وتشاهد أمواج الغبار، فعزى المختبئون ذلك إلى اشتعال حرب بين الجن، لكن ذلك الزامل المتدفق بالحماس هيجهم ، فتبدد الخوف من نفوسهم واندفعوا لمقارعة العدو.

 

زامل الأوس والخزرج

وما يعبر عن عمق هذا الموروث الثقافي في القبائل اليمنية ’ فقد سجل أجداد اليمنيين الأوائل (الأوس والخزرج) بالمدينة المنورة في صدر الإسلام أول زامل إسلامي عبر عن مدى حفاوتهم واستقبالهم لرسول الله صلوات الله عليه وآله بعد أن أذن الله له بالهجرة إلى المدينة المنورة , حيث تم استقباله بهذه الأبيات الشعرية التي امتزجت بأصوات قرع الطبول وإيقاع الدفوف :

طلع البدر علينا .. من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا .. ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا ..جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة.. مرحبا يا خير داع.

والذي يعد أشهر زامل في التاريخ الاسلامي تناقلته الأجيال قرون من الزمن, ولا تزال تردده جيلا بعد جيل حتى اليوم.

 

الزامل في الدولة القاسمية ..شجاعة وفخر

ورغم تعرض اليمن للعديد من حملات الغزو الصليبية والتتر والعثمانيين وسيطرتهم على الجغرافيا اليمنية, كان الزامل اليمني بأنواعه حاضرا في الساحة كجزء من هوية الشعب اليمني المتجذرة على مر التاريخ , وساهم أئمة أهل البيت في إحياء هذا التراث وبرز دوره إبان فترة حكم أئمة الدولة القاسمية لليمن من 1597 إلى 1962م, حيث كانت تعتبر الزوامل الحماسية تعبيرا عن الشجاعة والفخر, والدينية منها تعبر عن الإيمان والتقوى والولاء لأهل البيت عليهم السلام, والموشحات كانت تعبر عن الحب الإلهي والشوق إلى الله تبارك وتعالى.

 

تأثيره الاجتماعي والسياسي

شهد الزامل اليمني تطورًا كبيرًا في العصر الحديث للشعر اليمني، حيث برز العديد من الشعراء اليمنيين الذين أبدعوا في هذا الفن, واستمر في التطور حيث ظهرت أشكال جديدة منه, حيث ساهمت وبشكل غير مسبوق في تشكيل الرأي العام وتعزيز التفاعل المجتمعي والسياسي ونقل الرسائل والمعلومات والمواقف والأراء , بالإضافة إلى تعزيز الوعي بالمناسبات الدينية والقضايا الاجتماعية والثقافية والتوعوية المختلفة, وتعزيز الروابط الاجتماعية, والروح الوطنية والاعتزاز باليمن وتاريخها, وتعزيز العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والقبائل, وتضامنها مع بعضها البعض, وكذلك في تعزيز الانتماء الوطني لد الفرد والمجتمع ما يساعدهم على مواجهة التحديات واتخاذ القرارات.

 

وسيلة إعلامية مؤثرة

رافقت الزوامل مسيرة حياة وجهاد الشعب اليمني ونضاله على مر التاريخ, وأصبحت اليوم أحد الوسائل المؤثرة التي ترصدها عدسات الإعلاميين في مختلف الساحات والمناسبات, وتعج بها منصات مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت, وإلى جانب العمل الثقافي والفكري والتوعوي,  كان ولا يزال لها تأثيرها البالغ في التعبير عن  المشاعر والعواطف, والانتماء الثقافي والهوية الإيمانية والدينية , كما تستخدم وسيلة تواصل بين أبناء الوطن سيما تجاه الظروف والنوازل والقضايا التي تلم بفرد أو قبيلة, وأسهمت بشكل فاعل في  فصل غالبية المواقف والقضايا داخل المجتمع اليمني بعد سماعها كونها تختزل أي قضية وتعبر منها بشكل واضح ودقيق ومؤثر, وتوضح الاختلافات في المواقف والأراء بين الفرد أو القبلية, وعلى ضوؤها يتمكن رجال الحل والعقد وما يعرف في الساح القبلية اليمنية بالمشايخ والمراغات من السعي في إصلاح ذات البين وحل “قضايا الثأر وحلحلة المشاكل البينية والفصل في النزاعات أو الحروب.

 

 

وسيلة لرفع الروح المعنوية

مثلت الزوامل في العصر الحالي جزء أساسي من إلهاب حماس المقاتل اليمني وبرزت أهميته في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن, وقبل ذلك مع بداية ظهور المشروع القراني في صعدة , كما تميزت بقدرتها التحشيدية الهائلة في المجتمع القبلي اليمني,وهو ما أشارإليه المستشرق الألماني هانز هولفرتيز، في كتابه، “اليمن من الباب الخلفي“، إلى ان أهل اليمن يعتقدون بأن مجرد إنشاد هذا النشيد الذي يسمى “زامل” فذلك كفيل ببث الفزع في قلوب الأعداء، إذ يمتزج الإيقاع الصاخب والحاد للزامل، باحتدام القوة اللفظية في كلماته، ليهيّج في سامعيه الحماسة والحمية , ثم ينشدونه لخلق الحماس وتحفيز الهمم, فيضاءل العدو أمامهم”., كما أنه يستخدم اليوم أحد وسائل رفع المعنويات للمجاهدين والمقاتلين في ساحات النزال والمواجهات وإخافة العدو وبث الرعب في أوساطهم, ومنها زامل بأداء صوت المجاهد عيسى الليث :

يا دعاة المعارك والقتالي .. من نوى للحرايب بانجي له

شبو النار من مدفع وآلي.. ويل من قام ضد الحق ويله.

 

تأثيره في تشكيل المواقف

استطاع الزامل اليمني فرض سيطرته على الوجدان والأحاسيس على مستوى الساحة المحلية والعربية والدولية أيضا, وساهم في فرض المعادلات الجديدة التي تطرأ على الساحات, من خلال قدرته على إحداث وتغيير تحولات كبيرة في أفكار الكثير من أبناء اليمن سواء تجاه المشروع القرآني رغم التكتم الإعلامي التي رافقت الحروب الست الظالمة على المشروع القرآني بقيادة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي منذ العام 2001م أو تجاه العدوان الأمريكي السعودي على اليمن التي صاحبها هالة إعلامية كبيرة لتزييف الحقائق وقلب المفاهيم’ منذ أول غارة شنها التحالف على العاصمة صنعاء في23 مارس2015م أو أمام مظلومية الشعب الفلسطيني ومعركة طوفان الأقصى, وما يتعرض له أبناء الأمة بشكل عام في قضاياهم المحقة والعادلة, ممن كانوا ضحايا للإعلام المظلل ودعاة الظلال والمظلين,  من اليمن, ومع ذلك ساهمت الزوامل في تشكيل المواقف  والقناعات, وأصبحت اليوم هي الرسالة السريعة العابرة للقارات والأكثر انتشارا في ظل الثورة التكنولوجية العالمية .

 

الزامل في معركة الدفاع عن النفس

هذا الفن الشعبي أعيد إلى الساحة اليمنية بقوة من جديد, خصوصا بعد ظهور حركة أنصار الله  وإطلاق المشروع القرآني بقيادة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي- رضوان الله عليه- في العام2001م ، والتي كان للشاعر الشهيد عبدالمحسن النمري يقولب دورس الشهيد القائد إلى أبيات شعرية  كسلاح لتكريس الوعي وتعزيز مفاهيمه , يستطيع من يسمعها فهم الأحداث والقضايا الجارية على الساحة, وكانت هي الفن الأول القادر على استقطاب المزيد من المجاهدين وأبناء القبائل وشحذ هممهم لتلقي هدى الله, وفيما بعد للدفاع عن النفس في الحروب الست, ثم صاحبت ثورة الشعب 21 سبتمبر, التي أسقطت الوصاية والهيمنة الأمريكية على اليمن في 2014م.

ونظرًا لقدرته الكبيرة على التحشيد في المجتمع القبلي اليمني، وأهمية الشعر عند اليمنيين لطبيعة الشعب القبلية وافتخار القبائل بشعرائها قديما وحديثا، عمل شعراء المسيرة القرآنية على تطويع هذا الفن الشعبي في معركة النفس الطويل والدفاع المقدس، حتى أصبح للزامل دورًا محوريًا في إذكاء “حميّة” المعركة المسلحة، لدى القوات المسلحة اليمنية المسنودة بالشعب اليمني في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على مدى 10 سنوات.

ونتيجة ذلك، انتشرت الزوامل بشكل كبير من ذلك زامل “ما نبالي” الذي انتشر بكثافة في المجتمع القبلي اليمني، حتى بين الأطفال الصغار الذين كانوا يرددون مطلعه، لسهولة تأثير الإيقاع فيهم، أبرزه: “ما نبالي ما نبالي ما نبالي… واجعلوها حرب كبرى عالمية.. حن قلبي للجرامل والأوالي… والله إن العيش ذا يحرم عليه.. في سبيل الله ذقنا المر حالي… مرحبا بالموت حيا بالمنية”.

كما انتشركالهشيم في الأوساط اليمنية زامل آخر بعنوان “حيا بداعي الموت” ويتضمن تمجيدًا لآل البيت وحثاً على الجهاد، وتقول كلماته  ” حيا بداعي الموت قل للمشرقي والمغربي.. إحنا جنود الله بعنا بيع ما حد يشفعه.. النفس له والروح والدم له مقربي.. والعز لي والفخر لي يوم اللقاء في مجمعه..” وهي من كلمات الشهيد الشاعر عبدالمحسن النمري, وبفضل تنامي الوعي الشعبي في أوساط الحاضنة الشعبية تلاشت “الأغاني والمزامير” واعتلت أصوات الزوامل وطغت على الساحة , لترافق مسيرة معركة الصمود العظيم والمقدس والتصدي لمواجهة العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا , وأسهم اليوم بشكل مباشر في معركة إسناد طوفان غزة .

 

تأثير الزامل في تغيير المواقف

فعلى صعيد أمثلة الزامل في الحروب، منها ما ذكره الباحث محمد محمد إبراهيم نشر على مجلة “الثقافة الشعبية ” في عددها 30 ” والتي روى فيها قصة حرب بين قريتين إحداهما من «عنس»، وأخرى من «الحدأ»- محافظة ذمار- حيث تزمل الشيخ زيد عمران من «عنس» موجهاً زامله الى الشيخ محمد بن ناجي القوسي من الحدأ يقول فيه:

با تخَبَّرِش يا ذي المصانع               كــيــف البِشـالي في قـروحه

وش قصة القوسي محمد                 في مترسِه فلَت صَبُوحه

ويرد عليه الشيخ القوسي:

يا ذي ذكرت الشيخ محمّد             هـــو مــأربـي زايد ملُوحَه

غلـــــق علـــــى عمــران ليــــــلِه              قد سمّمه قد شَلّ رَوحَه

وفي حربٍ بين مراد وكومان – الحدأ يتزمل شاعرٌ من مراد مشجعاً الشيخ القردعي للهجوم على كومان قال:

يا القردعي لانته تبا افعال الظفر

فــاستــــروع الليـلــــة لحُمْـــــرَان العيـــــون

قال الفتى السعدي سنان القبيله

معي صميل احدل لكسَّار القرون

ويرد عليه زمّال كومان مفاخراً بنفسه وزوامله الكومانية، لكن الزوامل في نظره لا تحقق نتائج عملية، وأنه لا يشفي غليله إلا عندما يكون وسط حشد من الأبطال، والرصاص يتطاير من شرفات الحصون:

قال الفتى البداع خيرة من بـدع

كُثْـــــر الـــزوامــل ما قَضَت عِلْم الشُجُون

اشتاق لانا بين عجّــات العــول

والصَّاغ يتقارح من اظبَار الحصون

 

ومن وصايا الحروب يحث الزمّال الصيَّادي قومه كومان على الثبات في الحرب والانتصار للأهل والأقــــارب من كل عدو:

هذي لكم مني وصيـــــــــــــــَّه            وانتوا توصوا كل تالــــي

والعز في الصاغ المشمّـــــــــع             والهم تجلاه الرجــــــالِ

بين اخوتك واولاد عمّك             تصبر على قيِّر وحالــ

 

الخاتمة

برغم ما حصل وجرى للزامل اليمني من محاولة تجريف وتفريغ من محتواه ورسائله المجتمعية كموروث تاريخي أصيل, إلا أن الصحوة الكبيرة في العام 2004, جعلته يتجاوز الموروث ويصبح سلاح معنوي فعال عابر للقارات وصل إلى ذروته بحنجرتي مؤسس نهضة الزامل اليمني الحديث الشهيد المجاهد لطف القحوم وأسطورته عيسى الليث.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com