اليمن يفرض معادلة البحر الأحمر.. تخبط صهيوني، فشل غربي، وسيادة بحرية يمنية بلا منازع
يمانيون | تقرير تحليلي
توالت التقارير الغربية التي ترصد تصاعد العمليات البحرية اليمنية في البحر الأحمر، حاملة معها اعترافات ضمنية بفشل الردع الغربي وتفكك المنظومة الأمنية والاقتصادية التي كانت تحمي مصالح الكيان الصهيوني.
تقارير من صحف كـ”ميدل إيست آي”، و”الإيكونوميست”، و”بيزنس إنسايدر”، أجمعت على أن القوات المسلحة اليمنية نجحت في كسر الطوق المفروض عليها، وفرضت معادلة جديدة تتجاوز البحر الأحمر لتطال عمق منظومة التأمين البحري العالمي.
من الميدان إلى الشركات: “ميدل إيست آي” تكشف ارتباكًا صهيونيًا عالمي الأثر
هذا التحول الجذري، بحسب ما نقلته صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية، بدأ يتجلى في الارتباك الذي أصاب شركات التأمين العالمية، التي باتت ترفض تغطية أي سفينة تربطها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالكيان الصهيوني، عقب الضربات الدقيقة التي وجهتها القوات البحرية اليمنية لسفينتي “ماجيك سيز” و”إتيرنيتي سي”.
ورغم محاولات العدو الالتفاف على الحصار، أكدت الصحيفة أن التأثير اليمني تجاوز الضربة العسكرية إلى تفكيك الثقة بالبنية التجارية التي يعتمد عليها الكيان، خصوصًا بعد امتناع شركات تأمين كبرى عن تجديد تغطية مخاطر الحرب للسفن المرتبطة بموانئ الاحتلال، وعلى رأسها ميناء حيفا.
وتتابع الصحيفة بالتأكيد أن ما زاد من عمق الأزمة ليس فقط الخسائر المالية التي تكبّدها مشغلو السفن – والتي وصلت إلى 20 مليون دولار – بل إدراك العدو أن اليمنيين باتوا قادرين على فرض شروطهم في البحر دون الحاجة إلى صدام مباشر مع سفن العدو نفسه، إذ إن مجرد الشبهة كافية لإحداث الشلل البحري.
هذا المأزق – كما تصفه الصحيفة – دفع العدو إلى استجداء غطاء عسكري أمريكي لاستهداف القوات اليمنية، إلا أن طلبه قوبل بالرفض من واشنطن، التي تخشى التصعيد، وتدرك أن صنعاء لم تعد كما كانت، بل أصبحت قوة إقليمية مؤثرة تُحسب لها حسابات معقدة.
من الانكشاف الأمني إلى الانسحاب الأمريكي: “الإيكونوميست” تؤكد أن اليمن يهيمن على باب المندب
وانطلاقًا من هذه الصورة التي رسمتها “ميدل إيست آي” حول العجز الصهيوني، تأتي مجلة “الإيكونوميست” البريطانية لتُوسع دائرة التحليل وتؤكد أن المعركة لم تعد بين “اليمنيين” والغرب، بل باتت معركة بين الإرادة اليمنية وهيمنة واشنطن على الممرات المائية.
المجلة ربطت بين العمليات الأخيرة التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في السادس والسابع من يوليو، وبين إعلان ترامب قبل شهرين بأن اليمنيين قد “استسلموا”، لتقول إن الواقع على الأرض يدحض هذه التصريحات، ويؤكد أن اليمن لم يُهزم، بل صبر، وتقدّم، وضرب مجددًا.
وأضافت أن الانخفاض الحاد في حركة الشحن – بنسبة تقارب 50% مقارنة بصيف العام الماضي – ليس نتيجة قرارات إدارية من شركات النقل، بل نتيجة خوف حقيقي من قدرة اليمنيين على الضرب في الوقت والمكان الذي يختارونه، وفي ظل انسحاب المدمرات الأمريكية من المنطقة.
كما أوضحت “الإيكونوميست” أن الغارات الصهيونية الأخيرة على اليمن لم تُحدث أي أثر يذكر، تمامًا كما فشلت الغارات السعودية والإماراتية من قبل، ما يؤكد أن صنعاء قد بنت جبهة دفاعية هجومية لا يمكن تجاوزها بالمقاتلات أو بوسائل الحرب التقليدية.
وهنا، تنتقل المجلة من توصيف المشهد إلى استخلاص جوهر التحول: اليمن يملك السلاح، لكنه أيضًا يملك “العقيدة السياسية” الكاملة لاستخدامه، وهذا ما جعل الولايات المتحدة، بكل قوتها، تحجم عن الدخول في مواجهة جديدة في البحر الأحمر.
من العجز الأمريكي إلى الضعف الأوروبي: “بيزنس إنسايدر” ترصد تفكك “أسبيدس” وميل الكفة لليمن
وإذا كان التقرير السابق قد أظهر انكشاف واشنطن، فإن صحيفة “بيزنس إنسايدر” الأمريكية ذهبت إلى أبعد من ذلك حين كشفت عن انهيار الغطاء الأوروبي نفسه في البحر الأحمر، خصوصًا ما يتعلق بمهمة “أسبيدس” التي تتولى حمايتها قوة من الاتحاد الأوروبي.
بحسب الصحيفة، لا تتجاوز القوة البحرية الأوروبية العاملة في البحر الأحمر “سفينة واحدة في اليوم”، ما يعني – بحسب الأدميرال الأوروبي جريباريس – أن المهمة لا تملك القدرة الفعلية على تأمين المساحة المترامية الأطراف بين البحر الأحمر والخليج.
واللافت – كما توضح الصحيفة – أن السفينتين “ماجيك سيز” و”إتيرنيتي سي” لم تطلبا حتى الحماية من “أسبيدس”، ما يشير إلى فقدان الثقة الدولية في أي غطاء غربي، في مقابل هيمنة الردع اليمني على القرار الملاحي.
وتذهب الصحيفة إلى أن وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن لم يُسقط العمليات اليمنية، بل كشف أن البحر الأحمر أصبح ميدانًا مفتوحًا لفعل استراتيجي يُحرج الغرب دون أن يخرق التفاهمات الدولية.
وبينما تسوّق أوروبا لمهمتها على أنها دفاعية، تُبيّن الوقائع – وفقًا للتقرير – أنها مجرد وجود رمزي، لا يُرهب القوات المسلحة اليمنية، التي أثبتت قدرتها على توجيه ضربات نوعية بأقل تكلفة وأعلى أثر.
ويُختتم التقرير بإقرار ضمني من الأوروبيين أنفسهم أن لا مجال لخوض مواجهة مباشرة مع صنعاء، في ظل قيود سياسية وعسكرية تعكس واقعًا جديدًا في البحر الأحمر، أصبحت فيه اليمن لاعبًا أول، وصاحب الكلمة الفصل.
من التكتيك إلى الاستراتيجية – اليمن يرسم خرائط السيطرة من الساحل إلى الممرات
ومن مجمل ما جاء في الصحف الغربية الثلاث، يمكن استخلاص أن ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية لم يعد يُقاس بمنسوب الخسائر المادية للعدو فقط، بل بعمق الهزة النفسية والاقتصادية والسياسية التي تضرب مراكز القرار الغربية.
فاليمن، في سلوكه البحري الجديد، دمج بين الفعل العسكري المباشر وبين توظيف أدوات الضغط الاقتصادي والنفسي، ففرض حصارًا فعليًا على موانئ الاحتلال، دون أن يُعلن ذلك بطريقة كلاسيكية، مكتفيًا بتفعيل عنصر الردع العملي على الأرض.
إن التحول الذي يشهده البحر الأحمر، كما تعكسه تقارير “ميدل إيست آي”، و”الإيكونوميست”، و”بيزنس إنسايدر”، يكشف أن الردع اليمني لم يعد حالة عسكرية محصورة في الجغرافيا، بل منظومة رد متكاملة تُصيب البنية الدولية العابرة للقارات، من شركات التأمين إلى غرف الملاحة العالمية.
وتحت هذه المعادلة الجديدة، يصبح من الواضح أن صنعاء، التي رفضت التنازلات وأصرّت على مبدأ دعم فلسطين ومقاومة العدو، لم تعد في موقع رد الفعل، بل أصبحت الطرف المُبادر والمُهيمن، عسكريًا وسياسيًا ونفسيًا، في معركة يتجاوز فيها الانتصار حدود البحر، نحو تغيير موازين القوى في المنطقة برمّتها.