إصدار نقدي ثالث من صنعاء يربك العواصم الغربية ويؤكد فشل رهانات الحصار الاقتصادي
يمانيون | تقرير
في خطوة استراتيجية مدروسة ضمن مسار السيادة النقدية، أعلن البنك المركزي اليمني في صنعاء عن طباعة وسك إصدار نقدي ثالث من فئتي الخمسين والمئتين ريال، في إطار إجراءات تهدف إلى حماية العملة الوطنية واستقرار السوق المصرفية في البلاد، رغم الحصار والعدوان الاقتصادي الأمريكي-السعودي المتواصل منذ سنوات.
الإجراء الذي قوبل بارتياح في الأوساط الاقتصادية الحرة داخل اليمن، أثار في المقابل موجة انزعاج واضحة وصاخبة في العواصم الغربية المعادية لليمن، وفي مقدمتها واشنطن ولندن وباريس، حيث سارعت السفارات الغربية الثلاث إلى إصدار بيانات منفصلة – لكنها متطابقة من حيث اللغة والمضمون – تُدين هذه الخطوة، وتلمّح إلى تداعياتها الاقتصادية والسياسية.
بيان أمريكي يكشف عن منطق استعماري واستفزاز صريح
البيان الصادر عن السفارة الأمريكية في اليمن، والذي أعاد إلى الأذهان خطاب الهيمنة المالية الذي تمارسه واشنطن في البلدان الواقعة خارج دائرة تبعيتها، احتوى لهجة تهديدية واضحة. وضمن عباراته اللافتة، وردت دعوة إلى ما سمّته “التراجع الفوري ودون تأخير” عن طباعة العملة – وهي صيغة تمثل ذروة منطق الوصاية الاستعمارية الذي تحاول واشنطن فرضه على الشعب اليمني.
وقد أعاد هذا البيان إلى الأذهان التصريحات الوقحة للسفير الأمريكي السابق في اليمن “ماثيو تولر”، حينما هدد الشعب اليمني ذات مرة قائلاً إنهم سيجعلون من عملتهم “لا تساوي قيمة الحبر المطبوع عليها” – في إشارة إلى استخدام السلاح الاقتصادي كوسيلة انتقام من أي توجه سيادي خارج الإملاءات الغربية.
لندن وباريس في موقف التابع الصامت
وسارعت السفارتان البريطانية والفرنسية إلى تبني الموقف الأمريكي حرفيًا، حيث قامتا بإعادة نشر بيان السفارة الأمريكية على حساباتهما الرسمية دون أدنى تعديل، في مشهد يُظهر بوضوح التبعية الكاملة للعاصمتين الأوروبيتين للقرار الأمريكي، وافتقارهما لأي رؤية مستقلة في التعامل مع الملف اليمني.
هذه التبعية لم تكن جديدة، لكنها بدت أكثر انكشافًا مع تنامي قدرة صنعاء على كسر القيود الاقتصادية المفروضة عليها، واتخاذ قرارات نقدية جريئة دون الحاجة لإذن خارجي.
تواطؤ أممي وصمت مريب أمام جرائم بنك عدن
المبعوث الأمريكي إلى اليمن لم يخرج عن هذا الإطار، فجاء موقفه منسجمًا تمامًا مع الخط الأمريكي التقليدي في اليمن، الذي يغلب عليه الانحياز المطلق لما يسمى “حكومة المرتزقة” في عدن، متغاضيًا بشكل كامل عن الانتهاكات الاقتصادية الخطيرة التي ارتكبها بنك عدن خلال السنوات الماضية، بما في ذلك محاولاته الفاشلة لفرض هيمنة على القطاع المصرفي عبر التهديد بنقل المقرات، وتجفيف السيولة، وفرض عقوبات مالية بدعم أمريكي مباشر.
كما تجاهلت الأمم المتحدة – كعادتها – هذه الخروقات، ولم تصدر أي موقف يعترض على التدخل الأمريكي السافر في الملف المالي اليمني، ولا على المحاولات الأمريكية الأخيرة لفرض شركة أمريكية خاصة للسيطرة على النظام المالي الوطني، في انتهاك صارخ للسيادة والاستقلال الاقتصادي.
صنعاء.. خطوة سيادية تطيح برهانات الحصار
البيانات الغربية المتشنجة تكشف حجم الرهانات التي كانت معقودة على استمرار أزمة السيولة في المحافظات الحرة، وعلى تقييد حركة البنك المركزي في صنعاء بشح الأوراق النقدية، إلا أن الخطوة الأخيرة أعادت رسم المشهد النقدي، وأكدت قدرة صنعاء على اتخاذ خطوات فاعلة تؤمّن الاستقرار المالي، رغم الحصار والحرب الاقتصادية.
المحللون الاقتصاديون يرون في هذا الإجراء تطورًا نوعيًا في معركة الدفاع عن السيادة الاقتصادية، كما يشيرون إلى أن الإصدار الجديد يعزز من قدرة السوق المحلية على امتصاص الكتلة النقدية، وتنشيط الدورة المالية، وقطع الطريق على محاولات انهيار السوق من خلال شح السيولة.
الورقة الاقتصادية تفقد وظيفتها كورقة ابتزاز سياسي
الإصدار النقدي الثالث ليس مجرد قرار تقني من البنك المركزي في صنعاء، بل يُعد تحولًا استراتيجيًا يعكس صمود مؤسسات الدولة الوطنية، ويفضح الرهان الأمريكي على استغلال الورقة الاقتصادية كورقة ضغط وابتزاز سياسي.
فكل المؤشرات تؤكد أن هذه الخطوة أربكت الحسابات الأمريكية، وأفشلت خطط عرقلة المسار النقدي الوطني، وأظهرت فشل رهانات الرضوخ من بوابة الحصار.
كما أنها تؤكد، في الوقت ذاته، أن اليمن ماضٍ في معركته المفتوحة على جميع الجبهات، بما في ذلك الجبهة المالية، ولن يخضع لأدوات الهيمنة الدولية، لا عبر الدولار، ولا عبر “صندوق النقد”، ولا عبر الابتزاز السياسي الذي تُمارسه السفارات الغربية من خلف البحار.