جورج عـبدالله مناضلا وأيقونة عـربية في زمن الصغـار
يمانيون/ بقلم السفير أ. عبدالله علي صبري
يتحدث المناضل العربي جورج عبدالله، وكأنه دخل المعتقل بالأمس وخرج منه اليوم التالي، لم تتغير نظرته ولم يتراجع عن مبادئه التي صقلها في عز شبابه، واحتضنها بين جوانحه قبل أن يحمل بندقيته، ثم رفض أن يمنح سجانيه أي تنازل يمس بجوهر القضية التي يدافع عنها، وبسببها قضى أربعة عقود خلف القضبان وبين جدران الزنازين.
وكأنما توقف الزمن، ليس لأن جورج كان مغيبًا عما يحدث حوله، بل على العكس فقد كان يتابع تفاصيل ويوميات الأحداث عبر وسائل شتى، ولم يحل السجن دون اتصاله وتواصلاته بأهله ورفاقه، ولم ينل السجن من إرادته أو عزيمته، ما جعله مقبلا على قراءة الكتب والصحف، وشغوفا بمتابعة كل جديد منها.
يقول جورج عبدالله، وقد عانق الحرية أخيرًا، أنه رفض أن يساوم على أي من حقوقه وحقوق وطنه الجريح لبنان، أو يتنازل عن مبدأ النضال أو المقاومة من أجل فلسطين، برغم أن الفرص كانت متاحة لكي يخرج من السجن مبكرا ويختصر زمنا كبيرا من هذه المعاناة، لكن صلابته حالت دون ذلك، ما اضطر سجانيه في الأخير إلى الإفراج عنه رغما عنهم.
فمثلا، كان بإمكانه أن يدفع تعويضا ماليا لأسر الجنود الذين اتهموه بقتلهم، وبينهم جندي فرنسي، لكنه استعصم، وقال بالنسبة لي، فإن الجندي الفرنسي كان مجرما وليس ضحية، فلبنان أثناء الاجتياح الإسرائيلي، كان يتعرض للعدوان الصهيوني المسنود من أمريكا ودول الغرب، وعندما حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا المروعة، كانت القوة الفرنسية هناك مكانا وزمانا، وقد انسحبت أثناء المجزرة ثم عادت أدراجها وكأن شيئا لم يكن. وعليه فالفرنسيون ساسة وعسكر كانوا شركاء في الجريمة، بنظر جورج عبدالله، ولو تنازل عن هذا التوصيف، لأصبح المناضل المقاوم والمقاتل، مجرد مجرم قاتل، وشتان بين الحالتين.
بالطبع، يدرك جورج عبدالله أن واقع لبنان والعرب اليوم، قد انحرف على نحو خطير، ففي غزة عشرات المجازر بحجم صبرا وشاتيلا، ولكن على مدى 22 شهرا لم يحرك العرب ساكنا، بل لا زالوا يتوددون للقتلة المجرمين، وينعتون المقاومة بأقذع الصفات، وكأن في ظهور جورج عبدالله وخروجه من المعتقل في هذا التوقيت بالذات، رسالة وحجة على كل المتخاذلين من أبناء الأمة والمرجفين منهم، بل وشاهدًا على زمن الصغار بكسر الصاد أو فتحها لا فرق.
يتساءل أيقونة الحرية جورج عبدالله عن دور مصر والأزهر، ويستغرب كيف أن غزة لا تطلب سوى كوب ماء، ومع ذلك لا تتحرك مصر، بكل ثقلها ومكانتها وتاريخها، في الوقت الذي يأتي التضامن مع غزة من كل أصقاع العالم، ويتساءل جورج أيضا، كيف يحدث ما يحدث لغزة، ومن حولها أمة تصلي وتسجد لله.
حتى على الصعيد اللبناني، لا يتردد جورج عبدالله في إعلان موقف منحاز للمقاومة وتضحياتها، ثم لا يدفعه ذلك الموقف للانتقاص من الجيش ووطنية جنوده، لكنه يدعو إلى تسليح هذا الجيش حتى يقوم بواجبه الوطني في حماية سيادة لبنان وأجوائه من أي عدوان خارجي، ويقول إن المقاومة ستكون مع الجيش الذي يحمي الوطن ويصون كرامة المواطنين.
ولا شك أن كلاما كهذا يكتسب هذا الوزن وتتضاعف أهميته حين يصدر على لسان قامة مناضلة لا يمكن الطعن أو الغمز في مواقف صاحبها، بل الأجدر أن تصغي لكلماته الآذان والقلوب، فرجل هذه سيرته ومسيرته وهذا تاريخه، لا يمكن أن يكون إلا رائدا في أهله، وعنوانا للحقيقة التي لا تقبل أنصاف الوجوه والحلول.