في الذكرى الـ56 لإحراق المسجد الأقصى .. النار التي التهمت كل فلسطين
تمرّ اليوم الذكرى السادسة والخمسون لجريمة إحراق المسجد الأقصى المبارك، والتي ارتُكبت صباح يوم 21 أغسطس عام 1969، حين أقدم متطرف صهيوني على إشعال النار في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، مستهدفًا منبر صلاح الدين ، في جريمة لم تكن آنذاك سوى البداية لمشروع استعماري صهيوني أكبر، يسعى لطمس الوجود العربي والإسلامي في فلسطين.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
وبعد أكثر من نصف قرن على تلك الجريمة، يتضح أن حريق الأقصى لم يكن فعلًا فرديًا معزولًا، بل كان تعبيرًا مبكرًا عن سياسة ممنهجة تستهدف الأرض والمقدسات والإنسان الفلسطيني، فاليوم، لا تزال فصول العدوان مستمرة، مجازر يومية في قطاع غزة، حصار خانق، تهجير قسري في الضفة الغربية، واستباحة متكررة لساحات المسجد الأقصى من قبل المستوطنين تحت حماية جنود الاحتلال.
جريمة بدأت بالصمت .. واستمرت بالإفلات من العقاب
إحراق المسجد الأقصى هو حريق مدبّر وضخم شبّ في الجناح الشرقي للمُصلّى القبلي في المسجد الأقصى قُبيل الساعة السابعة بالتوقيت المحلي من صباح يوم الخميس 21 أغسطس 1969/ 7 جمادى الآخرة 1389هـ وتسبب بخسائر كبيرة فيه، فقد التهم الحريق المنبر التاريخي المعروف بمنبر صلاح الدين مع القبّة التي فوقه بالإضافة لمحراب المُصلّى والسقف من الجهة الشرقية، كما هدّد الحريق قبّة الجامع الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة اللامعة، وقد استمرت أعمال الإطفاء لساعات.
ويؤكد مراقبون أن غياب الرد العربي والإسلامي الحاسم في حينه سمح للاحتلال بالمضي قدمًا في مخططاته. فلو أن تحركًا جادًا ومسؤولًا حصل قبل 56 عامًا، لما وصلت الأمور إلى هذا المستوى من العدوان المنظّم والاستفراد بالشعب الفلسطيني ومقدساته.
واليوم، يُجاهر قادة الاحتلال بما يسمّى “إسرائيل الكبرى”، في ظل صمت دولي وعربي يفتح الباب واسعًا أمام مزيد من الجرائم.
ردود أفعال أسعدت رئيسة وزراء كيان العدو
أثار الحريق أنذاك استنكارا دولياً، واجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر قراره رقم 271 لسنة 1969 -بأغلبية 11 صوتا وامتناع 4 دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة الأميركية، الذي أدان فيه إسرائيل ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس.
وجاء في القرار أن مجلس الأمن يعبر عن حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى يوم 21 أغسطس/آب 1969 تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ويدرك الخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية نتيجة لهذا الضرر،
عربياً وإسلامياً، كانت هناك حالة غضب عارمة، واجتمع قادة هذه الدول في الرباط يوم 25 سبتمبر/أيلول 1969 وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي ضمت في حينها 30 دولة عربية وإسلامية، وأنشأت صندوق القدس عام 1976
في المقابل علقت رئيسة وزراء الاحتلال في حينه غولدا مائير على الموقف العربي قائلة: عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق
الأقصى ليس شأنًا فلسطينيًا فقط
في هذه الذكرى الأليمة، تتعالى الأصوات مجددًا لتؤكد أن المسجد الأقصى ليس مجرد موقع ديني في القدس، بل هو رمز وهوية وقضية أمة بأكملها.
الاعتداء على الأقصى، وفق ما يؤكده محللون ومؤسسات فلسطينية، لا يمكن فصله عن العدوان على غزة، أو عن تهويد القدس، أو عن معاناة الأسرى والمهجّرين، بل هو جزء من خطة شاملة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية من جذورها.
ويشير مراقبون إلى أن ما يُحاك ضد الأقصى اليوم من تقسيم زماني ومكاني، ومنع المصلين، وحماية اقتحامات المستوطنين ليس سوى فصل من محاولة أوسع لطمس الحضور العربي والإسلامي في مدينة القدس، وفي عموم فلسطين.
دعوة لتجاوز التنديد .. نحو الفعل
تتصاعد الدعوات من فصائل فلسطينية وفعاليات شعبية إلى الشعوب والحكومات العربية والإسلامية لتجاوز خطابات التنديد التقليدية، والانتقال إلى الفعل السياسي والشعبي الفعّال، عبر الضغط الدبلوماسي، وتفعيل أدوات المقاطعة، ودعم صمود الفلسطينيين في القدس وبقية الأراضي المحتلة.
إن صمت الأمس مكّن الاحتلال من ارتكاب جرائم اليوم، وأي صمت جديد سيكون بمثابة تفويض مفتوح باستمرار الانتهاكات وسفك المزيد من الدماء.
وفي السياق .. جددت حركتا حماس والجهاد الإسلامي تحذيرهما من تصاعد المخاطر التي تهدد المسجد الأقصى والوجود الفلسطيني في عموم الأرض المحتلة، معتبرتين أن ما بدأ بمحاولة حرق منبر المسجد عام 1969 تطوّر اليوم إلى مشروع استيطاني شامل يستهدف القدس وفلسطين بكاملها، ويقوده الاحتلال الإسرائيلي عبر سياسات ممنهجة لطمس الهوية العربية والإسلامية.
وشددت الحركتان، في بيانين منفصلين، على أن إحراق الأقصى لم يكن حادثًا عرضيًا، بل خطوة ضمن مشروع استعماري يسعى منذ عقود لتغيير معالم القدس، وفرض أمر واقع يخدم مخططات “إسرائيل الكبرى”، مشيرتين إلى أن استمرار الصمت العربي والدولي ساهم في تصاعد العدوان والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته.
وحملت البيانات نبرة دعوة صريحة للتحرك، حيث دعت “حماس” إلى وحدة الجهود الرسمية والشعبية في العالمين العربي والإسلامي، مطالبة بتكثيف التضامن مع القدس وغزة ومواجهة مشاريع التهويد والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى. من جهتها، اعتبرت “الجهاد الإسلامي” أن الأقصى ليس شأناً فلسطينياً محلياً، بل قضية الأمة بأكملها، وأن أي تراخٍ جديد سيمنح الاحتلال مزيداً من الجرأة على ارتكاب جرائم أوسع.
ويرى مراقبون أن الذكرى هذا العام تأتي في ظل ظروف استثنائية تمر بها القضية الفلسطينية، أبرزها استمرار المجازر الإسرائيلية بحق أبناء غزة، وتزايد اقتحامات المسجد الأقصى من قبل المستوطنين بحماية قوات العدو الإسرائيلية، ما يدفع فصائل المقاومة إلى تصعيد خطابها وتحذيراتها من انفجار الأوضاع.
ختام
في ذكرى إحراق المسجد الأقصى، يجدد الفلسطينيون تمسكهم بالقدس عاصمة أبدية لهم، وبالمسجد الأقصى كخط أحمر لا يمكن المساس به. وفي المقابل، تبقى مسؤولية الدفاع عن الأقصى وفلسطين مسؤولية كل من ينتمي إلى هذه الأمة، قولًا وفعلًا.