العمالة المقنّعة .. كيف فوّت التيار العفاشي فرصة العودة إلى الصف الوطني؟
في ظل المشهد اليمني المليء بالتحديات والرهانات الوطنية، برزت العديد من القوى والتيارات أمام اختبار تاريخي، إما الانحياز لمشروع السيادة والاستقلال، أو الارتهان للأجندات الخارجية. وكان بإمكان ما يُعرف بـ”التيار العفاشي” في المؤتمر الشعبي العام أن يختار طريق الوطن، بعد أن فُتحت له أبواب الشراكة الحقيقية من قبل قيادة أنصار الله، إلا أن هذا التيار اختار مسار الانقلاب على التحالف الوطني، وارتضى لنفسه أدوارًا هامشية مرتهنة للخارج، متخفّيًا تحت شعارات بالية.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
تيار بلا مشروع وطني .. وانقلاب على الفرصة التاريخية
بعد مقتل عفاش في ديسمبر 2017، فُتح المجال أمام قيادات المؤتمر، بما فيهم جناحه العفاشي، للاندماج في مشروع وطني جامع يقطع مع الماضي القائم على الفساد والتبعية، ورغم أن قيادة أنصار الله مدّت يد الشراكة وأعطت هذا التيار فرصة لإعادة تموضعه ضمن خندق الوطن، إلا أن رموزه اختاروا الرهان على الخارج، وأداروا ظهرهم لمسار التحرر والسيادة.
تحول هذا التيار من لاعب سياسي محتمل إلى أداة مشوشة على التوجهات الوطنية، عاجز عن الانخراط الجاد في أي مشروع حقيقي، مكتفٍ بدور الكومبارس السياسي في مشهد إقليمي متقلب.
في الداخل .. ازدواجية الولاء وتقاطع المصالح مع الخارج
رغم وجود بعض رموز هذا التيار في مناطق سيطرة المجلس السياسي الأعلى ، إلا أن سلوكهم السياسي يعكس ازدواجية مفضوحة في الولاء، ومراوغة دائمة في الخطاب، يظهرون بمظهر المشارك، لكنهم يتحركون بعقلية المندس، يلمعون مرحلة الفساد السابقة، ويهادنون المشروع الوطني دون التزام حقيقي به.
هذا السلوك لا يمكن تفسيره إلا في سياق استمرارهم كأدوات ضغط داخلية تُوظفها العواصم الخارجية لزعزعة الصف الوطني من الداخل، عبر خطاب شعبوي أو عبر تسلّلهم إلى بعض المؤسسات الرسمية دون تحمّل مسؤوليات حقيقية.
في الخارج .. عمالة واضحة بأقنعة سياسية
أما في الخارج، فقد شكّل رموز التيار العفاشي بؤرًا صغيرة تعمل كأذرع استخباراتية وسياسية لقوى العدوان، تنشط في القاهرة وأبوظبي وغيرها، مستخدمين خطابًا ضبابيًا يخلط بين معاداة أنصار الله والترويج لمشاريع تتقاطع مع الاحتلال والتقسيم.
لا يدافعون عن اليمن، بل عن نفوذ شخصي ضائع، يسعون لاستعادته بأي ثمن، حتى لو كان عبر التموضع في حضن الإمارات أو السعودية أو حتى أطراف أخرى معادية لتطلعات اليمنيين.
أدواتهم .. الإعلام المأجور والمال المشبوه
يعتمد التيار العفاشي في بقائه الإعلامي والسياسي على أدوات قديمة جرى تجديدها بأموال الخارج، من قنوات ممولة، إلى منصات إلكترونية تمارس التضليل، إلى علاقات متشعبة مع أطراف إقليمية، لا يمتلكون أي مشروع وطني، لكنهم يحاولون تسويق أنفسهم كصوت المؤتمر، بينما هم في الحقيقة مجرد امتداد لمصالح ضيقة لا تعبّر عن قواعد المؤتمر الحقيقية.
خيانة الشراكة وانكشاف القناع
إن أخطر ما ارتكبه هذا التيار هو انقلابه على مشروع الشراكة الوطنية، ورفضه الواضح للاندماج في معركة التحرر الوطني، فعلى الرغم من أن قيادة أنصار الله منحته فرصة تاريخية لإعادة التموضع ضمن مشروع الدولة المستقلة والقرار السيادي، إلا أن رموزه اختاروا الانحراف نحو العمالة، وأثبتوا أنهم لا يؤمنون إلا بمصالحهم، ولا يترددون في مد اليد للخارج، ولو كان الثمن هو كرامة الوطن.
علاقات إقليمية مرتبطة بالمشروع الصهيوني
لم تكن العلاقة بين التيار العفاشي في المؤتمر الشعبي العام وكل من السعودية والإمارات مجرد تواصل سياسي عابر، بل تحوّلت بمرور الوقت إلى ارتباط وظيفي مباشر بأجندات مشبوهة وصهيونية تستهدف تفكيك اليمن من الداخل، ليس فقط عبر الحرب والإعلام، بل عبر تفجير البنية القبلية والاجتماعية من خلال أدوات محلية تم تجنيدها بعناية،
ولم يتوقف الأمر عند التنسيق السياسي، بل تعداه إلى تمويل حملات إعلامية ممنهجة تهدف لتشويه المشروع الوطني المقاوم، ولضرب ثقة الشعب بقيادته، من خلال ترويج روايات مزيفة، وإعادة تسويق رموز فقدت شرعيتها.
إن أخطر ما في هذه العلاقة، ليس فقط ارتهان التيار العفاشي للخارج، بل تطابقه مع أجندة تستبطن مشروعًا صهيونيًا خبيثًا، يسعى للسيطرة على الموانئ، وتفتيت وحدة اليمن، ونهب ثرواته، وإبقاء الشعب مرتهنًا لتوازنات إقليمية لا تخدم قضيته ولا مستقبله.
فإلى جانب استخدام المال والإعلام لخلق حالة تشويش سياسي، عملت السعودية والامارات عبر أدواتها داخل التيار العفاشي على إعداد أخطر مخطط لزعزعة الأمن والاستقرار، يقوم على إشعال مواجهات مسلحة بين القبائل اليمنية في مناطق حساسة، لإدخال البلاد في أتون اقتتال داخلي يعطّل الجبهة الوطنية، ويفتح ثغرات في ظهر معركة التحرر،
وقد تم تكليف بعض المشايخ المحسوبين على التيار العفاشي بتنفيذ هذا المخطط، بدعم لوجستي ومادي مباشر من غرف عمليات مرتبطة بأبوظبي والرياض، في محاولة لإعادة إنتاج الانقسامات المناطقية.
لكن بفضل يقظة الأجهزة الأمنية وتماسك المجتمع القبلي، تم إفشال هذا المخطط في مهده، ما أدى إلى هروب عدد من المشايخ المتورطين، بعد أن انكشف دورهم وتأكد ارتباطهم بالمشروع التخريبي الخارجي، هذه الهزيمة الأمنية والسياسية لأدوات العدوان شكلت صفعة قوية لكل من راهن على تمزيق الجبهة الداخلية عبر اللعب على وتر القبيلة والانتماء المناطقي.
التيار العفاشي لا يمثّل المؤتمر الشعبي العام المنتمي لوطنه
من الضروري، في خضم هذا التوصيف، أن نُميّز بين المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي يمني قرر أن يكون جزء من أصالة هذا الوطن واستقلاله وحريته، وبين ما يُعرف بالتيار العفاشي، الذي يسعى إلى اختطاف هذا الاسم وتجييره لمصالحه الضيقة وأجنداته المرتبطة بالخارج.
لقد أثبتت مواقف العديد من الرموز الوطنية في المؤتمر الشعبي العام أنهم اختاروا الانحياز للوطن والوقوف في صف السيادة والاستقلال، رافضين الارتهان للخارج، أو أن يكونوا مطيّة للمخططات الإقليمية المشبوهة، وهؤلاء لا تجمعهم بالتيار العفاشي سوى خلفية سياسية قديمة، لكنهم اليوم على ضفتين متقابلتين تمامًا، الأولى مع الوطن، والثانية في حضن من يعتدي عليه.
التيار العفاشي، الذي لم يخرج من عباءة الفرد ولا من إرث السلطة الفاسدة، لا يمتلك أي شرعية تمثيلية داخل المؤتمر الشعبي العام، بل يمثل امتدادًا لفكرة التوريث السياسي والمصالح الشخصية التي لفظها الشعب اليمني بعد عقود من المعاناة.
أما المؤتمر كمكون وطني واسع، فقد أفرز قيادات أثبتت التزامها بخيارات الشعب اليمني، وانخرطت في معركة التحرر والاستقلال، ورفضت أن تكون في صف العدوان أو في خندق أدواته، مؤكدة أن التنظيم ليس مجرد لافتة، بل موقف وانتماء حقيقي لقضايا الوطن.
من هنا، فإن محاولات التيار العفاشي لتزييف الوعي واستخدام اسم “المؤتمر” لتبرير انحرافاته، هي محاولة مفضوحة وبائسة لن تمنحه الشرعية، ولن تغطي على حقيقة عمالته وتحالفه مع مشروع يستهدف تمزيق اليمن وتقويض مستقبله.
خيارهم خيانة .. وخيارنا وطن
لقد وصل هذا التيار إلى نهايته السياسية، بعد أن أسقط آخر أوراق التوت عن عمالته المفضوحة، وفي الوقت الذي يصطف فيه أحرار اليمن في خندق التحرير والسيادة، لا مكان بعد اليوم لمن فوّت الفرصة التاريخية للعودة، وارتضى أن يكون بوقًا في بلاط العمالة الخارجية.
فاليمن اليوم لا يحتاج رموز ماضٍ مثقل بالفساد، ولا أبواقًا مأجورة، بل رجالًا يضعون الوطن أولًا، ويصونون دماء الشهداء وكرامة الشعب.