ترامب وتوني بلير .. عندما يتحالف القادة مع الدمار والدم
في عالم السياسة، لا تُقاس القرارات فقط بما تُحدثه من تغييرات دبلوماسية أو اقتصادية، بل تُقاس أيضًا بما تسفكه من دماء، وما تتركه من كوارث إنسانية خلف عناوين براقة ومصطلحات خادعة كـ”السلام”، و”الديمقراطية”، و”الاستقرار”، وفي هذا السياق، يقف كل من الرئيس الأمريكي ترامب، وتوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، كشخصيتين محوريتين طبعتا مرحلةً مظلمة من تاريخ الشرق الأوسط، ما تزال شعوب المنطقة تدفع ثمنها حتى اليوم.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
لقد جسّد ترامب وبلير، كلٌ بطريقته، تحالفًا غير مباشر في ترسيخ السياسات الاستعمارية الجديدة في العالم العربي، سواء من خلال الغزو العسكري كما فعل بلير في العراق، أو من خلال الغطاء السياسي المفتوح للعدوان الإسرائيلي كما فعل ترامب في فلسطين، وتحديدًا في قطاع غزة، ومما يزيد الأمر خطورة هو أن هذه السياسات لم تكن مجرد “أخطاء” في التقدير، بل كانت قرارات واعية، ومدروسة، ومبنية على حسابات تتجاهل كليًا الإنسان العربي، وحقه في الحياة والحرية والكرامة.
هذا التقرير موجّه لكل من يريد أن يفهم لماذا تبدو شعوب المنطقة العربية، وخصوصًا في فلسطين والعراق، غير قادرة على التئام جراحها، وهو محاولة لتوثيق لحظة تاريخية من الإنكار الدولي والازدواجية الأخلاقية، التي تجسدت في شخصيات قادت العالم تحت راية “الديمقراطية”، لكنها سقطت أخلاقيًا في مستنقع الجرائم الإنسانية.
إن استعادة هذه الحقائق اليوم ليست فقط ضرورة لفهم الماضي، بل أيضًا لتجنب تكراره، ولتحميل المسؤولين عن هذه الكوارث جزءًا من العار التاريخي الذي يجب أن يُكتب في سجلهم، لا أن يُمحى بحجة “الزمن مضى”.
رئيس الدمار والدم
لم يكن ترامب رئيسًا عاديًا في سياسته تجاه الشرق الأوسط، بل كان الأقرب إلى “مبعوث الخراب” في عيون كثير من الفلسطينيين والعرب.
في 6 ديسمبر 2017، أعلن ترامب اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل، متجاهلًا قرارات الشرعية الدولية ومشاعر مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين حول العالم، هذا الإعلان لم يكن فقط قرارًا سياسيًا، بل ضوءًا أخضر لآلة البطش الإسرائيلية لتصعيد جرائمها ضد الفلسطينيين.
مشروع “صفقة القرن”، الذي طرحه ترامب، سعى إلى دفن القضية الفلسطينية تمامًا، متجاهلًا حق العودة، وحق تقرير المصير، وحتى الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية، الخطة كانت أشبه بـوثيقة استسلام كتبها ترامب ووقع عليها الاحتلال نيابةً عن الفلسطينيين.
خلال رئاسة ترامب، شهد قطاع غزة أعنف الاعتداءات، لا سيما في مايو 2018 و2021، المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي تحت غطاء “الدفاع عن النفس” كانت تجري على مرأى ومسمع من إدارة أمريكية توفر الدعم السياسي والغطاء الدولي الكامل.
“ترامب لم يكن مجرد داعم لإسرائيل، بل كان شريكًا فعليًا في جريمة مستمرة ضد شعب أعزل
المهندس السياسي لغزو العراق
إذا كان ترامب قد أطلق يد إسرائيل في غزة، فإن توني بلير كان المهندس السياسي لغزو دموي غيّر وجه الشرق الأوسط إلى الأبد.
بلير، إلى جانب جورج بوش الابن، سوقا كذبة “أسلحة الدمار الشامل” لتبرير غزو العراق، لم تثبت أي من تلك الادعاءات لاحقًا، لكن النتيجة كانت واضحة، أكثر من مليون قتيل عراقي، ودمار شامل، وتمهيد لولادة تنظيمات إرهابية مثل داعش.
ومن المثير للسخرية أن بلير عُين مبعوثًا دوليًا للسلام في الشرق الأوسط بعد خروجه من السلطة، لكن طوال سنوات توليه هذا المنصب، لم يُحقق أي اختراق حقيقي، بل اتُهم من أطراف فلسطينية وعربية بأنه يغسل يديه من دم العراق ببدلة دبلوماسية ناعمة، ويقف في صف الاحتلال الإسرائيلي.
في كل الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، لم يُسجّل لبلير موقفًا حاسمًا يدين الجرائم الإسرائيلية، بل اكتفى بالدعوة إلى “ضبط النفس من الطرفين”، في تسوية أخلاقية مشوهة بين الضحية والجلاد.
ووفق تقرير لجنة تشيلكوت البريطانية فإن “توني بلير ليس رجل سلام، بل أحد مهندسي الحروب الأكثر دموية في القرن 21”
عودة بلير إلى الواجهة .. العودة إلى صفقة القرن بصيغة أشد تطرفاً؟
عند قراءة أبعاد عودة التحالف السياسي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، في ظل العدوان المستمر على غزة، فإننا نجد أنها محاولة لإعادة صياغة التحالفات الغربية على قاعدة دعم غير مشروط للكيان الإسرائيلي، والتركيز على إحياء نهج التصفية لا التسوية، ومحاولة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال مشاريع “السلام الاقتصادي” أو “إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح”، ولجعل غزة كبوابة لتثبيت الهيمنة، وتوفير غطاءً سياسياً وأخلاقياً للجرائم التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في غزة، من خلال تبريرات تتذرع بـ”مكافحة الإرهاب” أو “حق الدفاع عن النفس”.
واستعادة لدور توني بلير في مرحلة ما بعد أوسلو، ومحاولاته المستمرة لتطويع الاقتصاد والسياسة الفلسطينية بما يخدم المنظور الصهيوني.
ختــاماً
ما يجمع ترامب وبلير، رغم اختلاف المرحلة والسياق، هو التاريخ الملطخ بدم الأبرياء، والتواطؤ الصريح مع سياسات تسببت في معاناة شعوب بأكملها. في الوقت الذي يستمر فيه العالم في مواجهة كوارث الحرب والسلام، يجب ألّا يُنسى أن هؤلاء القادة، خلف مظهر الدبلوماسية، يحملون توقيعات على أوامر بالقتل الجماعي.