قبائل تهامة ورسائل الردع اليمنية
الشيخ حافظ يغنم
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصائر، وحين تتركز الأنظار على خرائط التوتر الإقليمي، يختار اليمن أن يكتب رسالته الخاصة، لا بالحبر، بل بحشود رجاله وبوهج شمس تهامة الحارقة.
المشهد الذي جسده قبائل مديرية باجل بمحافظة الحديدة لم يكن مجرد وقفة قبلية، بل كان بياناً استراتيجياً مكتوباً بلغة القوة والوفاء، يؤكد أن الجبهة اليمنية، التي صقلتها سنوات النار، لا تزال لاعباً محورياً، مستعدة لكل السيناريوهات، وقادرة على قلب الطاولة في أي لحظة.
إن الحراك القبلي الموحد، الذي ينتظم في الساحة اليمنية تحت شعار “وفاءً لدماء الشهداء.. التعبئة مستمرة”، يعتبر تجسيد لفلسفة يمنية عميقة تربط الماضي بالمستقبل، والتضحية بالجهوزية.
هنا، لا يُستدعى الشهداء للرثاء، بل لإشعال فتيل الواجب، حيث يصبح الوفاء لدمائهم هو المحرك الأيديولوجي الذي يحول التعبئة العسكرية من رد فعل على تهديد محتمل إلى عقيدة وطنية وواجب أخلاقي من باب قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة».
هذه المعادلة القرآنية تترجمها القبل اليمنية على الصعيد العملي، إذ كانت ولا تزال ارضها المباركة «مقبرة الغزاة» وهذا الالتفاف الشعبي منقطع النظير حول القيادة يعتبر رسالة ولاء ووفاء، ورسالة مزدوجة للداخل والخارج، بأن التضحيات أثمرت قوة ومنعة، وأن كل قطرة دم يمني تزيد من صلابة الموقف وتضاعف تكلفة أي عدوان قادم.
على امتداد البصر لقبائل المديريات الشرقية ونقطة تجمع العنفوان القبلي في مديرية باجل، امتزج الزي العسكري بالزي التهامي التقليدي، قدمت القبائل بعدتها وعتادها لوحة بصرية مهيبة عكست حالة التأهب القصوى وتأكيد عملي ورسالة ردع مباشرة لأي طرف تسول له نفسه التفكير في استهداف هذا العمق الاستراتيجي وتامين الحصن الداخلي من أية اختراق، لتبقى غزة ونصرة أهلها هي العنوان الإنساني والأخلاقي الأبرز في المواقف المشهودة لقبائل اليمن.
استمرار الحراك القبلي العارم اعتبره شخصيا فصل جديد في “حرب الرسائل” التي تسبق المواجهات الكبرى، حيث مؤشرات المعركة الفاصلة جلية بوضوح، وفي زمن الغموض، اختار اليمن بقيادته وجيشه وقبائله أن تكون رسالته لقوى الاستكبار العالمي امريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني واذنابهم في المنطقة « نحن هنا، وجاهزون».