ملحمة الحكمة في مواجهة فتنة ديسمبر… كيف أسقط اليمن أخطر مؤامرة داخلية برعاية العدوان؟

يمانيون | تقرير تحليلي
قبل ثمانية أعوام اهتزّ اليمن على وقع فتنة الثاني من ديسمبر 2017، لحظة فارقة تجاوزت حدود الصراع السياسي التقليدي لتلامس أخطر مستويات التهديد: تمزيق النسيج الوطني، وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة، وفتح الباب لسيناريو حرب أهلية شاملة كان يمكن أن تطمس ملامح اليمن لعقود.

ذلك اليوم لم يكن مجرد تمرّد سياسي عابر، بل نتيجة مسار طويل من الإعداد والتخطيط الخارجي، ومحاولة توظيف أدوات من الداخل لفرض انقلاب كامل يخدم مشروع العدوان الأمريكي السعودي في حينه.

هذا التقرير يقدم قراءة تحليلية للفتنة، خلفياتها، أدواتها، وكيف تمكن اليمن – قيادة وشعباً – من إخمادها خلال أيام قليلة، في واحدة من أهم الملاحم الوطنية المعاصرة.

جذور الفتنة وخلفياتها الإقليمية

لم تولد أحداث الثاني من ديسمبر فجأة؛ بل جاءت امتداداً لمسار تحريضي طويل سبقته تحضيرات ميدانية وإعلامية واسعة النطاق.

وثّقت العديد من الشهادات في تلك الفترة أن التحضير الخارجي كان حاضراً منذ أشهر عبر غرف عمليات مرتبطة بالإمارات والسعودية، تسعى لتفجير الوضع من الداخل بعد فشل آلاف الغارات الجوية في كسر صمود اليمنيين.

كان الرهان على إحداث تصدع داخلي يقلب المعادلة الميدانية لصالح العدوان، عبر أداة مُجرَّبة ومتقنة في إشعال الصراعات: (عفاش).

خبرة الرجل الطويلة في اللعب على التناقضات، واستعداده للتحالف مع أي طرف يضمن بقاءه، جعلته ورقة جاهزة لإعادة التفعيل.

فتم تحريك شبكات النفوذ القديمة، وإحياء خلايا عسكرية راقدة، وفتح مراكز تدريب جديدة، بالتوازي مع حملة دعائية ضخمة تهيئ الرأي العام لخطوة الانشقاق.

كان الهدف المركزي:
عسكرة العاصمة، قطع طرق الإمداد عن الجبهات، وتمزيق الجبهة الداخلية من قلب صنعاء.

يوم الانفجار… لحظة إعلان المهمة المكشوفة

في الثاني من ديسمبر، أعلن عفاش القطيعة الكاملة مع شراكته السابقة، كاشفاً ما كان يخفيه لسنوات.

تحرّكت خلاياه دفعة واحدة، وأغلقت الشوارع، وقطّعت أوصال العاصمة، بالتزامن مع محاولات السيطرة على مؤسسات حساسة وجرّ الشارع إلى مواجهة دامية.

لم تكن الخطورة في حجم القوة المشاركة بقدر ما كانت في طبيعة اللحظة:
• عاصمة مزدحمة
• دولة مثقلة بالحرب
• جبهات مفتوحة مع العدوان
• وشبكات مصالح متجذرة داخل البنية الإدارية والأمنية

لكن المفاجأة أن الصف المؤتمري تمايز في اللحظة الحرجة.

فالكثير من قياداته وكوادره فضّلوا الانحياز للدولة والحفاظ على الاستقرار.

تم لأول مرة الفصل بوضوح بين “المؤتمري” كمكوّن وطني، و”العفاشي” كخط سياسي مرتبط بمشروع خارجي.

هذا التمايز كان من أهم عوامل إفشال المؤامرة خلال ساعاتها الأولى.

 التحام الشعب بالثورة… القبيلة والجيش واللجان

ما حدث في تلك الساعات كان أشبه بملحمة داخلية لا تقل شأناً عن معارك الجبهات.
• التحمت القبائل باندفاع غير مسبوق.
• تدافعت مجاميع من الجيش واللجان الشعبية نحو العاصمة.
• أُحكم الطوق على البؤر المسلحة بسرعة قياسية.
• سقطت الخلايا في أوكارها قبل أن تتسع رقعة الفتنة.

أثبت الشعب اليمني حينها أن الحكمة ليست شعاراً ثقافياً، بل سلوك ووعي جمعي قادر على تجنيب البلاد السقوط في الهاوية.

انقلب السحر على الساحر؛ فبدلاً من أن تتوسع الفتنة، ضاقت مساحتها تدريجياً حتى انطفأت خلال أيام قليلة.

من الإخماد إلى العفو… أخلاق الثورة ورسوخ الدولة

بعد القضاء على التمرد، لم تتجه قيادة الثورة إلى الانتقام، رغم حجم الضرر الذي كان يمكن أن يجرّه المخطط على اليمن.

صدر العفو العام، ودُعي الجميع للعودة إلى الصف الوطني، في مشهد جسّد أخلاقاً سياسية نادرة في زمن الفتن.

هذا العفو لم يكن تنازلاً، بل تعبيراً عن ثقة الدولة بنفسها، وقدرتها على استيعاب الجميع ضمن مشروع وطني جامع، بعيداً عن منطق التصفيات والإقصاء الذي شهدته دول كثيرة في ظروف مشابهة.

وبذلك تحوّل الثاني من ديسمبر إلى حدث مفصلي أعاد رسم خارطة التحالفات، وكشف حجم الوعي الوطني، وأثبت أن اليمن مهما اشتدت عليه الأزمات قادر على وأد الفتن في مهدها.

ختاماً

أحداث الثاني من ديسمبر 2017 لم تكن مجرد فصل عابر في تاريخ الحرب على اليمن، بل إحدى أخطر اللحظات التي واجهت الدولة والمجتمع.

غير أن حكمة القيادة، ووعي الشعب، وصلابة الجبهة الداخلية، حوّلت المؤامرة إلى محطة لتعزيز الوحدة الوطنية، وترسيخ مفهوم أن اليمن لا يُؤخذ من الداخل مهما اشتدت الضغوط الخارجية.

إن الاحتفاء بهذه المناسبة ليس احتفالاً بإفشال فتنة فحسب، بل استذكار لدرس وطني عميق:

الوطن يُحمى بالوعي قبل السلاح، وبوحدة الصف قبل تعدد القوى، وبالإيمان الراسخ الذي يجعل اليمنيين قادرين على اجتياز أصعب المحن دون أن يفقدوا توازنهم أو ينكسروا أمام مشاريع الاستهداف.

You might also like