الثاني من ديسمبر نافذة الوعي في ظلام الخيانة
طوفان الجنيد
ربّ ضارّة نافعة؛ لله الأمر من قبل ومن بعد، ومهما علا الظلم وتجبر واستفحل داؤه، واستحكمت حلقاته، واستطاع أن يتستر ويتقنّع بكل أنواع الأقنعة الوطنية واللّاعيب السياسيّة المخادعة، إلّا أنّه في نهاية المطاف لا بدّ أن يأتي يوم ويضمحل وينتهي، ويُزال عنه القناع، وينجلي ليله بصبحٍ مُسفرٍ وضّاء.
لأكثر من ثلاثة عقود عاش الشعب اليمني في حالة بؤسٍ وآلامٍ ومعاناة، يرزح تحت نظامٍ فاسدٍ وعميلٍ وخائنٍ لله والدين والوطن؛ النظام البائد العفاشي الخبيث.
ولأنّه شعبٌ طيب، فقد عاش مخدوعاً بهذا النظام رغم فساده وخيانته، صامتاً يقدّم له الولاء والاحترام والطاعة… حتى أتت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، وخرج الشعب عن صمته مطالباً بحريته واستقلاله.
وبعد أن حقّق الشعب رغبته، وشنّ تحالف الإجرام الصهيو-أمريكي-البريطاني-السعودي-الإماراتي عدوانه عليه لأنه تحرر وقطع يد الوصاية الخارجية، قام الشعب يتصدّى ويدافع عن نفسه.
لكنّ النظام الخائن لم يكن ليعجبه ذلك، وما يزال غارقاً في عمالته وخيانته، يلهث وراء مصالحه.
دبّر مَكيدته وأعلن وقوفه ضدّ العدوان في ظاهر الأمر، وعقد تحالفاً مع الأحرار فقبلوا به وصدقوه وغفروا له ما قد سلف… حتى جاء اليوم المشؤوم: الثاني من ديسمبر، ليُعلن هذا النظام العفاشي على الملأ خيانته وانقلابه على المعاهدات والشراكات والمبادئ والقيم والإنسانية، داعياً حزبه وميليشياته إلى الانتفاضة والانقلاب والفوضى والاقتتال بين أبناء الشعب اليمني، ومُمدّاً يد العمالة للعدوان ليتصالح معه، خائناً دماء الشهداء التي سفكها هذا العدو الذي ادّعى في البداية أنه ضده؛ يريد العودة إلى كرسي الحكم عن طريق المكر والخديعة… لكنّ الله والأحرار كانوا له بالمرصاد.
مرارة الألم وقسوة الخيانة :
يظلّ الثاني من ديسمبر ذكرى ذات طابعٍ مزدوج؛ فقد جمع بين مرارة الألم وقسوة الخيانة، وبين إشراقة الوعي وانبلاج البصيرة.
ورغم الظلام الذي لفّ اليمن في منعطفات تاريخه العصيبة، إلّا أنّ هذا اليوم قد فتح نافذةً من نور الحقيقة، أظهرت ما طُمِس وكشفت الخيانات المتعددة وجوهها وأقنعتها.
الظلام والألم… ثمن الخيانة :
لقد عانى اليمن، عبر سنوات الحرب، من ويلاتٍ لا تُحصى:
تشتّت الأسر، انهيار البنى التحتية، وضياع أحلام الأجيال.
لكن أعظم هذه الآلام كان صدمة الاكتشاف المتكرر بأنّ بعض من كان يفترض أنهم حماة الوطن وسدّاده، كانوا في الواقع يدبّرون مؤامرات الخيانة تحت عباءة الوطنية.
وهنا تحوّل الألم الجسدي والمادي إلى جرحٍ نفسيّ عميق، إلى سؤالٍ وجودي عن معنى الانتماء والوطنية في زمن الابتلاء.
وفي خضم هذا الظلام، جاء الثاني من ديسمبر ليس مجرد حدثٍ أليم، بل نقطة تحوّل في الوعي الجمعي للشعب اليمني؛ فبعد أن كانت الخيانات تُحاك في الخفاء وتسوّق تحت شعارات براقّة، أصبح هذا اليوم بمثابة الشاشة التي عُرضت عليها الحقائق بكل وضوح.
أدرك اليمنيون أن الخيانة العظمى لا تكون فقط بتسليم الأرض للغزاة، بل أيضاً بالتفريط في السيادة، و التلاعب بمشاعر الشعب ومقدّراته، و شرعنة التدخلات الخارجية تحت مسمّيات متعددة.
وتعلّم اليمنيون من خلال هذه المحن أن الخيانة تأتي أحياناً ممن يرفعون الشعارات الوطنية، وأنّ الولاء الحقيقي لا يُقاس بالخطب الحماسية، بل بالمواقف الثابتة في لحظات الاختيار المصيري.
هذا الوعي الذي اكتسبوه جاء نتيجة تجربة عاشوها على أرض الواقع، ودفعوا ثمنها من دمائهم وأمنهم ومستقبلهم.
وها هم اليوم يحملون في وعيهم الجمعي وبصيرتهم الإيمانية دروساً لا تُمحى:
أن الحرية والكرامة والسيادة الوطنية خطوط حمراء لا تقبل القسمة ولا المساومة.
أن الخيانة مهما تعددت ألوانها، تبقى جريمة في حق الأجيال.
أن الوعي الشعبي هو الحصن الحقيقي ضد الاختراقات الداخلية والخارجية.
وأن الوعي الذي انبلج من هذه المحن يشكل رأس مالٍ وطنيّ لا يُقدّر بثمن، يحوّل التجارب المريرة إلى حكمة جماعية، والانكسارات إلى إرادة صلبة للبناء.
الخاتمة :
لم يعد الثاني من ديسمبر مجرد تاريخٍ في التقويم، بل علامة فارقة في الذاكرة الوطنية اليمنية؛ نافذة أطلّ منها الشعب على حقيقة أعدائه، مهما حاول الخونة والعملاء تجميل ذلك اليوم وإعادة تغليفه والترويج له على أنه “ثورة”.
لكنّ الأحرار لم يعد ينطلي عليهم الزيف والخداع، وسيواصلون المضيّ على درب التحرر والاستقلال، تحت قيادة ربانية حكيمة تعمل وفق إرادة الله القوي القهار، ولا تخشى إلا الله.