بل هي مواقع ومدن يمنية!
“غارات عنيفة للتحالف العربي على مواقع الحوثيين”، “مقاتلات التحالف العربي تهاجم مدن الحوثيين”، بمثل هاتين الصياغتين الخادعتين تناولت الصحف المصرية استمرار العمليات العسكرية للسعودية وحلفائها على اليمن.
مواقع ومدن الحوثيين هي مواقع ومدن يمنية، والحوثيون هم مواطنون يمنيون ولم يهبطوا على البلاد التي غابت عنها السعادة خلال العقود والسنوات الماضية لا كغزاة أجانب ولا كمخلوقات فضائية، والمجتمع اليمني لم يئن تحت وطأة الصراعات الطائفية والمذهبية المدمرة التي تحاول أطراف إقليمية فرضها عليه واختزاله في ظلماتها والتلاعب بمقدراته لخدمة مصالحها ومشاريعها التوسعية واستعراضات قوتها، والغارات والمقاتلات والعمليات هي شواهد حرب تشنها آليات عسكرية عربية ضد شعب عربي فقير يعاني اليوم كارثة إنسانية مروعة.
تبرر جامعة الدول العربية، التي أصبحت إرادة السعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى هي الأوضح سيطرة والأكثر فاعلية داخل أروقتها، الحرب ناقلة للخطاب الرسمي السعودي ومتبنية لمفرداته من الدفاع عن حكومة اليمن الشرعية إلى مواجهة التهديدات الإيرانية لأمن العرب القومي. بينما تصمت الجامعة على نحو مريب عن الخسائر البشرية والمادية للحرب، وعن الكارثة الإنسانية التي يعانيها الشعب اليمني جراء نقص إمدادات المياه والغذاء والدواء ومستلزمات الرعاية الصحية الأخرى. وكأن دماء الضحايا المدنيين غير جديرة باهتمام الجامعة، وكأن المرافق العامة التي دمرتها الحرب على اليمن هي مرافق دولة لا تتمتع بعضوية الجامعة، وكأن الشعب اليمني ليس بشعب عربي تمثل حماية سلمه وأمنه وبقائه مهمة رئيسة من مهام الجامعة.
تصمت الدوائر الحكومية والرسمية في مصر عن تواصل الحرب على اليمن، وتمدد المشاركة العسكرية للجيش المصري فيها دون نقاش عام جاد وفي تجاهل شبه تام لحق المواطن والرأي العام فى معرفة أهداف وتفاصيل مشاركة الجيش ــ معرفة من غير إضرار بسلامة القوات المصرية وبمقتضيات الأمن القومي، وتسكت عن مقولات الطائفية والمذهبية ومقولات العداء الكامل لـ “إيران وأذرعها” في بلاد العرب التي تسوقها السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى للتبرير الفاسد للحرب، وتمتنع عن الإشارة إلى الخسائر البشرية والمادية التي أنزلت بالشعب اليمني الذي تحتفظ ذاكرته الجمعية لمصر والمصريين بمكانة خاصة جوهرها دعم الجمهورية في الستينيات وإرسال قوافل المدرسين والأطباء والمهندسين والموظفين للمساعدة في بناء المجتمع الحديث ــ وليس تدميره، وتترك مصر الحكومية والرسمية الحديث العربي عن “دعم اليمن والوقوف إلى جانبه بعد عودة الشرعية ووضع الحرب أوزارها” لتصريحات “المكرمة الملكية” ولوعود العواصم الخليجية.
يخدع الإعلام المصري، إنه بسبب التوجيه المستمر من قبل الدوائر الحكومية والرسمية أو بسبب سيطرة النخب الاقتصادية والمالية عليه وتحالفها مع منظومة الحكم/ السلطة وخشيتها من إغضاب مراكز الثروة الخليجية والكثير من مصالحها ترتبط بها، الرأي العام تارة باستنساخ التبرير الطائفي والمذهبي الفاسد للحرب على اليمن، وثانية باستنساخ العداء غير العقلاني لإيران ــ التي بالقطع تتعارض بعض مصالحها وأدوارها مع المصالح العربية ومع الأمن القومي العربي، غير أن الحوار والتفاوض معها لهما فاعلية أمضى بكثير من المواجهات العسكرية والحروب المباشرة أو بالوكالة، وثالثة بالصمت عن الخسائر البشرية والمادية وبالتورط فى إسقاط تصنيفات فاسدة على الشعب اليمني (السنة والشيعة) وفي الاستعلاء على دماء اليمنيين، ورابعة بالامتناع عن المطالبة بمعرفة أهداف وتفاصيل المشاركة العسكرية المصرية فى الحرب. وكما الإعلام، كما النخب الفكرية والثقافية والحزبية باستثناءات محدودة.
منكم أعتذر أصدقائي أهل اليمن، وباسمكم واسم قيم العروبة الحقة والإنسانية المخلصة سأظل أطالب بوقف الحرب والبحث عن حلول سلمية وتفاوضية تستعيد سلمكم وأمنكم وتنقذ المجتمع والدولة من دينامية التفتت الصومالي ومن براثن الإرهاب ومن صراعات القوى الإقليمية الطامعة والمدفوعة بأجندات طائفية ومذهبية غريبة عنكم.
بقلم: عمرو حمزاوي/ صحيفة الشروق المصرية
المصدر: مركز بيروت لدراسات الشرق الاوسط