فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .. بوابة التحرر وبناء الثقة بالله في فكر الشهيد القائد
في زمنٍ تختلط فيه المفاهيم الإيمانية، ويُفرَّغ التوحيد من مضمونه الجهادي والعملي، تأتي قراءة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ، رضوان الله عليه لآية {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ}، لتُعيد الاعتبار إلى جوهر العقيدة الإسلامية كقوة محرِّكة للحياة، لا كجملةٍ محفوظة على الألسنة ،
يمانيون / تحليل / خاص
يطرح الشهيد القائد تساؤلًا جوهريًا .. لماذا يُؤمر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، وهو أعلم الخلق بالله، بأن يعلم أنه لا إله إلا الله؟ هذا السؤال مدخلٌ عميق لإعادة بناء العلاقة بين الإيمان والسلوك، بين التوحيد والثقة بالله، بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي.
الأمر بالعلم للترسيخ والارتقاء ![]()
الشهيد القائد يُفنِّد التصور السطحي الذي يفترض أن العلم بـ”لا إله إلا الله” ينتهي عند لحظة النطق بها، ويُبرز حقيقة قرآنية واضحة، أن التوحيد درجات، وأن علم النبي صلوات الله عليه وآله ، لا يُقارن بعلم أحد، ومع ذلك يؤمر بأن “يعلم” ، ذلك لأن المقصود هنا هو الرسوخ الواعي المتجدد في العلم بالله ، والترقي في المعرفة العملية التي تنعكس على الموقف والسلوك ، فالتوحيد في فكر الشهيد القائد ليس شعارًا عاطفيًا، بل منظومة وعي وبصيرة وثقة، تتجسد في الموقف السياسي، والموقف من المال، والخوف، والطاعة، والعدو والصديق.
التوحيد ميزان للسلوك
في قراءة الشهيد القائد، تصبح عبارة “لا إله إلا الله” بوصلة شاملة توجه الإنسان في كل صغيرة وكبيرة، ومن هنا، فإن الخوف من غير الله ضعف في التوحيد ، والخضوع للطغاة انحراف عن لا إله إلا الله ، كما أن السكوت عن الحق قلة ثقة بالله ، والتكاسل عن النهوض قصور في معرفة الله.
يقول رضوان الله عليه : “لو كنا نعلم أنه لا إله إلا هو لانطلقنا في هذه الدنيا صواريخ لا أحد يوقفنا أبداً.”
إنها عبارة تعكس الرؤية الجهادية للتوحيد، التي ترى في “لا إله إلا الله” وقودًا للتحرر من الخوف، والذل، والاستسلام.
أزمة الأمة هي أزمة ثقة بالله
أخطر ما تكشفه قراءة الشهيد القائد للآية أن الخلل العميق في واقع الأمة الإسلامية ليس في النصوص، ولا في كثرة الذكر، بل في انفصام ثقة المسلمين بالله ، فالناس تقول “لا إله إلا الله”، لكنهم يخافون من أمريكا وإسرائيل ، ويتبعون الطغاة من أجل المال أو الأمن ، ويتخلّون عن الحق ويقايضونه بالمناصب.
هذا بحسب تعبير الشهيد القائد أسوأ حتى من شرك الجاهلية، لأن الآلهة في عصرنا الحديث لم تُعبد كأصنام، بل كقوى بشرية تُطاع وتُخشى وتُتَّبع ، وهنا يكمن الإعجاز القرآني، حين يقول الله لنبيه: {فَاعْلَمْ}. أي أن المطلوب وعيٌ حيٌّ، متجدد، يقظ، لا معرفة تقليدية راكدة.
دلالة الاستغفار بعد العلم بالتوحيد
يُلفت الشهيد القائد الانتباه إلى أن الآية لا تقف عند: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ}، بل تواصل: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}
ما دلالة ذلك؟ .. أن النقص في التوحيد الحقيقي يُورِث الذنب والتقصير، وأن الاستغفار هنا ليس مجرد توبة، بل شعور بالمسؤولية عن ضعف الإدراك الجماعي لله ، وأن من يُدرِك عظمة التوحيد يستشعر حجم تقصيره وتقصير أمته في تطبيقه ، فالاستغفار في هذه القراءة ليس انعزالًا روحيًا، بل شعور بحجم المهمة، وبثقل مسؤولية بناء مجتمعٍ موحِّدٍ، يثق بالله، ولا يخاف إلا منه.
بناء الثقة بالله يبدأ من ترسيخ “لا إله إلا الله” كقضية وعي
الشهيد القائد لا يدعو إلى ترديد “لا إله إلا الله” كشعار أجوف، بل كـ”مشروع تثقيفي”، و”مدرسة تربوية” ترسِّخ هذا المعنى في العقيدة ، والخطاب السياسي ، والسلوك الاجتماعي ، والولاء والبراء.
إنه يقترح عمليًا أن يجلس الناس سنة كاملة لترسيخ هذا المعنى في نفوسهم، لا ليحفظوه فقط، بل ليعيشوه وعيًا وموقفًا وثقة ويقينًا.
لا إله إلا الله .. مشروع مواجهة حضاري
بفكر الشهيد القائد، تصبح “لا إله إلا الله” ، مواجهة مع الطغيان السياسي ، ورفضًا للاستعمار والاستكبار، وتحصينًا من الانهزام الداخلي ، واستعدادًا للتضحية في سبيل الله ، وليست مجرد تذكرة للآخرة، بل راية تحرير في الدنيا قبل الآخرة.
خاتمة:
يقدّم الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في سلسلة دروس معرفة الله ، درس الثقة بالله، قراءة دلالية تستحق التأمل في آية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ، قراءة تُعيد التوحيد إلى مركز الفعل، وتُحوله من عقيدة محفوظة إلى قوة تحررية حية ، إنها دعوة للوعي، للثقة، للثبات، للجهاد، للحرية، والانطلاق في درب الله بلا تردد .. لأنها تبدأ من أعظم حقيقة .. لا إله إلا الله.