Herelllllan
herelllllan2

سيادة الردع وحصار الأعداء .. كيف أعاد اليمنيون رسم خريطة البحر الأحمر الاستراتيجية؟

في زمنٍ تتسابق فيه القوى الدولية لإحكام قبضتها على الممرات البحرية، برز اليمن، خلال السنوات الأخيرة، كلاعب مفاجئ وغير تقليدي في قلب معادلات الأمن البحري الإقليمي والدولي،  فمن دولة أُهملت استراتيجياً لعقود، إلى قوة بحرية صاعدة تُعيد صياغة التوازنات في البحر الأحمر وباب المندب، يُظهر اليمن تحولاً لافتًا من الحضور الهامشي إلى التأثير العالمي المباشر.

يمانيون/ تقرير/ طارق الحمامي

 

هذا التقرير يتناول بعمق كيف استطاع اليمنيون تحويل الموقع الجغرافي الاستراتيجي من مجرد ميزة نظرية إلى ورقة ضغط فاعلة في ساحة الصراعات الإقليمية والدولية، كما يسلط الضوء على الكيفية التي فرضوا بها معادلة “القوة البحرية المتوازنة”، والتي نقلت السيطرة من إشراف خارجي مهمل إلى سيادة يمنية رادعة ذات أبعاد أمنية وسياسية واضحة.

ويتوسع التقرير أيضًا في تحليل دور اليمن كـ”حارس البحر الأحمر”، الذي لا يكتفي بحماية مياهه الإقليمية، بل يضطلع بمهام أوسع تشمل فرض حصار بحري شامل على السفن المرتبطة بالعدو الصهيوني، ومنع مرورها عبر الممرات الخاضعة لرقابته، في إطار موقفه المبدئي في مساندة غزة ،  وهو تحرك يحمل دلالات استراتيجية عميقة، سواء على مستوى الموقف السياسي من قضايا الأمة، أو في سياق إعادة توزيع النفوذ البحري في المنطقة.

وتكمن أهمية التقرير في أنه يرصد تحولات جيوسياسية غير تقليدية يقودها  اليمن في بيئة دولية مزدحمة  بأطماع القوى الكبرى.

 

موقع استراتيجي حاسم

يشرف اليمن على مضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويمر عبره ما يقرب من 10% من تجارة النفط العالمية وأكثر من 12% من التجارة البحرية الدولية،  تاريخيًا كان هذا الموقع مصدرًا للأهمية السياسية والاقتصادية لليمن، لكنه في السنوات الأخيرة تحول إلى نقطة ارتكاز في معادلات الأمن الدولي والطاقة، وهوما جعل الدول الاستعمارية تتسابق في إحكام السيطرة البحرية عليه .

 

من السيطرة الإقليمية إلى التأثير العالمي

شهد الدور اليمني في البحر الأحمر تحولًا نوعيًا، من مجرد وجود جغرافي تقليدي إلى لاعبٍ فعّال يؤثر في الحسابات العالمية للملاحة والتجارة والأمن البحري،  لم يكن هذا التحول فقط عسكريًا، بل حمل بعدًا عقائديًا ورؤية تربط بين تحرير القرار اليمني والسيادة الوطنية، ومواجهة الهيمنة الأمريكية والصهيونية ،

قبل انطلاقة “المسيرة القرآنية”، كان دور اليمن في البحر الأحمر يتسم بضعف السيطرة العسكرية والسياسية على السواحل والممرات ، وارتهان القرار اليمني للضغوط الخارجية والهيمنة الخليجية ، بالإضافة إلى انعدام المبادرة في استخدام الموقع الجغرافي بما يخدم القضايا القومية أو مصالح الشعب اليمني ،  رغم أهمية موقعه في باب المندب.

 

 انبعاث الدور اليمني في عهد المسيرة القرآنية المباركة 

مع صعود أنصار الله إلى واجهة المشهد السياسي والعسكري في اليمن ، حصل تغير جوهري في طبيعة الدور اليمني، يتمثل في تحرير القرار السيادي وأصبح اليمن، للمرة الأولى منذ عقود، يتعامل مع موقعه الجغرافي من موقع القوة لا التبعية ، وتم فرض معادلات الردع في البحر الأحمر، من جانب آخر وفي سياق دعم القضية الفلسطينية، بدأت القوات البحرية اليمنية  عمليات نوعية ضد السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني أو الداعمة له.

هذا أدى إلى إعادة تشكيل المعادلة الأمنية في البحر الأحمر، مما دفع القوى الكبرى وعلى رأسها (الولايات المتحدة، بريطانيا، وغيرها) إلى نشر قواتها، ما يدل على قوة التأثير ، وبالتالي لم يعد الدور اليمني مقتصرًا على الإطار المحلي أو الإقليمي، بل اتسع ليشمل التوازنات الدولية في البحر الأحمر،  فالقوات المسلحة اليمنية والقوات البحرية تحديداً ، استخدمت الموقع البحري ليس فقط كورقة ضغط، بل كأداة لإعادة تشكيل طبيعة العلاقة بين الشرق والغرب في هذا الممر الحيوي، من خلال فرض قواعد اشتباك جديدة، وتموضع استراتيجي في باب المندب ومحيطه.

 من إشراف مهمل إلى سيادة رادعة .. اليمنيون يفرضون معادلة القوة 

على مدى عقود، بقي الإشراف اليمني على البحر الأحمر جزئيًا، أشبه بوجود رمزي ضمن معادلات تسيطر عليها القوى البحرية الدولية،  لكن في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الوعي الجيوسياسي لدى صناع القرار اليمنيين، تغيرت هذه المعادلة جذريًا ، وهذا التحول النوعي تجسد في ثلاثة محاور رئيسية:

الردع الموجه والدقيق : من خلال استهداف نوعي لسفن محددة مرتبطة بجهات أجنبية، أعاد اليمنيون تعريف طبيعة الردع البحري، لا كفعل عشوائي، بل كأداة توازن محسوبة تُعيد رسم الخطوط الحمراء في الملاحة.

الاستخدام السيادي للموقع الجغرافي : تحوّل الموقع من معبر تمر عبره السفن دون رقابة فعلية، إلى منطقة سيادة نشطة، تُمارس فيها الرقابة، والاعتراض، والمحاسبة أحيانًا.

خلق واقع بحري جديد : لم تعد القوى الكبرى وحدها تتحكم في البحر، بل بات اليمن شريكًا قسريًا في صنع القرار البحري، حتى لو لم يُعترف به رسميًا.

 

اليمن يمنع العدو الصهيوني من المرور ويفرض حصارًا بحريًا شاملًا

في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية وسياسية بعيدة المدى، فرض اليمنيون حصارًا بحريًا شاملًا على السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،  وقد تم تنفيذ هذا الحصار من خلال رصد دقيق لحركة السفن في خليج عدن وباب المندب، مدعومًا بقدرات استخباراتية متقدمة وعمليات بحرية تكتيكية ، وأبرز ملامح هذا الحصار يتمثل في منع مرور أي سفينة مرتبطة بموانئ أو شركات تابعة للعدو الإسرائيلي ، حتى وإن كانت ترفع أعلامًا أجنبية ، واستهداف السفن ذات العلاقة التقنية أو التجارية مع العدو الإسرائيلي، وتوسيع نطاق الردع ليشمل البحر العربي وخليج عدن، ما وسّع الخناق على الكيان الصهيوني من الجنوب، في الوقت الذي يواجه فيه ضغوطًا شمالية وغربية من جبهات أخرى.

وقد أكد السيد القائد يحفظه الله في أكثر من مناسبة عن أن هذا الحصار هو جزء من الالتزام الثابت بالقضية الفلسطينية، وامتداد طبيعي للدور اليمني الإيماني والأخلاقي في مواجهة العدوان والاحتلال،  هذا الموقف عزّز من صورة اليمن كلاعب استراتيجي ، لا يكتفي بالدفاع عن حدوده، بل يستخدم موقعه البحري للتأثير في مجريات الصراع الإقليمي والدولي.

 

اليمن  .. حارس للبحر الأحمر

في ظل هذا التصاعد، أصبح اليمن في كثير من التحليلات يوصف بـــ الحارس للبحر الأحمر، وهو توصيف لا يُشير فقط إلى القوة، بل إلى قدرة الفعل وردّ الفعل، والتأثير المباشر على أمن خطوط التجارة العالمية.

 

خلاصة

تحوّل اليمن من مجرد بلد مطل على البحر الأحمر إلى طرف رئيسي في معادلة الملاحة الدولية ليس مجرد تطور تكتيكي، بل تغيير استراتيجي يحمل في طياته مستقبلًا جديدًا للمنطقة،  من إشراف مهمل إلى سيادة رادعة، ومن تهميش إلى مركزية، ومن موقف دفاعي إلى حصار هجومي، يكتب اليمن فصلًا جديدًا في تاريخ الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com