الصيد .. الثروة التي تمنع دول العدوان شباب اليمن من امتلاكها
في بلد يطل على شريطٍ ساحلي يزيد عن 2500 كيلومتر، ويمتلك موقعًا جغرافيًا استراتيجيًا يتحكم في أحد أهم الممرات البحرية في العالم، يبدو البحر بالنسبة لليمن أكثر من مجرد محيط أزرق، إنه فرصة اقتصادية كبرى، وثروة مهدورة، يمتلك موارد هائلة من الثروة السمكية، ومستقبل قد ينبثق من تحت الأمواج إذا ما استُثمرت الطاقات الشابة بشكل صحيح، ويطل على بحرين استراتيجيين هما البحر الأحمر والبحر العربي، مما يمنحه أهمية لا تقل عن أهميته السياسية والاقتصادية الجيوستراتيجية.
يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي
هذا التقرير يستعرض واقع الصيادين من الشباب اليمني، الذين يشكلون الركيزة الأساسية لمستقبل القطاع البحري، ومدى قدرتهم على استعادة المهنة البحرية وتطويرها إلى قطاع إنتاجي يحقق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية، كما يتناول التقرير التحديات التي تواجه هذه الطاقات الشابة، والتي تتمثل في الاحتلال البحري من قبل دول العدوان وعلى رأسها السعودية والإمارات، التي تسعى للهيمنة على السواحل اليمنية ومنع اليمن من تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستفادة من ثرواته البحرية.
كما يسلط التقرير الضوء على إمكانات اليمن البحرية الهائلة مقارنة بدول أخرى استطاعت بناء صناعات سمكية متقدمة بالرغم من مساحتها البحرية الأصغر، مع التركيز على التطلعات المستقبلية لتنمية الثروة السمكية وفق منهج المسيرة القرآنية المباركة، التي تؤكد على الاستدامة، والعدالة، وسيادة القرار الوطني.
إن استعادة البحر إلى قلب الاقتصاد الوطني ضرورة حيوية للنهوض الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة في اليمن، ومن خلال هذا التقرير، نوجه دعوة ملحة لتكوين جيل بحري منتج، يُعيد لليمن مكانته في المحيطات، ويحول البحر من مجرد مساحة مائية إلى منبع حياة وازدهار.
البحر .. الثروة المنسية
رغم الإمكانات البحرية الهائلة التي يمتلكها اليمن، إلا أن قطاع الصيد البحري يعاني من تراجع كبير منذ عقود، زاد تراجعاً بعد العدوان الغاشم الذي شنته دول التحالف على اليمن، إحصاءات حديثة تشير إلى أن أكثر من 70 ألف صياد يمني يعتمدون على البحر كمصدر رئيسي للدخل، لكن معظمهم يعملون في ظروف صعبة، بمعدات بدائية، ويواجهون تحديات كبيرة، منها تراجع الثروة السمكية، وانتشار الصيد الجائر، وتلوث المياه.
حلم الشباب بالعودة إلى الجذور
يمثل الشباب العامل في مهنة الصيد البحري في اليمن عماد هذا القطاع الحيوي، وهم الجيل الذي يحمل على عاتقه مسؤولية إعادة البحر إلى مكانته الطبيعية في الاقتصاد الوطني، يتطلع هؤلاء الشباب، الذين ورثوا المهنة عبر أجيال، إلى استعادة مكانة الصيد كمصدر رزق كريم ومستدام، وليس فقط كوسيلة للبقاء.
بالرغم من الظروف الصعبة التي يواجهها الصيادون، من تراجع الثروة السمكية، وقلة الدعم الفني، وغياب البنية التحتية، إلا أن الشباب لا يزالون مرتبطين بالبحر ارتباطًا وثيقًا، يسعون إلى تطوير مهاراتهم واستخدام تقنيات أفضل تضمن لهم الإنتاجية والاستدامة.
ويأتي هذا التطلع استجابة طبيعية لحاجة اليمن إلى إعادة بناء اقتصاده من خلال تنمية القطاعات المنتجة، حيث يختار الكثير من الشباب البحر طريقًا للعيش الكريم بدلاً من البطالة أو الهجرة غير الشرعية.
ويعكس ارتباط الشباب بالبحر أملًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتوفير فرص العمل، وإعادة تعزيز الهوية الوطنية التي ترتبط بالبحر والثروات البحرية، فالعودة إلى الصيد ليست مجرد مهنة، بل استعادة لجزء من التراث اليمني العريق الذي ارتبط بالسواحل والبحر عبر قرون.
في ظل هذه الرغبة، يبقى التحدي الأكبر هو توفير الدعم اللازم لهؤلاء الشباب، سواء عبر تأمين معدات حديثة، أو بناء موانئ صغيرة، أو تسهيل وصولهم للأسواق، وخلق بيئة مناسبة للنمو البحري المستدام.
مستقبل الصيادين .. بين الأهمية الاستراتيجية والأطماع الاستعمارية
لا يمكن الحديث عن البحر في اليمن دون التوقف عند موقعه الجغرافي الفريد الذي لطالما جعله محط أطماع القوى الإقليمية والدولية. فاليمن يتحكم بمدخل البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، ويُشرف على واحد من أهم خطوط الملاحة البحرية في العالم، وهو ما يجعله بلدًا ذا قيمة استراتيجية لا تُقدّر بثمن.
في ظل هذه الأهمية، لم يكن الشباب اليمني العامل في البحر بعيدًا عن آثار التنافس الدولي، بل إنهم في قلب المعادلة، بين تطلعاتهم المشروعة لبناء مستقبل منتج، وبين واقع من التدخلات الخارجية التي تهدف إلى السيطرة على السواحل، ونهب الموارد البحرية، وتعطيل أي نهوض وطني حقيقي ، ويعي الشباب اليمني هذه الخطورة حيث يجدون أن السواحل اليمنية ليست مجرد شواطئ بل إنها بوابات سيطرة ، كلما حاولوا النهوض ، ظهرت قوى خارجية لتحول البحر من فرصة إلى تهديد .
كيف تسحق السعودية والإمارات أحلام الاكتفاء والسيادة؟
لم تكتفِ السعودية والإمارات بدورهما في العدوان العسكري، بل تجاوزتاه إلى تنفيذ استراتيجية خنق اقتصادي وبحري لليمن، من خلال السيطرة على أبرز الموانئ والجزر الحيوية، الإمارات تمركزت في سقطرى، ميون، المخا، وذُباب، وأقامت قواعد عسكرية، بينما ركزت السعودية على السواحل الشرقية وحضرموت والمهرة.
لم يكن الهدف عسكريًا فقط، بل اقتصاديًا واستراتيجيًا، لتمنع اليمن من استعادة قراره البحري، وإحباط أي مشروع وطني يعتمد على البحر كمورد تنموي مستقل ، ولتحقيق ذلك، استعانتا بمرتزقة محليين، عملوا على تعطيل الموانئ وتحويلها لثكنات ، ومنع إنشاء أسواق وتعاونيات بحرية ، وتقييد حركة الصيادين ومصادرة أدواتهم ، وتسهيل تهريب الثروة السمكية إلى الخارج ، هذه السياسات الممنهجة تستهدف قتل أي حلم يمني بالاكتفاء، وتحويل البحر من منقذ اقتصادي إلى ساحة استنزاف وخضوع.
البحر مستقبل اليمن
حين ننظر إلى خارطة العالم، يصعب أن نغفل الإمكانات البحرية التي تمتلكها اليمن، فالدولة تطل على بحرين استراتيجيين، وتمتلك مساحة بحرية تقدر بأكثر من 500 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل عشرة أضعاف المساحة البحرية لعدد من الدول التي حققت الاكتفاء والتصدير ، وفي اليمن، لا ينقطع موسم الصيد طوال العام، بفضل تنوع المناخ والتيارات البحرية، في البحر الأحمر والبحر العربي ، وهناك نماذج ملهمة من دول صغيرة أنجزت الكثير:
موريتانيا: تُصدّر الأسماك إلى أوروبا رغم محدودية إمكاناتها.
عُمان: اكتفاء ذاتي وتصدير إلى أكثر من 50 دولة.
إندونيسيا: من أكبر منتجي الأسماك عالميًا بفضل دعم الصيادين وتنظيم القطاع.
هذه الدول لا تملك ما يملكه اليمن، لكنها امتلكت رؤية وإرادة وسيادة على قرارها.
الرؤية المستقبلية لتنمية الثروة السمكية في فكر المسيرة القرآنية المباركة
في ظل كل التحديات التي تواجه اليمن، تبقى المسيرة القرآنية المباركة منارة هداية تلهم الأجيال، وتوجه جهود التنمية وفق قيم الحق والعدل والاستدامة التي حثّ عليها القرآن الكريم الذي يذكر البحر كأحد آيات قدرة الله في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا…) [سورة النحل: 14]
مما يؤكد أن البحر رزقٌ يجب استثماره وفق حكم الله ، وتستلهم المسيرة هذه القيم لتؤسس رؤية تنموية مستدامة، تنطلق من الإيمان بأن البحر هو أمانة إلهية، ومسؤولية وطنية وأخلاقية، تتطلب تنمية الإنسان والمهارة، حيث يتم إعداد وتأهيل الصيادين الشباب بالعلم والعمل المنتج، مستندين إلى روح الجد والاجتهاد والاعتماد على النفس ، والتوجه الجاد نحو حماية البيئة البحرية، من خلال المحافظة على التوازن الطبيعي، ومكافحة الصيد الجائر والتلوث، ليظل البحر حيًا ومزدهرًا لأجيال المستقبل ، وغير بعيداً عن ذلك التطلع إلى إرساء منظومة اقتصادية تشاركية بين الصيادين، لتحقيق تكافؤ الفرص فرص بعيدًا عن الاحتكار والاستغلال،
وكل الآمال والطموحات لتحقيق ذلك مرهون باستعادة السيطرة على الشواطئ والموانئ، وترسيخ قواعد تنموية تحقق استقلال القرار، وهو ما سيتم بإذن الله تعالى بقيادة حكيمة وضعت في قائمة أولوياتها تعزيز قوة اليمن الاقتصادية والاعتماد على الذات .
البحر ليس حلماً .. بل هو الحل
البحر اليمني ليس مجرد حدود مائية ، إنه الفرصة التي تأخرت، والثروة التي تنتظر من يستعيدها ويحميها ويُحسن إدارتها ، إن النهوض البحري اليمني لن يتحقق في ظل الاحتلال البحري المقنّع، ولا بوجود المرتزقة الذين يمنعون الشعب من لمس ثرواته ،النصر الاقتصادي لا يقل أهمية عن النصر العسكري، والبحر هو جبهة الصمود المقبلة ، ومن يملك البحر، يملك قراره. ومن يُحرر شواطئه، يُحرر اقتصاده.