عطاء يصنع النصر .. قراءة قرآنية في فلسفة الإنفاق
في سياق قرآني فريد يُجسّد عمق العلاقة بين الإنسان وربّه، تأتي آية الإنفاق من سورة البقرة لتقدّم مبدأً إيمانيًا واجتماعيًا وإنسانيًا شاملًا، يتجاوز المفهوم الضيّق للعطاء، ليشكّل نواةً لمشروع حضاري قرآني قائم على الثقة بالله، والتكافل، والعدالة، والتفكر في النعم، والحياء من الخالق الكريم ، قراءة إنسانية وعملية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) ، في قوله سبحانه وتعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ، فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} (البقرة: 261)
يمانيون / تحليل / خاص
هذه الآية الكريمة ، تُرسم صورة بلاغية مدهشة تُجسّد العطاء المتضاعف كثمار مباركة، وقد توقّف الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) أمام هذه الآية تأملاً وتفسيراً، ليكشف عن فهم متكامل وعميق يربط بين الإيمان، والسلوك الفردي، والبناء المجتمعي.
وهذا التحليل يستعرض الرؤية القرآنية كما فسرها الشهيد القائد ، بدءً بالبُعد الإيماني ، حيث رأى أن الإنفاق برهان على صدق الثقة بالله وكرمه ، وكذلك البُعد الأخلاقي والإنساني ، الذي يرى أن الإنفاق فعل من الحياء والرحمة والوفاء لله ، وأخيراً البُعد العملي والاجتماعي حيث العطاء وسيلة لبناء أمة متماسكة، عادلة، وقوية.
الدلالة الإيمانية .. الإنفاق كأعلى درجات الثقة بالله ![]()
يرى الشهيد القائد أن أساس الإنفاق هو الثقة بالله، والإيمان العميق بوعده الصادق، فالله لا يدعو عباده للبذل ليفقرهم، بل ليربيهم بالعطاء ، ’’ما ستنفقه هو سيخلفه عليك .. ولكن لم نعد نثق بالله، ومن أين هذا الذي في يدك إلا منه؟’’
في هذا السياق، الإنفاق اختبار إيماني، وميزان يقيس درجة الصدق في العلاقة مع الله، وما في يد الإنسان ليس من كده وحده، بل هو من فيض رزق الله، فكيف يُمسَك عن خالقه ورازقه؟
الدلالة الإنسانية .. الإنفاق حياء من الله وتقدير لنعمه
من أروع ما استوقف الشهيد القائد في تأملاته هو الربط بين الإنفاق والحياء من الله، فالله لا يطلب الكثير، بل القليل، ثم يضاعف العطاء، ويكرم المعطي أضعافًا مضاعفة ، ’’ليس هذا تفضلاً؟ أليس هذا كرماً؟ .. الإنسان يخجل أمام الله لو تتأمل هذه الآيات بصدق…’’
هنا يتحول العطاء من مجرد عبادة أو التزام، إلى شعور حيّ بالوفاء، بالحياء من الله، بالكرامة الإنسانية أمام هذا الكرم الإلهي.
الدلالة الاجتماعية .. الإنفاق لبناء مجتمع متكافل وقوي
يشدد الشهيد القائد على أن الإنفاق ليس مسألة فردية، بل مسؤولية جماعية، لأنه يعود بالنفع على العباد والمجتمع ككل
’’ما ستنفقه في سبيله هو يعود على مصلحتك أنت، وعلى مصلحة العباد الذين مصلحتك جزء من مصلحتهم’’
من هذا المنظور، يصبح الإنفاق ، (أداة لمحاربة الفقر ، ووسيلة لسد حاجات الأمة ، وأسلوبًا لبناء مجتمع لا يركع للحاجة ، إنه سلوك تحرّري، يقطع التبعية، ويُعيد للأمة كرامتها واستقلالها)
رحمة الله تتجلّى في دعوة الإنفاق
يؤكد الشهيد القائد أن الآية ليست فقط وعدًا، بل تجلٍّ من تجليات رحمة الله الواسعة ،’’يعطينا شيئاً بسهولة، ويطلب منا أقل القليل، ويعدنا بأنه سيخلف علينا أكثر مما سنعطي’’ ، فالله لا يريد من عباده أن يعطوا ليحرموهم، بل ليعود عليهم بالنفع والفضل، ويربيهم بالكرم، لا بالمنع، ليكون الإنفاق، في فكر الشهيد القائد، هو رحمة قبل أن يكون فريضة.
من الإنفاق إلى التفكر .. دعوة قرآنية للوعي الحضاري
يتسع التأمل في فكر الشهيد القائد ليشمل ربط الإنفاق بالتفكر في النعم والكون، وبقيمة العلم والإبداع، من خلال قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ…} (لقمان: 20) ، فالقرآن الكريم يدعو إلى التأمل، والتقدير، والتفكر الذي يفضي إلى ، محبة الله وخشيته ، وشكر النعمة بدل كفرانها ، وانطلاق الأمة نحو العلم والابتكار، الإنفاق يصبح في هذا الإطار بوابة لوعي شامل، ونافذة على الكون، وطريقًا لفهم نعم الله ومقاصده.
الإنفاق كفلسفة قرآنية لبناء الإنسان والأمة
تتجاوز قراءة الشهيد القائد للآية مجرد التفسير، لتتحوّل إلى مشروع إيماني، أخلاقي، ونهضوي، فهو لم يرَ فيها فقط دعوة للعطاء، بل دعوة للإيمان الحقيقي ، للحياء من الله، للتكافل المجتمعي ، للتفكر في النعمة والكون ، إنها آية تبني الفرد وتنهض بالأمة، وتعيد وصل الروح بالله، والعقل بالواقع، والقرآن بالحياة.