Herelllllan
herelllllan2

الثقافة القرآنية .. درع اليمن في وجه الغزاة وتحصين الجبهة الداخلية

في الوقت الذي تتعرض فيه الأمم والشعوب لمحاولات إخضاع واحتلال من قِبل قوى الاستكبار العالمي، لا تكون المواجهة العسكرية وحدها كافية لصنع النصر أو ضمان الصمود، بل تتطلب المواجهة ما هو أعمق ،  بناء وعيٍ شعبيٍ متين، وترسيخ ثقافة قادرة على مقاومة الحرب الناعمة، وإعداد جبهة داخلية لا تتصدع أمام الضغوط أو المغريات.

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

 

في هذا السياق، تبرز الثقافة القرآنية كعامل محوري في التجربة اليمنية الفريدة،  لقد تحوّلت من مجرد خطاب ديني إلى مشروع نهضوي شامل، بُني على أسس قرآنية واعية، أسهمت بفعالية في تحصين الداخل اليمني، وتشكيل عقيدة الصمود لدى الناس، في مواجهة آلة الحرب والحصار والتضليل الإعلامي والسياسي.

ويأتي هذا التقرير ليسلط الضوء على الدور الحيوي الذي لعبه الفكر القرآني في بناء الجبهة الداخلية فكريًا وروحيًا، وكيف ساهم في توجيه المجتمع نحو الصبر والثبات، وإفشال مخططات الغزو الناعمة والخشنة، من خلال ، غرس مفاهيم الهوية الإيمانية ، ورفع مستوى الوعي الجمعي تجاه المؤامرات الخارجية، وتعزيز الارتباط بالقرآن كمصدر قوة وبوصلة للموقف.

كما يُبرز التقرير أهمية هذا المشروع الثقافي في ظل التحديات المعاصرة التي تستهدف تفكيك المجتمعات من الداخل، ويبيّن كيف استطاع اليمن، عبر هذه الثقافة، أن يتحوّل من موقع الدفاع إلى موقع الفعل، وأن يبني حالة وعي جماهيري شكّلت خط الدفاع الأول والأقوى في وجه الغزاة والمعتدين.

 

مفهوم الثقافة القرآنية .. منهج شامل للحياة 

لطالما اقترن مفهوم القرآن الكريم في أذهان الكثيرين بمجرد التلاوة والحفظ دون تدبر، لكنّ الثقافة القرآنية، كما طرحتها المسيرة القرآنية، قلبت هذه الصورة التقليدية رأسًا على عقب، وقدّمت قراءة معاصرة للقرآن الكريم بوصفه منهجًا شاملًا للحياة، ودستورًا للتحرر، ومصدرًا للوعي والبصيرة ، وفي هذا الطرح، لم يعد القرآن الكريم نصًا جامدًا يُقرأ في العزاء أو المناسبات، بل أصبح ، منهج بناء للإنسان ، يزرع القيم، ويعيد تشكيل السلوك، ويحرر الإنسان من الخوف والخضوع لغير الله ، ومصدرًا لفهم الواقع السياسي والاجتماعي، فآيات القرآن لا تتحدث عن ماضٍ منقطع، بل ترشد لفهم الحاضر، وتكشف طبيعة الصراع بين الحق والباطل ، كما أنه بوصلة للموقف ، حيث لا يكتفي القرآن بإثارة العاطفة، بل يرشد نحو اتخاذ مواقف واعية من الظلم والطغيان والاستكبار، ويُعلّم الناس كيف يقفون في وجه العدوان.

 

القرآن ككتاب مواجهة وليس كتاب طقوس

المسيرة القرآنية لم تطرح العلاقة مع القرآن على أنها علاقة “روحانية مغلقة”، بل علاقة عملية، حيوية، تحاكي تحديات الواقع ،  فقد قدّمت الثقافة القرآنية كأداة مقاومة وفهم، حيث تُستخرج الآيات لتفسير الأحداث الراهنة،  كعداوة المستكبرين، وخداع المنافقين، ووسائل التضليل الإعلامي ، ويتم الربط بين سنن الله في التاريخ وسنن الصراع المعاصر، ويُستحضر الأنبياء كقادة مقاومة، لا فقط رموزًا للسلام أو الدعوة الوعظية ، لقد عمّدت الثقافة القرآنية  كسر الحاجز النفسي بين الإنسان والقرآن، فأصبح الناس يرونه كتابًا ناطقًا بحقائق اليوم، ومرشدًا عمليًا لما يجب أن يُقال ويُفعل ويُواجه.

 

أبعاد الثقافة القرآنية في مشروع المسيرة

 البُعد الفكري .. فضح الهيمنة الثقافية الغربية، وكشف أساليب الغزو الفكري والديني ، وتحرير العقول من الانبهار بالغرب، وتعزيز الثقة بالهوية الإيمانية.

البُعد النفسي والروحي .. تنمية الثقة بالله، والاطمئنان لوعده بالنصر للمستضعفين ، وترسيخ مفاهيم الثبات والتوكل والصبر والجهاد.

 البُعد السياسي والاجتماعي .. تعرية سياسات أمريكا وإسرائيل كعدوين و كرمزين للاستكبار العالمي ، وبناء الوعي الشعبي تجاه المؤامرات ومخططات السيطرة على الأمة.

 

القراءة القرآنية الثورية للشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه

الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي  أحيا هذا المفهوم الحيّ للقرآن، حيث قدّم في ملازمه ومحاضراته تفسيرًا يتسم بالتحليل العميق، والمقاربة الواقعية، والربط المباشر بين الآيات الكريمة والواقع السياسي المعاصر،  لقد أعاد الاعتبار للقرآن بوصفه مرشدًا للحركة الثورية، لا فقط موعظة للعبّاد، وقال (علينا أن نتثقف بالقرآن الكريم، ثقافة تولد الوعي، وتكشف العدو، وتصنع الإنسان المؤمن القوي الذي لا ينكسر)

إن الثقافة القرآنية، كما طُرحت في مشروع المسيرة القرآنية، ليست مجرد زخرفة دينية أو شعارات أخلاقية، بل هي مشروع تحرر حقيقي، يضع القرآن في موقعه الطبيعي كقائد للمجتمع، ومرجعية لكل موقف، وسلاح روحي وفكري لمواجهة أعتى التحديات. إنها ثقافة حياة ومواجهة، تُعيد للقرآن دوره المركزي في صناعة الإنسان والموقف والتاريخ.

 

فكر قرآني في مواجهة العدوان

في خضم العدوان الغاشم الذي استهدف اليمن منذ العام 2015 ، والذي لم يقتصر على القصف والغزو العسكري، بل امتد إلى حرب نفسية، ثقافية، إعلامية واقتصادية ، لم يكن السلاح وحده كافيًا للصمود،  بل كان لا بد من مشروع فكري متماسك، يُحصّن الشعب من الداخل، ويمنحه البصيرة في مواجهة الدعاية والتضليل والحرب الناعمة.

هذا ما قدّمه الفكر القرآني للمسيرة القرآنية، إذ ارتكز منذ بداياته على أن المواجهة مع قوى الاستكبار لا تُخاض فقط في الميدان، بل تبدأ من الوعي، من تحديد العدو الحقيقي، ومن رفض الخنوع والخضوع باسم الدين أو السياسة.

 

تشخيص العدوان على أسس قرآنية

من أبرز سمات الفكر القرآني أنه سمّى العدو باسمه ، أمريكا، إسرائيل، وكل من يدور في فلكهما ، وكشف أهداف العدوان الحقيقية المتمثلة في الهيمنة والسيطرة على القرار، ونهب الثروات، وطمس الهوية الإيمانية.

كما ربط المعركة بالسنن القرآنية بأنها صراع مستمر بين المستضعفين والمستكبرين، بين الحق والباطل ، من خلال هذا الفهم، لم يعد الشعب اليمني يرى الحرب كـ”نزاع سياسي داخلي” أو “صراع مصالح”، بل كـعدوان خارجي يُدار من غرف الاستكبار العالمي، ويستهدف دينه وكرامته واستقلاله.

 

تعبئة روحية تستمد جذوتها من القرآن

اعتمد الفكر القرآني على شحن الروح الجماهيرية من خلال ، الآيات التي تتحدث عن الثبات والصبر والجهاد (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) ، (إن ينصركم الله فلا غالب لكم) ، وكذلك عرض نماذج الأنبياء والمجاهدين التي قدمها القرآن كمصدر إلهام، وليس فقط قصصًا تاريخية ، وإحياء ثقافة الموت في سبيل الله كأعلى درجات الحياة (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا…) ، هذه التعبئة جعلت من المجتمع اليمني أكثر استعدادًا للتضحية، وجعلت الموت في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض مسألة وعي وشرف، لا مجرد خيار اضطراري.

 

الوعي بالحرب الناعمة ومخططات الغزو الفكري

ركّز الفكر القرآني كذلك على معركة الوعي، والتي اعتبرها لا تقل خطورة عن المعركة العسكرية، ولذلك حذّر من الانبهار بالدعاية الغربية وأدواتها الإعلامية ، وفكّك خطاب “السلام المزيف” الذي يطرحه المستعمر لتبرير تدخله ، كما حذّر من الطابور الخامس و”المنافقين” الذين يعملون لصالح العدو من الداخل، وبذلك لم تنطلِ على الوعي الشعبي الشعارات “الإنسانية” و”حقوق الإنسان” التي استخدمها العدوان لتجميل جرائمه.

 

ثقافة موقف لا حياد فيه

في أدبيات الفكر القرآني، لا توجد منطقة رمادية أمام العدوان،  فإما أن تكون مع المظلومين والمستضعفين، أو في صف الطغاة، بصمتك أو بتخاذلك،  ومن هنا جاءت خطابات السيد عبد الملك الحوثي لتؤكد أن السكوت جريمة وأن الحياد خيانة ، وأن القرآن يدعو إلى الموقف لا إلى الحياد السلبي ، وقد انعكست هذه المفاهيم على سلوك المجتمع، الذي لم يعد يتعامل مع الحرب كخبر عابر، بل كقضية إيمانية ومصيرية، تستدعي الانحياز التام للحق ، لقد واجه اليمن عدوانًا متعدد الأوجه، لكنّ الفكر القرآني للمسيرة القرآنية قدّم مقاربة متكاملة ، حلّل أسباب الحرب ، وفضح أدواتها، وزرع الثقة بوعد الله ، وحرّك المجتمع نحو الموقف العملي ، وبذلك شكّل هذا الفكر درعًا ووعيًا، ورؤية قرآنية للمواجهة، أعادت تعريف مفاهيم الحرب، والكرامة، والانتصار.

 

خاتمة 

في ظل عالمٍ تمزّقه الحروب وتسحقه حملات الهيمنة والاستكبار، برزت الثقافة القرآنية في اليمن كواحدة من أهم تجارب المقاومة الفكرية والروحية في وجه العدوان،  لم تكن تجربة سطحية أو عاطفية، بل مشروعًا واعيًا، استلهم من كتاب الله رؤيته، ومن واقع الأمة مسؤوليته، ومن معاناة الشعب وقودًا لاستنهاض القوة الكامنة فيه.

لقد شكّلت المسيرة القرآنية نموذجًا متميزًا في إعادة تفعيل دور القرآن الكريم في الحياة العامة، ليس فقط كمصدر تعبّدي، بل كمصدر لصناعة الموقف، وبناء الإنسان، وتحصين المجتمع، وتوجيه الأمة في معركتها المصيرية.

إن الجبهة الداخلية اليمنية التي صمدت لأكثر من عقد من العدوان، لم تُبنَ على وعود دولية ولا دعم خارجي، بل تأسست على ركائز قرآنية متجذّرة، شكلت الحصن النفسي والفكري والروحي الذي أفشل الحصار، وأسقط الحملات، وأعاد تعريف النصر.

تُثبت التجربة اليمنية أن الأمة التي تُعيد علاقتها بالقرآن كمنهج حياة، لا كتراث محفوظ، هي أمةٌ قادرةٌ على أن تقف، وتقاوم، وتنتصر، مهما عظُم العدو، وتعددت المؤامرات.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com