المولد النبوي الشريف في اليمن .. موسم الإحسان والتكافل رغم العدوان والحصار

يُعد المولد النبوي الشريف مناسبة عظيمة في وجدان المسلمين، حيث تحل ذكرى ولادة من أرسله الله رحمةً للعالمين، خاتم الأنبياء محمد صلوات الله عليه وعلى آله ،  غير أن لهذه الذكرى في اليمن خصوصية مميزة، تتجاوز طقوس الاحتفال الروحي والديني، لتتحول إلى موسم واسع للتكافل الاجتماعي، والتراحم المجتمعي، وتجديد قيم الإحسان والإيثار.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

 

في بلد أثقله العدوان والحصار ، يثبت الشعب اليمني، عامًا بعد عام ،أن الاحتفاء بالنبي الأكرم صلوات الله عليه وآله، لا يكون فقط بالكلمات والفعاليات، بل بالفعل، والتكافل، والتضامن، والسعي لرفع المعاناة عن المستضعفين.

ويأتي هذا التقرير ليرصد مظاهر التكافل الاجتماعي في مناسبة المولد النبوي في اليمن، من خلال استعراض لأهم مظاهر التكافل المجتمعي التي ترافق إحياء المناسبة، وتسليط الضوء على جذور ثقافة التكافل في الموروث الشعبي اليمني، وكيف تعززت عبر التاريخ، وتحليل التحول النوعي في الاحتفاء بالمولد في ظل المسيرة القرآنية المباركة ووفق موجهات السيد القائد يحفظه الله ، وتكمن أهمية هذا التقرير في توثيق وتحليل تجربة اجتماعية فريدة، يعيشها المجتمع اليمني سنويًا، حيث تتحول ذكرى المولد النبوي إلى مشروع جماعي للعطاء والإحسان، يُثبت من خلاله اليمنيون أن الرسالة المحمدية لا تزال تُترجم في أرض الواقع، حتى في أصعب الظروف.

 

المولد النبوي.. مناسبة دينية بطابع إنساني

رغم أن المولد النبوي الشريف في جوهره مناسبة دينية تُستحضر فيها السيرة العطرة للنبي محمد صلوات الله عليه وآله، إلا أنه في الواقع اليمني يمثل أكثر من ذلك،  فهو محطة تربوية، وإنسانية، واجتماعية بامتياز، تتجلى فيها أسمى المعاني التي جاء بها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وعلى رأسها الرحمة، التكافل، والعدالة الاجتماعية.

لقد أثبت اليمنيون أن حب النبي لا يُترجم بالشعارات فحسب، بل بالأفعال، وأن إحياء هذه المناسبة ينبغي أن يكون وسيلة للتقرب إلى الله عبر خدمة عباده، ومواساة المحتاجين، ورفع المعاناة عن المستضعفين، وتتجلى مظاهر التكافل والتراحم في زيارة المرضى، وتقديم المساعدات الغذائية والطبية، وكفالة الأيتام والأرامل وإطعام الفقراء، وإطلاق حملات تطوعية لإصلاح المنازل، وتنظيف الشوارع، ومساندة المتعففين، وفي ظل العدوان والحصار، يتحول المولد إلى فرصة للتماسك الاجتماعي وبث الأمل، حيث يُدهش الفقراء العالم بقدرتهم على العطاء، وتتجلى أخلاق النبي صلوات الله عليه وآله، في بيوت لا تملك الكثير، لكنها تُعطي بسخاء.

 

مظاهر التكافل الاجتماعي في المولد النبوي الشريف 

الموائد الجماعية .. تُنصب موائد الطعام في الأحياء والمساجد والساحات، ويدعى إليها الجميع دون تمييز، في مظهر وحدوي وإنساني مميز.

كسوة الأيتام والفقراء .. تنتشر حملات لتوزيع الملابس على الأطفال الأيتام وأبناء الأسر الفقيرة، ترسم البسمة وتُعيد الكرامة.

السلال الغذائية والصدقات .. توزع آلاف السلال والمبالغ النقدية، خصوصًا للأسر النازحة والمعدمة.

الخدمات الصحية المجانية .. تُنظم حملات طبية تشمل الكشف والعلاج المجاني وتوزيع الأدوية.

رعاية أسر الشهداء والجرحى .. تُوجَّه موارد كبيرة لدعم أسر المجاهدين والجرحى، تكريمًا لعطائهم.

 

 

ثقافة التكافل في الموروث اليمني .. أصالة تتجدد

ليست مظاهر التكافل الاجتماعي جديدة على اليمنيين، بل هي جزء من الموروث الثقافي والديني، حيث عُرفت القبائل والمناطق اليمنية بأنظمة مثل :

العونة: التعاون في الزراعة والبناء.

المضافة: إكرام الضيف والمحتاج.

الأوقاف: تمويل المدارس وإطعام الفقراء.

وتعكس الأمثال الشعبية هذا التوجه مثل : (الجار قبل الدار .. ما أكفى واحد اكفى إثنين  .. الشيء واحد .. من وسّع على الناس، وسّع الله عليه) ، ولم يكن المولد النبوي استثناءً، بل كان دائمًا موسمًا تتجدد فيه قيم العطاء الجماعي في القرى والمدن.

 

في عهد المسيرة القرآنية المباركة .. المولد النبوي تكافل وبناء

منذ انطلاقة المسيرة القرآنية المباركة، تحوّل الاحتفال بالمولد النبوي إلى موسم عمل وتكافل واسع، يعكس روح القرآن وسيرة النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ، وأبرز ملامح هذا التحول، إهتمام السيد القائد يحفظه الله بإنشاء هيئة الزكاة  التي تطلق مشاريع الإحسان في كل عام بمناسبة المولد النبوي ،في مجالات مختلفة تلبي حاجات الفقراء والمساكين ، وكذلك هيئة الشهداء ومؤسسة الجرحى تنفذ برامج رعاية ودعم دائم لأسرهم، وكذلك المبادرات المجتمعية تنظّم حملات نظافة، توزيع ملابس، وفعاليات دعم نفسي واجتماعي.

بات المولد النبوي، في ظل هذه المسيرة، فرصة عملية لترسيخ الإيمان بالأعمال، وتعبيرًا عن الولاء للنبي  الأكرم صلوات الله عليه وآله ، من خلال الرحمة والتكافل.

وفي كل عام، يوجّه السيد القائد الأمة إلى تجسيد أخلاق النبي محمد صلوات الله عليه وآله، في الواقع، ويؤكد أن الاحتفال الحقيقي بالنبي صلوات الله عليه وآله، يكون بخدمة الفقير، ومواساة المحتاج، ورفع الظلم، وتجسيد الرحمة.”

 

رغم العدوان والحصار .. روح التكافل لا تموت

في ظل كل التحديات، أثبت اليمنيون أن الإيمان الحقيقي يظهر في العطاء عند الحاجة، ومع قلة الموارد، لم تَخفُ رحمة الناس، بل زادت، لتكون رسالة إلى العالم أن من يتّبع محمدًا صلوات الله عليه وآله، لا يترك جاره جائعًا، ولا يتغافل عن ألم الآخرين.

ولا يقف اليمنيون عند حدود التذكير بمولد النبي محمد صلوات الله عليه وآله، بل يحيون القيم التي جاء بها، في واقعهم، في أحيائهم، وفي شوارعهم، فالمولد بالنسبة لهم موسم للتكافل والبناء، ومناسبة لإعادة ترتيب الأولويات الاجتماعية على أساس الرحمة والمحبة والعدل.

وهكذا، يشكل اليمن نموذجًا فريدًا في العالم الإسلامي، حيث تتحول ذكرى المولد إلى مشروع حياة، يتجدد كل عام، من قلب المعاناة، ليقول للعالم ، أننا ما زلنا أمة الرحمة، وسنظل على نهج نبيها محمد صلوات الله عليه وآله ولو تحت العدوان والحصار.

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com