لماذا أزعجت ثورة الــ 21 من سبتمبر العدو الصهيوأمريكي وأدواته في الداخل والخارج
في 21 سبتمبر 2014، سجل الشعب اليمني حدثًا مفصليًا في تاريخه السياسي والوطني، حين خرجت الجماهير في العاصمة صنعاء وسائر المحافظات رفضًا للفساد والوصاية الأجنبية، مطالبين بالحرية والاستقلال والسيادة الوطنية، تمكنت هذه الثورة الشعبية الواسعة من إسقاط أدوات الهيمنة وفتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن الحديث، “ثورة 21 سبتمبر المجيدة”.
يمانيون / تقرير / طارق الحمامي
لكن، ومنذ يومها الأول، واجهت هذه الثورة معارضة شرسة من الخارج والداخل. فما الذي أزعج أعداء اليمن في الخارج ومرتزقتهم في الداخل إلى هذا الحد؟ وما الذي يجعل ثورة 21 سبتمبر هدفًا دائمًا لمحاولات التشويه والتشويش؟
وتكمن أهمية هذا التقرير في تسليطه الضوء على البعد الاستراتيجي للثورة اليمنية، ليس فقط باعتبارها حدثًا داخليًا، بل كتحولٍ إقليمي أزعج موازين الهيمنة والنفوذ في المنطقة، وطرح نموذجًا مغايرًا للتعاطي مع التحديات الوطنية والسيادية.
كما يقدم التقرير فهمًا أعمق لأسباب العداء المستمر تجاه الثورة، ويوضح كيف أن النجاحات التي حققتها رغم العدوان والحصار باتت مصدر إلهام لحركات تحررية أخرى، ومصدر قلق متزايد لقوى الهيمنة
إسقاط الوصاية السعودية الأمريكية
أحد أبرز منجزات ثورة 21 سبتمبر هو إسقاط مشروع الوصاية الخارجية على القرار اليمني، خاصة تلك التي تمثلت في المبادرة الخليجية المدعومة أمريكيًا وسعوديًا، والتي كانت تُدار من خلف الكواليس في الرياض وواشنطن.
قبل الثورة، كانت القرارات السيادية تُتخذ خارج البلاد، وبعد الثورة، رفع شعار “القرار الوطني المستقل”، وهو ما اعتبرته القوى الأجنبية تهديدًا مباشرًا لنفوذها.
وهنا يكمن سبب الإزعاج الكبير، فثورة 21 سبتمبر أعادت الاعتبار لسيادة اليمن، وهو ما لا يتفق مع أطماع الخارج في بقاء اليمن ضعيفًا ومقسمًا وخاضعًا.
القضاء على مراكز الفساد والمحسوبية .. معركة الثورة الأعمق والأخطر
لم تكن ثورة 21 سبتمبر مجرد حراك شعبي لإسقاط حكومة أو تغيير وجوه سياسية، بل كانت في جوهرها ثورة شاملة ضد منظومة فساد عميقة، متجذرة في مفاصل الدولة، توارثتها أنظمة متعاقبة، واستفادت منها شبكات من المنتفعين في الداخل، بدعم وتغطية من الخارج.
فمنذ عقود، شكّلت مراكز الفساد والمحسوبية شبكة متشابكة من النفوذ المالي والسياسي والإداري، سيطرت على الموارد والمؤسسات، واحتكرت القرار الوطني، وحوّلت الدولة إلى غنيمة، والشعب إلى ضحية.
الفساد كمنظومة حكم لا مجرد حالات فردية
قبل ثورة 21 سبتمبر، لم يكن الفساد حالة عابرة، بل كان أداة لإدارة الدولة عبر شبكات المصالح والولاءات الحزبية والعائلية، ووسيلة لترسيخ النفوذ السياسي وشراء الولاءات بالمال العام، وبابًا مفتوحًا للتدخلات الخارجية، حيث كانت السفارات الأجنبية خاصة الأمريكية والخليجية ترعى شخصيات فاسدة للحفاظ على النفوذ في اليمن.
واجهت الثورة هذا الإرث الثقيل، ورفعت شعار “لا مكان للفاسدين في يمن الثورة”، وهو ما أثار رعب الطبقة السياسية القديمة التي فقدت امتيازاتها وسعت بكل الوسائل لإفشال المشروع.
وباشرت قيادة الثورية بعد 21 سبتمبر باتخاذ إجراءات عملية في مواجهة الفساد، شملت إعادة هيكلة مؤسسات الدولة واستبعاد الوجوه المرتبطة بالفساد أو التبعية، وإلغاء الامتيازات غير القانونية التي كانت تُمنح لكبار المسؤولين والمتنفذين.
وتم تفعيل دور الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد تفعيلاً جاداً وحقيقياً بصيغة جديدة، تعمل على مراقبة الأداء المؤسسي، وتحقيق الشفافية، وإعادة الثقة إلى العمل الإداري، مع ربطها مباشرة بقيادة الثورة لضمان استقلالها.
كما تعاملت القيادة الثورية مع واحدة من أخطر أشكال الفساد قبل الثورة وهي المحاصصة الحزبية والطائفية، التي قسمت الدولة إلى حصص بين الأحزاب المتصارعة، وهو ما عطّل مؤسسات الدولة، وعزز من ثقافة الولاء الحزبي بدلًا من الكفاءة والنزاهة، وزرع العداوات والانقسامات المجتمعية.
وبدأت القيادة الثورية في ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية الجامعة، التي تُدار بالكفاءة والولاء للوطن، لا للحزب أو الطائفة أو الخارج.
وقد أدّى هذا التوجه إلى تصادم مباشر مع قوى سياسية تقليدية اعتادت التحكم بالسلطة والثروة عبر المحسوبية، ما دفعها للتحالف مع قوى العدوان بحثًا عن استعادة مصالحها.
ولم يكن الفساد الداخلي ظاهرة معزولة عن الخارج، بل كان مرتبطًا به وظيفيًا، فقد كان العديد من المسؤولين الفاسدين، أدوات تنفيذ لأجندات خارجية عبر التحكم في المناقصات والمساعدات والمشاريع، وواجهة محلية لمشاريع الهيمنة الاقتصادية التي كانت تنهب الثروات تحت غطاء الاستثمار، ومنفذين لصفقات مشبوهة مع شركات أجنبية، أُهدرت فيها مليارات الدولارات من أموال اليمنيين.
ولذلك، فإن ضرب هذه المنظومة لم يكن مجرد تطهير إداري، بل معركة سيادية بامتياز، تهدف إلى تحرير الاقتصاد والسياسة من قبضة الاستعمار الحديث.
بناء جيش وطني غير تابع .. ركيزة الاستقلال والسيادة
من بين أهم وأخطر الملفات التي تصدت لها ثورة 21 سبتمبر المجيدة، كان ملف إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس وطنية خالصة، تُنهي عقودًا من الارتهان والتبعية، وتحول دون استخدام الجيش أداة لخدمة الأجندات الأجنبية أو حماية الفساد الداخلي.
ففي مرحلة ما قبل الثورة، كانت المؤسسة العسكرية اليمنية مخترقة ومجوفة من الداخل، تتوزع ولاءاتها بين أشخاص وقوى إقليمية، وتُدار غالبًا من خلف الكواليس من قِبل السفارات، لا سيما السفارة الأمريكية، التي كانت تتدخل في التعيينات والتسليح والتحركات الميدانية.
أما بعد الثورة، فقد أصبح إعادة بناء الجيش أولوية استراتيجية، وهو ما تحقق عبر عدة خطوات نوعية، أهمها تحرير القرار العسكري من الوصاية، وتم العمل منذ البداية على قطع العلاقة بين القيادة العسكرية اليمنية وأجهزة الاستخبارات الأجنبية، خاصة الأمريكية والسعودية، ووقف التدخلات المباشرة التي كانت تتحكم في غرف العمليات والتدريب والتسليح.
كما خضعت العقيدة القتالية للجيش اليمني لإعادة صياغة جذرية، بحيث لم تعد مجرد عقيدة انضباطية شكلية، بل أصبحت مرتبطة بالهوية الوطنية والإيمانية للشعب اليمني، ومرتكزة على مبادئ السيادة والكرامة ورفض الظلم والعدوان، وموجهة للدفاع عن الشعب والمستضعفين، لا لقمعه أو خدمة الطغاة.
وهذه العقيدة، جعلت من المقاتل اليمني نموذجًا فريدًا في التضحية والانضباط، وكان لها الدور الأبرز في الصمود الأسطوري في وجه آلة الحرب التي قادها التحالف لسنوات.
وبفضل الرؤية الثورية والاستقلال في القرار، دخل اليمن مرحلة التصنيع العسكري المحلي، بدءًا من إنتاج الطائرات المسيّرة بكفاءة عالية، وتطوير الصواريخ الباليستية والمجنحة، وإنشاء منظومات دفاع جوي وصاروخي حديثة، وتجهيز قطع بحرية هجومية وردعية
وقد مثلت هذه القدرات تغيرًا جذريًا في معادلة الردع، حيث بات الجيش اليمني قادرًا على ضرب العمق الاستراتيجي لدول العدوان، ومواجهة التهديدات من الجو والبحر والبر بكفاءة غير مسبوقة.
ولم يكن مستغربًا أن يكون الجيش اليمني هدفًا أوليًا لتحالف العدوان منذ اليوم الأول للحرب، حيث تم استهداف معسكراته ومخازن سلاحه ومراكز تدريبه، وسعت قوى الخارج إلى تفكيكه وخلق جيوش موازية من المرتزقة في مأرب وعدن وشبوة وغيرها، لكن الثورة صمدت، ونجحت في بناء جيش أكثر فاعلية، وأقل كلفة، وأكثر تأثيرًا.
ولذلك، فإن تحالف العدوان لا يخفي اليوم قلقه الشديد من تنامي القدرات العسكرية اليمنية، ويعتبره تهديدًا إقليميًا جديدًا لمشاريعه في المنطقة.
القضية الفلسطينية في قلب الأولويات
منذ الأيام الأولى، وضعت ثورة 21 سبتمبر القضية الفلسطينية في قلب أولوياتها، ورفضت التطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل قاطع، بل وساندت قوى المقاومة في فلسطين ولبنان، هذا الموقف أثار غضب أمريكا وإسرائيل وبعض الأنظمة العربية المطبعة.
اليمن بات يُحسب ضمن محور المقاومة، وهذا التحول قلب موازين التحالفات في المنطقة، لذلك، فإن الثورة باتت هدفًا استراتيجيًا للتشويه والحصار والتجويع، في محاولة لإفشال هذا النموذج المناهض للهيمنة الغربية.
الانحياز إلى الشعب وتلبية مطالبه
خلافًا للأنظمة السابقة، جاءت ثورة 21 سبتمبر من رحم الشارع اليمني، وطالبت بخفض أسعار المشتقات النفطية، ودعت لمكافحة البطالة وتحقيق العدالة الاجتماعية،وفتحت المجال أمام الطاقات الشبابية للمشاركة في إدارة الدولة.
هذه المطالب أقلقت الداخل الفاسد والخارج المستفيد من إبقاء الشعب اليمني غارقًا في الفقر والجوع والجهل.
رد الفعل .. عدوان شرس وتشويه إعلامي
ردًا على نجاح الثورة، شن التحالف بقيادة الولايات المتحدة والسعودية والامارات حربًا شعواء منذ مارس 2015، استهدفت كل مقومات الحياة في اليمن، آلاف الغارات على البنى التحتية والمدنيين، وفرض حصار خانق بري وجوي وبحري، وتجنيد أدوات الداخل من مرتزقة وسياسيين وإعلاميين.
ومع ذلك، صمد الشعب اليمني، واستطاعت الثورة أن تحقق إنجازات عسكرية وسياسية واقتصادية رغم العدوان والحصار.
ثورة 21 سبتمبر في خطاب السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله
حظيت ثورة 21 سبتمبر بقيادة واعية ومُلهِمة تجسدت في شخصية السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، الذي مثّل بعقله السياسي وبُعده الإيماني، المرجعية الفكرية والميدانية العليا للثورة، وعمودها الفقري في الثبات والتوجيه والتصعيد.
وفي خطاباته المتعددة، سواء في المناسبات الوطنية أو المحطات المفصلية، حرص السيد القائد على ترسيخ البُعد الإيماني والوطني للثورة، مؤكدًا أنها ليست انقلابًا على أحد، بل حركة شعبية تحررية جاءت استجابة لمظلومية شعبٍ بأكمله يعاني من التهميش والوصاية والفساد، وانتصارًا لكرامة الإنسان اليمني، ورفضًا لأن يكون القرار اليمني رهن السفارات أو العواصم الأجنبية، وموقفًا مبدئيًا في وجه الغطرسة الإقليمية والدولية، وامتدادًا لمعركة الأمة ضد الاستكبار العالمي.
وقد شدد السيد القائد، يحفظه الله على أن الثورة ليست مجرد تغيير سياسي سطحي، بل تحول جذري في الهوية والانتماء والبناء، إذ دعا إلى، تحصين الوعي الشعبي في مواجهة الحرب الإعلامية والتضليل الخارجي وتعزيز الاستقلال السياسي والاقتصادي من خلال مشاريع الإنتاج الوطني والاكتفاء الذاتي، وكذلك دعم قضايا الأمة الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع بكل أشكاله، ومواجهة العدوان بالثبات والصبر والتطوير العسكري النوعي، وهو ما انعكس لاحقًا في موازين الردع والتوازن.
وفي ظل الحصار والعدوان، ظلت خطابات السيد القائد تشكل حالة تعبئة نفسية ومعنوية وثقافية عالية، حيث تميّزت بالثبات، وبعث الأمل، وربط الثورة بالقيم الإيمانية التي تستند إلى القرآن الكريم والوعي الجمعي المقاوم.
لقد تحولت هذه الخطابات إلى وثائق استراتيجية توجه بوصلة الثورة وتحميها من الانحراف، وتسهم في الحفاظ على وحدتها وهدفها الأسمى: بناء يمن مستقل، موحد، عزيز، قوي، وحر القرار.
ثورة مستمرة رغم التآمر
ثورة 21 سبتمبر لم تكن لحظة غضب عابرة، بل تحولت إلى مسار وطني تحرري طويل الأمد، يسعى لبناء يمن مستقل قوي مزدهر، يملك قراره ويحفظ كرامة أبنائه.
ولهذا، ستبقى هذه الثورة مزعجة ومرعبة لأعداء اليمن، ما دامت تنبض بإرادة الشعب، وتستلهم قيم الحرية والسيادة والاستقلال.