حينما يكون الوسيط قاتلًا

أسماء الجرادي

أعلن البيت الأبيض رسميًا عن خطة ترامب لإنهاء حرب غزة، لينكشف ملامح مشروع سياسي لا يحمل في طياته سوى الإذلال، والتفكيك، والتصفية التدريجية للقضية الفلسطينية. هذه الخطة المجحفة، التي تحمل بشاعة سياسية وأمنية لا تقل إجرامًا عن المجازر التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني على مدى عقود.

الولايات المتحدة، التي تُقدَّم نفسها كوسيط نزيه، هي ذاتها من سلّحت الاحتلال، ودعمت جرائمه، وغطّت على مجازره في المحافل الدولية. هي من حاربت بلداننا دفاعًا عن إسرائيل، وهي من تعارض الاعتراف بدولة فلسطين رغم ما في ذلك من ظلم تاريخي للشعب الفلسطيني. وإسرائيل التي لم تتوقف يومًا عن القتل، والتهجير، وهدم البيوت، وتدنيس المقدسات ياتو اليوم ليعلنوا عن اتفاق او ما يسمى بخارطة طريق ،لوقف الحرب او بالاصح خارطة لتسليم فلسطين والامة بكلها لهذا المجرم، وما قاومت لاجله فلسطين ودول الاسناد لعامين ارادو الحصول عليه بطريقة اخرى . كيف يُطلب من المقاومة أن تُسلّم سلاحها لمن قتل أطفالها؟ وكيف يُطلب من شعبٍ مظلوم ومحاصر أن يثق بمن قتله وهجّره وجوّعه؟

خطة ترامب ونتنياهو لا تهدف إلى وقف القتال، بل إلى فرض واقع استسلامي يُجهز على ما تبقى من الكرامة الوطنية.
والأخطر هو ما لم يُعلن بعد. فخلف هذه البنود، هناك مخططات لتصفية القضية، والتفرغ لإستهداف دول المقاومة في المنطقة: إيران، لبنان، اليمن، وسوريا. وما يُسمى ‘السلام’ ليس إلا غطاءً لتحالفات أمنية تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح الصهاينة والأمريكان.

المؤلم أكثر من الخطة نفسها هو انجرار بعض الأنظمة العربية والإسلامية خلف هذا المشروع وتايده ، وتقديمه على أنه فرصة تاريخية. كيف يُعقل أن يُعتبر المجرم وسيطًا؟ كيف يُمنح القاتل حق الإشراف على إعادة الإعمار؟ أليس هذا تواطؤًا؟ أليس هذا خيانة لدماء الشهداء؟

هؤلاء الذين يصفقون للخطة، هل فقدوا عقولهم وقلوبهن .؟ هل نسوا أن أمريكا هي من أشعلت الحروب، ومزّقت الأوطان، وساهمت في تدمير العراق وافغانستان وايران وسوريا واليمن؟ كيف يمنحها حق الوساطة وهي المسؤولة الأولى عن كل هذا الخراب؟

اما المقاومة فهي حقٌ إنسانيٌ وأخلاقيٌ في وجه الاحتلال. ومن يُجرّم المقاومة يُجرّم الكرامة، ومن يُطالب بنزع سلاحها يُطالب بنزع روح الأمة. لا سلام يُبنى على أنقاض العدالة، ولا استقرار يُولد من رحم الإذلال.

ما يُعلن في الإعلام هو الجزء الظاهر فقط. أما ما يُخفى، فهو الأشد بشاعة: مشاريع لتفكيك المجتمعات، ضرب الهوية، وتصفية كل من يقف في وجه الهيمنة. تصريحات ترامب ونتنياهو الوقحة هي تكشف عن عقلية استعمارية لا ترى في الفلسطينيين سوى عائق أمام مشاريعهم.

هذه ليست خطة سلام، بل خطة تصفية. وليست مبادرة إنسانية، بل مؤامرة سياسية. والسكوت عنها خيانة، والترويج لها جريمة، والوقوف ضدها واجبٌ ديني وأخلاقيٌ وتاريخي.

الرسالة الأخير اوجهها لكل مقاوم حر
إن هذه الخطة ليست إلا آخر مراحل الفتن والابتلاءات، وهي اختبارٌ قاسٍ للثبات والصمود. وهي أيضًا علامة على اقتراب النصر، فكلما اشتد الظلام، اقترب الفجر. إن النصر العظيم الذي وعد الله به عباده الصابرين، سيأتي بحجم الدماء التي سُفكت، والأرواح التي ارتقت، والآهات التي سكنت القلوب.
سيكون النصر جبراً لكل مظلوم، وشفاءً لكل جرح، وكرامةً لكل من قاوم ولم يساوم. وما علينا اليوم إلا أن نتمسك بالثبات، الثبات، الثبات… فهي مرحلة ما قبل النصر، وما بعدها إلا وعد الله الحق بالنصر المبين..

You might also like
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com