انتصار الصمود والمقاومة .. غزة تنتصر برغم جراحها وكل التضحيات
بعد أكثر من عامين من الإجرام والتوحش الإسرائيلي على قطاع غزة، يتجلى اليوم انتصار تاريخي للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، هذا الانتصار، الذي لم يكن مجرد صمود في وجه آلة حرب فتاكة، بل تحول إلى إنجاز سياسي وميداني كبير، تجسد بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، واستجابة العدو لشروط المقاومة، في ملفات استراتيجية تمسّ حاضر غزة ومستقبلها.
يمانيون / تقرير
يشكل انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة خطوة محورية ودليلاً واضحًا على فشل الأهداف العسكرية والسياسية التي سعى العدو لتحقيقها، ورغم ما روج له من شعارات القضاء على المقاومة وشل قدراتها، فإن الواقع على الأرض كان مغايرًا تمامًا، بقيت المقاومة صامدة، صواريخها استمرت حتى اللحظات الأخيرة، وشعبها ظل متجذرًا في أرضه.
هذا الانسحاب لم يكن مجرد قرار عسكري، بل جاء تنفيذًا مباشرًا لواحد من الشروط الأساسية التي فرضتها حركة حماس ضمن أطر التفاوض، ما يعكس انتقال المقاومة من موقع الدفاع إلى موقع فرض الإرادة.
شرط المقاومة الذي لا مساومة عليه
من أبرز بنود الاتفاق الذي رُسم بعد شهور من العدوان، ربط تسليم أسرى العدو الإسرائيلي المحتجزين لدى المقاومة بإبرام صفقة تبادل شاملة، وقد شددت حماس على أن أي حديث عن تسليم الأسرى لن يتم إلا من خلال صفقة تبادل حقيقية تفضي إلى إطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين، وعلى رأسهم ذوو الأحكام العالية والنساء والأطفال.
هذا الموقف الثابت أكّد مرة أخرى أن المقاومة ليست فقط جهة تقاتل في الميدان، بل هي جهة تفاوض من موقع قوة، تضع الشروط وتدير معركة الإرادات السياسية بصلابة.
انتصار السيادة وفرض الشروط
فرضت المقاومة الفلسطينية شرطًا أساسيًا في أي اتفاق هدنة، يتمثل في إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، بعيدًا عن سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وقد مثّل هذا الشرط انتزاعًا فعليًا لجزء من السيادة الفلسطينية، وإنهاءً لسنوات طويلة كان كيان الاحتلال الإسرائيلي يتحكم فيها بتفاصيل الحياة اليومية للغزيين، بما في ذلك الغذاء والدواء.
موافقة الاختلال الإسرائيلي على هذا الشرط تعني إقرارًا ضمنيًا بفشل سياسات الحصار والتجويع، وتكريسًا لحضور المقاومة كلاعب مركزي في أي معادلة تتعلق بمستقبل غزة.
فشل نزع سلاح المقاومة
رغم شراسة العدوان وحجم التدمير، لم يتمكن العدو الإسرائيلي من تحقيق هدفه الرئيسي المعلن، نزع سلاح المقاومة أو حتى تقويض بنيتها التحتية، بل على العكس، أثبتت المقاومة، من خلال استمرار رشقاتها الصاروخية حتى الأسبوع الأخير من المواجهة، أن قدرتها القتالية لا تزال قائمة، وأنها تحتفظ بأوراق قوة تجعلها جزءًا من ميزان الردع في المنطقة.
إن إجبار العدو على التفاوض مع المقاومة، لا عليها، هو بحد ذاته مكسب استراتيجي يعزز من مكانتها السياسية إقليميًا ودوليًا.
فشل محاولات التهجير
من الأهداف المعلنة التي سعى العدو الإسرائيلي لتحقيقها في عدوانه الوحشي، تهجير سكان شمال غزة نحو الجنوب، بل ومحاولة دفعهم خارج القطاع بالكامل، إلا أن الوعي الشعبي، والثبات الأسطوري، وروح التضحية التي تحلى بها الفلسطينيون، أفشلت هذا المخطط.
لقد قدم شعب غزة نموذجًا نادرًا في الصمود، رافضًا كل الضغوط والتهديدات، متمسكًا بأرضه، ومُظهرًا للعالم أجمع أن الهوية الوطنية لا تهزم بقوة السلاح.
أبعاد هذا الانتصار ودلالاته
نقلة نوعية في دور المقاومة، فهي من جهة تُطارد وتُحاصر وتقاتل ، ومن جهة أخرى تفرض شروطها على طاولة التفاوض، وتغير في قواعد الاشتباك، فلم يعد الكيان الإسرائيلي قادر على شن حرب دون حسابات سياسية وميدانية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار رد فعل المقاومة، وتآكل الردع الإسرائيلي، فصورة الجيش الذي لا يُهزم تصدعت بشكل كبير أمام صمود غزة ومقاومتها، وأثبت شعب غزة في هذه المعركة، أن كل مكونات الشعب الفلسطيني تلتف حول المقاومة وتدعم خياراتها.
هذا الانتصار يوجه رسالة للأمة والعالم، أن فلسطين لا تزال حية بصمود شعبها ومقاومتها، وأن إرادة التحرر أقوى من كل المؤامرات.
غزة تنتصر برغم جراحها وكل التضحيات
رغم حجم الدمار الهائل، ورغم آلاف الشهداء والجرحى، ورغم مشاهد الألم التي اجتاحت كل بيت، خرجت غزة مرفوعة الرأس، تسطر صفحة جديدة من تاريخ الصمود والمقاومة، لم يكن الانتصار سهلاً، ولم يُهدَ بلا ثمن، بل جاء مدفوعًا بدماء الشهداء، بصرخات الأطفال، بصمود الأمهات، وبإرادة مقاتلين لم تلِن عزيمتهم.
في كل ركام بناية مهدّمة، وفي كل خيمة نازح، وفي كل زفرة وجع، وُلد هذا الانتصار، انتصار لم يكن عسكريًا فقط، بل أخلاقيًا وإنسانيًا وسياسيًا، أكد أن الشعوب لا تُهزم مهما طال الزمن، وأن الاحتلال لا يدوم مهما بلغ بطشه.
غزة تنتصر، نعم، برغم جراحها، لأن الجرح هنا صار شهادة على النصر، لا على الهزيمة، غزة تنتصر برغم التضحيات، لأن كل تضحية كانت لبنة في بناء كرامة وطن لا يموت.
ختاماً
انتصار غزة ليس مجرد إنجاز عسكري أو سياسي، بل هو انتصار للكرامة، للصمود، وللحق الفلسطيني في أرضه ووطنه، لقد أُجبر الاحتلال على التراجع، وخرج مدحورًا، بينما بقيت غزة واقفة، رغم الجراح، تقول للعالم، هنا شعب لا يُهزم.