مفاهيم ومراحل “المنهى” و”التعكيز” في نظام استئناف القضاء العرفي القبلي “الجزء الـ13”

يمانيون|محسن علي
تبقى منظومة القضاء العرفي القبلي صرحاً شامخاً يجسد عمق التراث والعدالة المتجذرة في المجتمعات القبلية، خاصة في اليمن, سيما في هذا الزمن الذي تتسارع فيه وتيرة التغييرات القانونية والدستورية، هذا النظام، الذي قد يبدو للوهلة الأولى بسيطاً، يخفي في طياته هيكلاً قضائياً معقداً ومنظماً يضاهي في دقته الأنظمة القضائية الحديثة، لا سيما فيما يتعلق بضمان حق التقاضي والاستئناف.
فبينما يرى البعض في الحكم العرفي كلمة فصل لا رجعة فيها، تكشف قواعد العرف القبلية نفسها عن آليات متطورة تضمن للغريم (الطرف المتنازع) حق “المنهى” (الاستئناف) و”التعكيز” (الطعن المباشر)، لتكون بذلك صمام أمان ضد أي ظلم أو جور قد يقع من المحكم.
نسط الضوء في هذا الجزء الثالث عشر من استعراض مفاهيم وقواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة لقبائل اليمن المراحل المسنونة, وفلسفة العدالة القبلية التي لا تقبل الظلم مهما كانت المبررات.

“المنهى” العرفي.. نظام الاستئناف المشروط
يُعد نظام “المنهى” العرفي هو الآلية التي يتبعها الأطراف المتنازعة (الغرماء) لاستئناف حكم المحكم العرفي، وذلك في حال كان الحكم مبنياً على قاعدة “اشتراط المنهى” في وثيقة التحكيم, هذا النظام يضمن حق الأطراف في الطعن عبر مراحل محددة سُنّت في العرف القبلي’, وتختلف هذه المراحل باختلاف الصفة الانتمائية لأطراف الخلاف.

مراحل المنهى حسب انتماء الأطراف
تسلسل المراحل العرفية عدد المراحل حالة أطراف الخلاف من فرع واحد داخل القبيلة على أربع مراحل وهي:
المراغة القصرة (مرجع الفرع)
المراغة الغصاب (مرجع القبيلة العام)
المراغة غصاب الغصاب (مرجع الداعي الكبير)
مراغة النقض والإقرار (مرجع اليمن/المنقضة)

وثلاث مراحل من فرعين مختلفين داخل القبيلة وهن:
المراغة الغصاب (مرجع القبيلة العام)
المراغة غصاب الغصاب (مرجع الداعي الكبير)
مراغة النقض والإقرار (مرجع اليمن/المنقضة)

 

ومرحلتان من قبيلتين مختلفتين تحت داعي كبير واحد وهما:
المراغة غصاب الغصاب (مرجع الداعي الكبير)
مراغة النقض والإقرار (مرجع اليمن/المنقضة)

 

ومرحلة واحدة من قبيلتين مختلفتين تحت داعيين كبيرين مختلفين وهي:
مراغة النقض والإقرار (مرجع اليمن/المنقضة)

 

مفاهيم المراغات:
المراغة القصرة: هو المرجع العرفي للفرع القبلي (نصف، ثلث، ربع، إلخ)، وتبدأ لديه أولى مراحل الاستئناف في حال كان طرفا الخلاف من نفس الفرع.
مراغة النقض والإقرار (المنقضة): هو المرجع الأعلى في اليمن، وما يصدر عنه يكون ملزم التنفيذ إجبارياً، ويمثل المرحلة النهائية والأخيرة في جميع حالات المنهاة.

 

“التعكيز”..الطعن المباشر على الحكم المطلق
يختلف الأمر جذرياً في حال كان حكم المحكم مبنياً على قاعدة “التحكيم المطلق”, هنا، لا يكون الاستئناف بين الغريمين، بل يتحول إلى مواجهة مباشرة بين الغريم الطاعن والمحكم نفسه، وتُعرف هذه العملية بـ “المساننة على الحكم”.

نظام “التعكيز” كضمانة للعدل
التعكيز: هو النظام الذي سُنّ ليكون رادعاً لظلم المحكم “الغاوي” ومنصفاً للغريم الذي وقع عليه الظلم, ويتمثل الإجراء في أن يضع الغريم الطاعن “طرح سلاح” يسمى “طرح التعكيز” للمحكم، مما يلزم الطرفين بالانتقال إلى مرحلة واحدة وحاسمة.

 

مرحلة التعكيز
تتم لدى “منشد عرف” معترف به, ويقوم المنشد بالنظر في دعوى الظلم المقدمة من الغريم ضد المحكم، ويصدر “نشدَه الملزم” الذي يجب على الطرفين تنفيذه.

غرامة وأجرة التعكيز
يحدد “النشد العرفي” الصادر من المنشد الطرف الذي سيتحمل التكاليف والغرامات، مما يضع المحكم أمام مسؤولية مباشرة عن حكمه.
تحمل التكاليف والغرامة نتيجة النشد العرفي الغريم الطاعن يتحمل أجرة المنشد كاملة + غرامة للمحكم (رأس من الغنم/شاة) عن يوم النشد جبرا (تأييد) حكم المحكم أجرة المنشد مناصفة بين الغريم والمحكم + كل منهما يتحمل غرامة نفسه كسر (تعديل) حكم المحكم .

يُظهر هذا النظام العرفي، الذي فصّله مدى التعقيد والتنظيم في القضاء القبلي، حيث لا يقتصر الأمر على إصدار الأحكام، بل يمتد ليشمل نظاماً متكاملاً لضمان العدالة والإنصاف عبر مراحل استئنافية دقيقة (المنهاة) وآلية طعن مباشرة ورادعة (التعكيز)، مؤكداً أن العرف القبلي لا يقبل أي ظلم على الإنسان، مهما كانت المبررات.

المرجع: كتاب قواعد العرف القبلي المسنونة والغصابة لقبائل اليمن – للشيخ صالح روضان.

You might also like