تفكك تحالف العدوان .. صراع النفوذ السعودي الإماراتي يشتعل جنوباً وشرقاً
يمانيون | تقرير تحليلي
في الوقت الذي كانت فيه العدوان السعودي الإماراتي يراهن على الحسم العسكري السريع في بداية الحرب، تحول المشهد إلى فشل ذريع طالما كشف عن هشاشة تحالف الرياض وأبوظبي، الذي تشكل تحت راية واحدة بهدف السيطرة على اليمن.
ومع مرور الوقت، ظهرت التناقضات الحادة بين الشريكين، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع،بين الأدوات نفسها التي ساهمت الرياض وأبوظبي في تأسيسها.
صراع النفوذ وتداعيات إدارة الأدوات
لم يكن النزاع السعودي الإماراتي الدائر اليوم في المحافظات الجنوبية والشرقية لليمن حدثاً طارئاً أو خلافاً عابراً، بل هو نتيجة حتمية لمسار طويل من العدوان، وإدارة المصالح، وتناقض الأجندات بين قوى الغزو والاحتلال.
فالتحالف الذي تشكّل في مطلع عام 2015 لإسقاط اليمن الحر والمستقل، سرعان ما تعرّض لانتكاسات استراتيجية مبكرة، بعد فشله في كسر إرادة اليمنيين أو إعادة فرض الوصاية الخارجية التي أسقطتها ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر.
منذ الأسابيع الأولى للعدوان، تلقّى تحالف الرياض وأبوظبي ضربات قاصمة، كشفت محدودية رهانه على التفوق الجوي والدعم الأمريكي والبريطاني، وأثبتت أن إرادة اليمنيين المتجذرة في عمق التاريخ لا يمكن إخضاعها بالقصف ولا بالحصار.
ومع تعثّر المشروع العسكري المباشر، انتقل التحالف إلى استراتيجية بديلة، قائمة على صناعة الأدوات المحلية، وتغذية الميليشيات، وإنشاء المعسكرات والمخيمات، وتكثير البيادق التي لا تمتلك قرارها ولا مشروعها، بل تعيش على موائد التمويل، ولا تملك القدرة على إنقاذ التحالف من الغرق.
من تحالف عدواني إلى صراع مصالح
قدّم تحالف السعودية والإمارات نفسه في بدايات العدوان كجبهة واحدة، لكنه في العمق كان تحالف مصالح مؤقت، سرعان ما انكشفت هشاشته مع تصادم الطموحات.
فمع مرور الوقت، بدأت أبوظبي والرياض تتعاملان مع اليمن كغنيمة حرب، يجري تقاسمها كما تُقسّم الكعكة، كلٌّ وفق أجندته وأسياده الأمريكيين والأوروبيين وحتى الصهاينة.
الإمارات، التي بنت مشروعها على السيطرة على الموانئ والجزر والممرات البحرية، عملت على عسكرة أدواتها جنوباً وشرقاً، ودفعت بمليشيات متعددة الولاءات، أعادت فرزها مراراً، وقسّمتها إلى تكتلات ورؤوس متعددة، تُدار كإرث بلا جذور.
أما السعودية، فكانت تسعى إلى تثبيت نفوذها التاريخي، وإعادة إنتاج الوصاية القديمة بواجهات جديدة، مستخدمة ذات الأدوات التي صنعتها وشرعنتها زوراً تحت مسمى “الشرعية”.
حضرموت والمهرة: شرارة الانفجار
التطورات الأخيرة، خصوصاً في حضرموت والمهرة، كشفت انتقال الصراع من التنسيق العدواني المشترك إلى مرحلة صدام الأدوار.
فقد اندفعت الإمارات، بعيداً عن التفاهمات السابقة، لمحاولة فرض أمر واقع جديد، والسيطرة على مفاصل استراتيجية، تحت عناوين مضللة كـ”تقرير المصير”، ما اعتبرته بقية أدوات التحالف، وفي مقدمتها أدوات الرياض، انقلاباً عليها وإقصاءً لها من المشهد.
هذا التحرك الإماراتي ووجه بقلق سعودي متصاعد، رأت فيه الرياض تهديداً مباشراً لنفوذها وأطماعها التاريخية، ما دفعها لمحاولة لعب دور الوسيط سياسياً ودبلوماسياً واستخباراتياً، في مسعى لاحتواء التصعيد وسحب البساط من تحت أقدام أبوظبي، غير أن الأخيرة مضت في تحديها، وأرسلت شحنات سلاح وعتاد إلى ميناء المكلا، في رسالة تصعيد واضحة.
تبادل الرسائل العسكرية وتعمّق الشرخ
ردّ الفعل السعودي لم يتأخر، حيث لجأت إلى الخيار العسكري، واستهدفت خطوط الإمداد، في مؤشر على وصول الخلاف إلى مستوى غير مسبوق.
ومع تبادل التهديدات، وإعلان المهل، وادعاءات الانسحاب الإماراتي، التي سبق تكرارها منذ عام 2019 دون أن تغيّر من واقع الدور الوظيفي القذر شيئاً، بدا واضحاً أن الخلاف أعمق من مجرد سوء تفاهم، وأنه يعكس صراعاً حقيقياً على النفوذ، تديره غرف أمريكية وصهيونية من الخلف.
الانقسام داخل ما يسمى “مجلس الثمانية” مثّل انعكاساً مباشراً لهذا الشرخ، حيث انقسمت الأدوات بين ولاءات متصارعة، وبدأت حالة التآكل الداخلي، في مشهد يؤكد ما حذّرت منه صنعاء مبكراً: أن تحالف العدوان سيتفكك عمودياً على مستوى الدول، وأفقياً على مستوى الأدوات.
حقائق كشفتها صنعاء منذ البداية
الأحداث الجارية جنوباً وشرقاً لا تعبّر عن مراجعة أو تراجع أخلاقي للعدوان، بقدر ما تكشف حقيقة ما كان مخفياً: تحالف مطامع لتقسيم اليمن، والسيطرة على ثرواته، وإخضاع قراره السيادي.
ومع تصادم هذه المطامع، تحوّل اليمن إلى ساحة تنافس بين الغزاة، بينما يبقى الشعب اليمني هو الضحية الأولى، في سيادته ووحدته، وفي معاناته الاقتصادية والمعيشية.
السعودية، التي تحاول اليوم الظهور بمظهر الحريص على وحدة اليمن، هي ذاتها من قادت العدوان، واستدعت الإمارات، وشرعنت الميليشيات، وخلعت ما سمّي بالشرعية على مقاس مصالحها، قبل أن تتخلى عنها عندما انتهت صلاحيتها.
أما الإمارات، فمارست دورها التخريبي بوضوح، وربطت أدواتها بمشاريع خارجية، وصولاً إلى الارتباط بالعدو الصهيوني، في سوق مفتوح للمقايضة.
ختاماً
ما تشهده المحافظات الجنوبية والشرقية اليوم يؤكد أن تحالف العدوان لم يكن يوماً مشروع “دعم” أو “استعادة دولة”، بل شراكة غزو مؤقتة سرعان ما انهارت عند أول اختبار جدي للمصالح.
فالسعودية والإمارات، اللتان تقاسمتا اليمن كغنيمة، تتنازعان اليوم على ما تبقى من نفوذ وأدوات، بعد أن فشلتا في إخضاع الشعب اليمني أو كسر إرادته.
هذا الصراع ليس سوى إعلان إفلاس سياسي وعسكري، وتأكيد عملي على صحة موقف صنعاء التي حذّرت مبكراً من أن العدوان مشروع تقسيم وهيمنة تقوده واشنطن ويباركه الكيان الصهيوني.
ومع تعمّق الانقسام بين الغزاة، تتكرس حقيقة واحدة: اليمن عصيّ على الاحتلال، وكل أدوات العدوان إلى زوال، مهما طال أمد الصراع.