بعد سحب قواتها من مالي.. فرنسا تبحث عن موطئ قدم في اليمن
يمانيون../
الولايات المتحدة فبريطانيا ففرنسا، هذه هي التراتبية التي تحكم سياسات الدول الاستعمارية الثلاث في كافة تدخلاتها وتواجداتها؛ فأينما وجدت أمريكا وبريطانيا، تأكد أن ثالثتهما ستحضر باحثة عن نصيبها، أو حتى لمجرد الحضور وللتذكير ربما بأنها مستندة هي الأخرى إلى إرث استعماري لا يقل عن صاحبة الامتياز (بريطانيا). وأياً تكن حيثيات انسحابها من جمهورية مالي، سواء أكانت مجبرة عليه أم محض اختيار منها، فإن فرنسا ترى في التواجد الأمريكي البريطاني على السواحل اليمنية الجنوبية الشرقية أمراً يجعلها تشعر بالغيرة ويدفعها للبحث عن موطئ قدم هناك هي أيضاً، وهذا ما يبدو أنها في صدد الترتيب له بعد انسحابها ذاك من مالي.
كشفت مصادر مطلعة أن ترتيبات تجريها فرنسا مع تحالف الاحتلال لإيجاد موطئ قدم لها في المحافظات الجنوبية المحتلة، تزامناً مع سحب قواتها من جمهورية مالي الأفريقية.
وقالت المصادر إن توجهات سحب القوات الفرنسية من مالي جاءت بعد ترتيبات تهدف إلى تمكين باريس بشكل أقوى من التدخل في الشأن اليمني، لأسباب اقتصادية متعلقة بمبيعات الأسلحة، وكذا إيجاد موضع قدم لقواتها في السواحل اليمنية، وخصوصاً السواحل الجنوبية الشرقية حيث تتواجد القوات الأمريكية والبريطانية.
وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كشف في تصريحات، الخميس، اعتزامه سحب كافة القوات الفرنسية وكذلك القوات الأوروبية من مالي خلال 4 إلى 6 أشهر، على أن تلك القوات ستستقر في مناطق الساحل الأفريقي.
غير أن مراقبين وخبراء أكدوا أن فرنسا توجه أنظارها بشكل كبير إلى السواحل اليمنية؛ وهو ما يفسر قول ماكرون حول انسحاب قواته من مالي: «إنها مسألة إعادة تركيز على طلبات شركائنا، حيث ينتظرون مساهمتنا على شكل دعم، وفي تحقيق المزيد من التكامل»، مضيفاً: «سنحدد في الأسابيع والأشهر المقبلة الدعم الذي سنقدمه لكل من دول المنطقة، على أساس الاحتياجات التي تعبر عنها»؛ فيما اعتبر المراقبون والخبراء أن أولئك «الشركاء» الذين أشار إليهم ماكرون هم في المقام الأول السعودية والإمارات، اللتان أعلنت فرنسا الوقوف إلى جانبهما في عدوانهما على اليمن وتقديم كافة أشكال الدعم العسكري واللوجستي.
كما أوضح ماكرون أن هذا الدعم يمكن أن يشمل «المساعدة في التدريب وتوريد المعدات وحتى عملياتها ضد الإرهاب»؛ وهي الذريعة ذاتها التي بررت بها قوات الاحتلال البريطاني تواجدها في المهرة، أما أمريكا فهي من التبجح بحيث لم تعد بحاجة إلى اختلاق أي تبرير.
ويؤكد المراقبون أنه حتى لو لم يبين الرئيس الفرنسي ما إذا كان ذلك التكامل مع الشركاء سيشمل أيضاً الدعـم المقدم لتحالف العدوان الـــذي تقوده السعودية والإمارات، إلا أن تصريحات ومواقف سابقة أعربت من خلالها فرنسا عن وقوفها «بكل حزم» مع السعودية والإمارات تؤكد أن تنسيقاً بينها وبين الدولتين النفطيتين للتدخل في اليمن.
وفور الضربات الصاروخية اليمنية التي تلقاها الإماراتي في عمقه، أعلنت فرنسا، نهاية كانون الثــــاني/ يناير الماضي، بدء طائرات رافال مهمة حماية الإمارات من تلك الضربات، وعرض مساعداتها الفورية والسخية لدويلة الإمارات، التي تمتلك فرنسا فيها قاعدة بحرية دائمة وقاعدة جوية وفوجاً عسكرياً، كما ينتشر نحو 650 جندياً فرنسياً، وسيتم تعزيزهم بخمسين طياراً وميكانيكياً.
كما تم إدراج ضابط ارتباط فرنسي في مركز القيادة الإماراتية على أن يتم تزويد الإمارات بالجيل الجديد من أنظمة الدفاع الجوي «كروتال»، بحسب ما ورد في تقرير للشبكة الدولية الفرنسية (RI).
من جهتهم، علق حقوقيون فرنسيون على تحركات ماكرون وانسحاب القوات الفرنسية من مالي بالقول: «بعد مالي، فرنسا منخرطة في مستنقع اليمن، هذه الحكومة لن تفوت فرصة واحدة كما يبدو».
ورداً على سؤال «ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا في حرب السعودية ضد شعب اليمن؟»، والذي طرحته الصحفية الفرنسية ميشيل توسان على الباحثة المشاركة في مركز البحوث والمعلومات والتوعية والتعليم من أجل نزع السلاح، آشيل ماهي، أجابت الأخيرة بالقول: «فرنسا تبيع الأسلحة، وهذا بالفعل دور محرج للغاية، لأن العديد من الجرائم يرتكبها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن»؛ مكتفية بأن تكون الإجابة مقتصرة على موضوع بيع الأسلحة.
ويشبه مراقبون الاندفاع الفرنسي نحو المزيد من التورط في الملف اليمني بالغيرة من الولايات المتحـــــدة وبريطانيــــا اللتين تحظيان بالكثير من صفقات التسليح والسيطرة على حقول النفط، لاسيما في محافظات جنوب اليمن المحتلة.
وعلق الناشط السياسي الفرنسي جو كارتون بأن ذلك «تورط فاضح لفرنسا ضد اليمن»، فيما ذكر بوسكو دانتاس أن «نوعاً من النازية الصامتة شكلت التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والسعوديين لقصف اليمن».
وبصرف النظر عما تنويه فرنسا في قادم الأيام من تواجد لقواتها على الأرض اليمنية، فإن تورطها في الحرب على اليمن واضح منذ الأيام الأولى للعدوان؛ لكن تحركاتها الأخيرة تكشف عن تورطها بشكل كبير مع قوات الاحتلال السعودية والإماراتية في رسم المشهد في المحافظـــات الجنوبية المحتلة.
وكان السفير الفرنسي لدى شرعية العمالة، جان ماري صفا، كثف في الفترة الأخيرة تحركاته التي علق عليها محللون باعتبارها اهتماماً فرنسياً متزايداً بشأن التورط أكثر في ملف اليمن.
وظهر «صفا» في اجتماع مرئي، مطلع شباط/ فبراير، مع المؤتمري جناح الإمارات عوض بن الوزير العولقي، المعين من قبل الاحتلال محافظا لشبوة، مبدياً في ذلك اللقاء رغبته في زيارة شبوة.
كما أنه قبلها بيوم واحد التقى قيادات ما يسمى «التحالف الموحد لأبناء شبوة»؛ وهو مكون قبلي اجتماعي يرعاه مرتزقة الإمارات.
ويؤكد المحللون أن اللقاءين كانا بتنسيق مع قوات الاحتلال الإماراتي وعلى صلة بمنشأة بلحاف الغازية في شبوة، والتي تتولى إدارتها شركة توتال الفرنسية وتأخذ ما نسبته 51% من الإنتاج، فيما تضم قاعدة عسكرية هامة لقوات الاحتلال الإماراتي.
وحول التباحثات واللقاءات المكثفة للسفير الفرنسي مع الاحتلال الإماراتي ومرتزقته، أكد موقع «ذا كريدل» حينها أن اتفاقيات ومباحثات الطاقة الفرنسية الإماراتية تهدف إلى نهب موارد الغاز اليمنية في محافظة شبوة، وذلك عبر الأسهم المملوكة لشركة توتال، مقابل تزويد دويلة الإمارات بأسلحة جوية تحد من الضربات الصاروخية اليمنية في عمقها.
كما أكد باحثون واختصاصيون يمنيون أن صفقة جرى إبرامها بين الفرنسيين والمحتل الإماراتي لسرقة 3 تريليونات قدم مكعبة من غاز بلحاف.
وبصرف النظر عما تنويه فرنسا في قادم الأيام من تواجد لقواتها على الأرض اليمنية، فإن تورطها في الحرب على اليمن واضح منذ الأيام الأولى للعدوان؛ حيث تحدثت أنباء في 2018 عن أن قوات الجيش واللجان الشعبية أسرت جنوداً فرنسيين في الساحل الغربي كانوا ضمن قوات الاحتلال الإماراتية، فيما نقلت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية حينها، وتحديداً في حزيران/ يونيو 2018، عن مصدرين عسكريين قولهما إن «هناك قوات خاصة فرنسية متواجدة على الأرض في اليمن إلى جانب القوات الإماراتية».
وذكرت الصحيفة أنها ليست المرة الأولى التي ذهبت فيها باريس إلى ما هو أبعد مما ذهبت إليه الولايات المتحدة في دعم دول الخليج، مشيرة إلى أن فرنسا قدمت للسعودية، في 2009، صورا فضائية لليمن، بعد أن رفضت واشنطن تقديمها للرياض.
وبالتالي فإن تحركات فرنسا الأخيرة تكشف عن تورطها بشكل كبير مع قوات الاحتلال السعودية والإماراتية في رسم المشهد في المحافظات الجنوبية المحتلة.
تقرير: نشوان دماج / صحيفة لا